استمع إلى الملخص
- تتشارك تركيا وسوريا في أنواع الكباب مثل الكباب بالباذنجان، بينما يتفرد كل منهما بأنواع خاصة، مما يعكس التنوع الثقافي والجغرافي في تحضير الكباب.
- ساهم الأتراك في نقل الكباب إلى الولايات المتحدة وأوروبا، ويُعدّ جزءاً من الطقوس الاجتماعية في تركيا، حيث يُقدَّم في المناسبات وتُنظم لأجله مهرجانات خاصة.
بغضّ النظر عن أصله الحقيقي، إلّا أنّ الكباب التركي يتميّز بخلطاته وتوابله وطريقة تحضيره، ويتمسك الأتراك باعتباره موروثاً ثقافياً وعلامة مسجلة تُنظم لأجله المهرجانات.
ربّما تُشعِلُ حرباً ثقافية لو قلت للأتراك إنّ أصل الكباب عربيّ، ومن مدينة حلب السورية تحديداً. ولعلّ شهرته في ولايات أضنة وأورفا وكهرمان مرعش التركية، تأتي من كون هذه الولايات كانت تتبع ولاية حلب السورية أيام الإمبراطورية العثمانية، كما لا يتنازل السوريون عن حقّهم بأصل الكباب، إن قلت إنّه تركي يعود إلى قبائل "الأوغوز" التركية التي ابتدعت فكرة شواء اللحوم خلال ترحالها، كما ابتكرت اللحوم المقدّدة التي تشتهر بها ولاية قيصري وسط تركيا.
وفي حين يقول البعض إنّ أصل الكباب لم يحسمه المؤرّخون أو الكتب التوثيقية والتاريخية، غير أنّ السوريين يبرّرون أحقيّتهم بالكباب من خلال العودة إلى أصل الكلمة "كبابو" الآرامية السورية القديمة، والتي تعني الحرق والتفحيم. بينما يتحدث الأتراك عن إلياذة هوميروس، الشاعر اليوناني الذي ذكر قطع اللحم المشوي خلال سرده حرب طروادة، تلك المدينة القديمة (شمال غربي تركيا)، كما أن كلمة "دونر" المشتقة من فعل dönmek، أي تدوير وتقليب، تدلّ وفقاً لقولهم، على أن أصل الكباب تركي، أو أقلها أن شواء اللحم عبر التدوير علامة مسجلة باسمهم، كما هي حال "كاي كباب" و"دونر كباب" والشاورما، ما يعني بنظرهم أنّ الكباب علامة عثمانية مسجلة، خصوصاً وسط الحديث عن مئة نوع من الكباب التركي، بنكهات مختلفة وتسميات متعدّدة ترتكز على المكوّنات وطريقة التحضير، أو على مَن قام بطهيه أولاً ومن أي مدينة انطلق، ما يؤكد خصوصية الكباب في كل ولاية ومدينة ومطعم.
وعلى الرغم من أن تركيا وسورية تتشاركان أنواعاً كثيرة من الكباب، مثل الكباب بالباذنجان والفستق الحلبي والحارّ، غير أن الكباب السوري يتفرّد بأنواع يفتقر إليها المطبخ التركي، مثل الخشخاش والكباب بالكمأة والفطر. بدورها، تتفرّد تركيا بأنواع كثيرة، بينها "تشاغ كباب" و"كاي كباب"، أو طرق عديدة لشيّ الخراف عبر الفحم أو بالفرن، والتي تُسمّى مجازاً كباباً طالما أنها تُطهى أو تُقدم باستخدام الأسياخ "شيش كباب"، ويُعتبر الكباب التركي "وجبة قومية" في البلاد.
وعن أشهر أنواع الكباب التركي، يقول يوسف، وهو النادل في أحد أشهر مطاعم إسطنبول للكباب: "لدينا الكثير من الأنواع، أهمها كباب أضنة، أورفا، مانيسا، كناريا، مولانا (نسبةً إلى قونية)، جاغ، وإسكندر كباب". وعن مميزات تلك الأنواع واختلافها، يوضح لـ"العربي الجديد" أن كباب أورفا يتمتّع بطعم الخراف اللذيذ، ويُقدَّم بسيخ شواء طويل، أما كباب أضنة فيشتهر بطعمه الحارّ، ويتميّز تشاغ كباب بخلطة توابل خاصة، مثل الريحان وإسكندر كباب الذي هو عبارة عن شرائح لحم فوق قطعٍ من الخبز، تُسقى بالزبدة، وتُوضع عليها صلصة البندورة والفلفل الأخضر الحارّ، وإلى جانبها اللّبن.
