استمع إلى الملخص
- يعاني السكان من نزوح وفقدان منازلهم، مع تزايد الإحباط بسبب عدم تقديم مساعدات ملموسة، مما دفع البعض للجوء إلى أقاربهم أو المساجد.
- رغم مغادرة فريق أوروبي بعد تحقيقات، لم تُعلن نتائجها، مما زاد التكهنات حول أسباب الحرائق، بينما تستمر الحياة اليومية بشكل اعتيادي.
تتحول تفاصيل الحياة اليومية في مدينة الأصابعة (120 كيلومترا جنوب العاصمة الليبية طرابلس)، إلى كابوس مع تصاعد غير مسبوق في عدد الحرائق التي تلتهم المنازل، والتي وصل عددها إلى 231 منزلاً حتى الأحد الماضي.
وكشفت التحديثات الأخيرة لبيانات البلدية عن قفزة في عدد المنازل المحترقة مقارنة بـ160 منزلاً محترقة سجلت في نهاية الأسبوع الماضي، بزيادة 71 منزلاً خلال ثلاثة أيام فقط، في مؤشر إلى تفاقم أزمة الحرائق التي بدأت تشهدها المدينة منذ فبراير/ شباط الماضي من دون أي حلول جذرية.
وتزايدت الحرائق بوتيرة مقلقة، إذ وصل عدد المنازل المتضررة إلى 110 في منتصف مارس/ آذار، ثم إلى 150 في نهاية الشهر ذاته، قبل أن تهدأ نسبياً، لتعاود النيران انتشارها قبل أسبوع، وترتفع الحصيلة إلى 160 منزلاً، ثم تتسارع الأحداث بشكل كارثي خلال الأيام الأخيرة ليصل العدد إلى 231 منزلاً.
لكن تلك الإحصاءات لا تحمل الكثير من الدقة، إذ تشير إلى أن بعض المنازل احترقت أكثر من مرة، مرجعة عدم الدقة إلى استمرار عمليات الحصر والتقييم في ظل تفاقم أوضاع المدينة نتيجة الحرائق، وذلك على الرغم من إعلان حكومتي البلاد، حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس وحكومة مجلس النواب في بنغازي، حالة الطوارئ القصوى في فبراير الماضي، وإرسال فرق إطفاء وطوارئ، ما أشاع شعوراً بالطمأنينة في أوساط السكان حينها.
يقول مبارك نوير، من مدينة الأصابعة، لـ"العربي الجديد"، إن "الأوضاع تغيرت بشكل متسارع، فرغم مرور ثلاثة أشهر على بدء أزمة الحرائق المتكررة، لم تُعلن أي من الحكومتين عن الأسباب التي تؤدي إلى اشتعال الحرائق، ولم تُقدم أي من الحكومتين أي إغاثة أو مساعدات للمتضررين، حتى أن بيانات بلدية الأصابعة باتت تقتصر على تحديث أعداد المنازل المحترقة، بينما تراجعت تصريحات مسؤولي الحكومتين حيال الوعود الخاصة بإجراء تحقيقات جادة في أسباب الحرائق".
وفقد عدد من جيران نوير منازلهم، وهم يعيشون حالياً في حالة نزوح، ويعكس حديثه الأوضاع القلقة التي يعيشها سكان المدينة، ويوضح قائلاً: "تصوروا أن أطفالنا الآن يؤدون الامتحانات في هذه الظروف الصعبة، بينما القلق والارتباك صارا رفيقين دائمين للجميع، فالسكان جميعاً يشعرون بأنهم يعيشون تحت خطر الجمر المتقد الذي سيلتهب في أي لحظة".
بدوره، لا يختلف شعور إسماعيل شهلول عن بقية سكان الأصابعة، وإن ظلت معاناته أكبر بعدما تضرر منزله، وهو يؤكد أنه لم يتلق أي مساعدة، باستثناء مسكن وفره له أقاربه بشكل مؤقت.
ولم تتوقف الخسائر على احتراق المنازل، بل أسعفت فرق الإنقاذ العديد من حالات الاختناق، بلغت أعدادها 50 حالة، وفقاً لبيان بلدية الأصابعة الصادر مساء الأحد الماضي، وباتت بيانات البلدية التي تمتلئ بالشكوى من محدودية الإمكانيات مجرد سجلٍ لتحديث أعداد المنازل المحترقة وحالات الاختناق، وتكرار عبارات الطمأنة، والتأكيد على سرعة استجابة فرق الطوارئ.
ويرى شهلول، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن تلك البيانات لم تعد لها جدوى تذكر، وينقل عن بعض أقاربه أنه صار يبيت في أحد المساجد خشية احتراق منزله فجأة، بعدما نقل أسرته إلى منزل أقارب له في منطقة مجاورة، وينتقد موقف الحكومتين، ويستنكر عدم وقوفهما بجدية مع الأهالي المتضررين، حتى أن "خبراء من الجامعات وفرق متخصصة في البحث العلمي وخبراء من مؤسسة النفط جاؤوا وذهبوا وتركونا في حيرة، فلم يقل لنا أي أحد منهم أي معلومة مفيدة".
والأسبوع الماضي، أعلنت بلدية الأصابعة مغادرة فريق أوروبي مكون من خبراء من عدة دول، بعد خمسة أيام من التحقيقات الميدانية للتعرف إلى أسباب الحرائق، وأعلنت أن الفريق سلم تقريره النهائي إلى الحكومة في طرابلس، لكن الحكومة لم تعلن أياً من نتائج التحقيقات.
ويؤكد شهلول أن هناك العديد من التكهنات والتفسيرات التي يتداولها السكان لأسباب الحرائق، ومن بينها أن تكون أعمال تخريب أو خلل في شبكة الكهرباء هي السبب. وسط كل هذا القلق، تحاول فرق الإطفاء والهلال الأحمر والمسعفون تخفيف المعاناة اليومية للسكان. ويثني مبارك نوير على جهودهم، ويلفت إلى أن أكثر أفراد تلك الفرق صاروا معروفين لدى السكان بأسمائهم، وشكلوا الكثير من الصداقات، في انعكاس واضح لطول فترة الأزمة.
ورغم حدة الأزمة، والقلق السائد، يعكس حديث نوير وشهلول إصرار السكان على مواصلة الحياة، فالمدارس لم تُغلق أبوابها، وهي تستقبل طلابها يومياً، وبدأ طلاب صفوف المرحلة الابتدائية الامتحانات النهائية، كما أن المحال التجارية تفتح أبوابها بشكل اعتيادي.