وتعود تسمية معظم أنواع الكباب التركي إلى ولايات تركية أو أشخاص، إذ إنّ تسمية إسكندر كباب تعود إلى إسكندر كايهان أفندي، وهو صاحب مطعم في ولاية بورصة، قدّم الوجبة لأول مرة في العام 1867، ولا يزال المطعم قائماً حتى اليوم، ويدافع أحفاده عن حقوق الملكية، رغم انتشار الوجبة في كلّ مطاعم تركيا.
ويقول الشيف في أحد مطاعم إسطنبول، محمد أرسلان، إنّ سرّ الكباب أولاً بنوع اللحم وطبيعة الطعام الذي تتناوله الخراف أو الأبقار، إذ كلّما كان الطعام طبيعياً، أي عبارة عن أعشاب، كان الطعم أكثر لذّة، ناهيك عن أنّ فرم اللحم يدوياً عوض الاعتماد على الماكينات، يؤثر على النكهة والطعم. ويرجّح في حديثه لـ"العربي الجديد" أنّ كباب أضنة الذي أخذ شهرة عالمية قد يأتي في المقدّمة، نظراً لمراعي الخراف، كما أن خلطة التوابل تلعب دوراً أساسياً، ويرى عموم الناس أن كباب أضنة حارّ فقط، من دون أن يفقهوا أنواع التوابل وطريقة التحضير التي قد تدخلها الخضار. كذلك، يأتي كباب أورفا في مقدّمة أنواع الكباب المشهورة، وهو يُعدّ أيضاً من لحم الخراف أو الأبقار، لكنّه يُفرم يدوياً على السيخ والخشب، ويُدعك باليد. ويمنح هذا النوع من الكباب طعماً خاصاً، كونه غير حارّ، وقلّما تدخله أي إضافات.
وتعود تسمية أنواع الكباب إلى الولايات التي اشتهرت به، بحسب قول أرسلان، مثل عنتابلي وأضانلي وأورفلي. لكن هذا لا يعني أن بقية الولايات لا تشتهر بالكباب، إذ نجد الكباب الخفيف وقليل التوابل، ذائع الصيت في قونية ومرسين وإزمير، وكباب هاتاي المعروف بطول السيخ الذي يقارب متراً ونصف المتر، حتى إنّ ولايات الأناضول معروفة بـ"تندر كباب". ويتابع الشيف التركي: "كل ولاية تشتهر بأنواع خاصة، مبتكرة ولذيذة، وكذلك كل مدينة أو مطعم، من خلال إدخال مكوّنات إضافية، مثل الدونر، وشيش كباب الذي تُضاف إليه الخضروات ويُقدّم مع الأرز والسلطة، في حين يُقدّم هونكاري كباب كشرائح لحم مع الباذنجان الكريمي، وقد سُمّي بهذا الاسم باعتباره كان الطعام المفضل لسلاطين الدولة العثمانية".
ويتحدث أرسلان عن أنواع كثيرة من الكباب التركي، مثل "كاي كباب" الذي يُشوى أفقياً، و"تيستي كباب" الذي يُطبخ في وعاء فخاري مع الخضار، و"كباب بيدان" الذي يُشوى مع البصل، ويكشف أن الكباب التركي يتميّز بطريقة تحضيره وبخلطات الأعشاب والبهارات وزيت الزيتون، إذ يُنقع بالتوابل لفترة قبل مرحلة الشوي.
ساهم الأتراك في نقل الكباب إلى الولايات المتحدة الأميركية والعديد من الدول الأوروبية، مثل ألمانيا وبريطانيا، مع الاحتفاظ بالأسماء التركية للكباب، أينما كان المطعم حول العالم، وحتى في الدول العربية التي تنافس على أحقية الكباب وأصله، حيث يُقال "أضنة كباب" و"عنتابلي كباب" و"أورفلي كباب".
وربّما من خصوصيّة الكباب أنه يُعدّ أحد الطقوس الاجتماعية في تركيا، إذ يُقدَّم بوصفه نوعاً من الضيافة خلال المناسبات أو خلال اجتماع أفراد العائلة للاستمتاع بحفلات الشواء الجماعية. وأكثر من ذلك، تُنظّم لأجل الكباب مهرجانات خاصة، مثل مهرجان أضنة، ما يؤكد قيمته وأهميته الراسخة في الثقافة الشعبية، فهو يتخطى كونه مجرّد صنف طعامٍ أو مصدراً للأموال والتجارة، ولعلّ انتشار الكباب التركي في العديد من دول العالم، خير دليل على شهرته الواسعة.