استمع إلى الملخص
- في بيت لاهيا وبيت حانون، دُمرت نسبة كبيرة من الآبار، مما دفع السكان للمشاركة في تكاليف تشغيل الآبار المتبقية أو الاعتماد على الغواطس الخاصة بالمزارعين، بينما تعمل البلديات على إصلاح الشبكات.
- مدينة غزة تواجه أزمة مياه مشابهة وتعتمد على المياه من الأراضي المحتلة عام 1948، وتعمل البلدية على الإصلاح بالتعاون مع المنظمات الدولية، لكن نقص المعدات والموارد يفاقم الأزمة.
يعاني سكان شمالي غزة من عدم توفر مياه الشرب، وندرة مياه الاستخدام اليومي اللازمة لتسيير الأمور المعيشية، وهم مضطرون للبحث يومياً عن مصادر المياه كي يواصلوا البقاء رغم كل المصاعب.
منذ عودة عشرات آلاف الأهالي إلى مدينة غزة ومناطق محافظة شمال القطاع على أثر انسحاب جيش الاحتلال منها، تفاقمت أزمة توفير المياه نتيجة تدمير الآبار والشبكات، والتكاليف الباهظة اللازمة لتشغيل بعضها بغرض مد الأهالي بالمياه، ما يجعلهم يعتمدون على شاحنات المساعدات الإغاثية التي توفر مياه الشرب لشمالي القطاع، لكن بكميات لا تلبي حاجة الناس الذين يتزاحمون ويصطفون في طوابير طويلة أمام أي شاحنة، أو أمام الآبار التي تقوم البلديات بتشغيلها.
يضطر الفلسطيني أحمد أبو ندى يومياً إلى السير لمسافات طويلة لتعبئة أربعة غالونات مياه ينقلها برفقة أطفاله إلى مكان سكنهم في مخيم جباليا المدمر شمالي قطاع غزة والذي يعاني من شح كبير في المياه نتيجة تدمير جيش الاحتلال آبار وخطوط المياه.
يوزع أبو ندى الذي لا يستطع رفع أحمال ثقيلة بسبب تداعيات إصابة سابقة، الغالونات الأربعة على أطفاله، رغم أن طفلته الكبرى لا يزيد عمرها عن 12 سنة، لكنها تقوم مع إخوتها الصغار بحمل أو جر غالونات المياه. يقول لـ "العربي الجديد": "عدنا إلى الشمال قبل أسبوعين، ولم نجد أي مقومات حياة في المخيم. بيتنا مدمر، ولم نجد خياماً تؤوينا، وأسرتي مكونة من 11 فرداً، لذا قررنا السكن بمركز إيواء في مشفى اليمن السعيد، لكن المركز لا توجد به مياه".
80% من آبار المياه دُمرت بالكامل في بيت لاهيا ومشروعها
يضيف: "دمر الاحتلال شبكة المياه في المخيم، وكذلك الآبار، وتوقعنا أن تمد البلديات خطوط مياه خارجية وتشغل الآبار سريعاً، لكن هذا لم يحدث حتى الآن، لذا نبحث يومياً عن أي بئر تعمل، وغالباً ما تكون في مناطق بعيدة عنا، وأحياناً نشارك كأهالٍ في دفع تكاليف تشغيل البئر وشراء الوقود كي نتمكن من تعبئة المياه. تضم بعض مناطق بيت لاهيا آباراً مدمرة، وهناك إمكانية لتشغيلها، لكن يحتاج الأمر لتكاتف الجهود، ودعم المبادرين والجمعيات لتوفير مستلزمات التشغيل".
يتابع أبو ندى: "إضافة لأزمة المياه، تغرق المنطقة كلها في ظلام دامس خلال ساعات الليل، فلا نرى حتى أصابعنا. أضطر للمشي إلى منطقة الجلاء كي أشحن البطارية في نقاط الشحن هناك. تلك الأزمات الخانقة في شمالي القطاع وراء تأخير عودة الكثير من الأهالي. لم أغادر المخيم خلال عملية الاحتلال العسكرية التي استمرت لأكثر من 100 يوم إلا في شهرها الأخير، والوضع الحالي لا يختلف كثيراً عن فترة الحصار الإسرائيلي للمخيم. الناس في حالة عطش، وعندما تأتي شاحنة مياه، يتدافع الجميع أمامها، وبالتالي تحدث مشاحنات لأن الكل محتاج للمياه".
أعلنت بلدية بيت لاهيا البلدة منطقة منكوبة، وبحسب معطيات نشرتها، فإن 80% من آبار المياه دُمِّرت بشكل كامل.
عاد الفلسطيني أحمد أبو حليمة إلى مشروع بيت لاهيا بعد إعلان وقف إطلاق النار، قادماً من منطقة مواصي خانيونس، ليجد منزله شبه مدمر، فأصلح غرفة بالمنزل المدمر كي يكون بإمكانه العيش فيها، وهو يضطر لقطع أربعة كيلومترات يومياً لتعبئة غالوني مياه من أقرب نقطة مياه.
يحكي لـ "العربي الجديد": "أحمل غالوني المياه طوال تلك المسافة التي أقطعها مشياً، وبالتالي يضيع نصف نهاري فقط في توفير المياه، وأحياناً أتشارك مع الجيران في عربة كارو، ونقوم بتعبئة المياه من البئر البعيدة. رغم توفر المياه بالمواصي، إلا أنني قررت العودة إلى الشمال، ونحن مضطرون للتحمل والصبر لأننا لا نستطيع الاستغناء عن بيوتنا".
تعمل البلديات على إصلاح ما يمكن من شبكات المياه المدمرة، أو مد خطوط مياه خارجية من الآبار إلى بعض الأحياء، وهذا ما يمنح أبو حليمة أملاً بإمكانية انتهاء الأزمة خلال فترة قصيرة. يقول: "أزمة المياه صعبة، ونعاني منها بشدة، فالمياه روح الحياة، وحالياً نستعمل المياه المالحة للاستخدام اليومي لعدم توفر المياه بمنطقتنا".
في بيت حانون، تحاول البلدية تشغيل آبار خاصة بالمواطنين عبر توفير الوقود، ما يعزز بقاء العائدين من جنوبي القطاع. يقول أحمد حمد لـ "العربي الجديد": "في أول أسبوع بعد العودة، لم تكن هناك مياه بالمرة، واعتمدنا على الغواطس الخاصة بالمزارعين. في منطقتنا (شارع القرمان) يوجد خمسة غواطس، لكنهم كانوا يسمحون لنا بتعبئة غالوني مياه فقط في اليوم، لكنهما لا يفيان بالاحتياج".
يضيف حمد: "بدأت البلدية تشغيل الآبار عبر جلب مولدات خاصة، وكانت تعمل لمدة ساعتين يومياً، ليتزايد وجود الأهالي بشكل أكبر. الوضع حالياً أفضل لوجود آبار في منطقتنا، لكن مناطق أخرى كمنطقة البلد تعاني من عدم توفر المياه نظراً لاعتمادها على آبار البلدية، والتي تعرضت للتدمير، ويضطر سكانها للذهاب إلى مناطق بعيدة لجلب المياه".
يبدو الحال في مدينة غزة أفضل من مناطق محافظة الشمال، لكن المدينة تعاني من أزمة مياه أيضاً، فالكثير من المناطق لا تصلها المياه إلا بصعوبة، ومع عودة آلاف النازحين، أصبح الطلب على المياه كبيراً، ما خلق أزمة تؤدي إلى تزاحم الأهالي على آبار المياه، بينما يقوم بعض الأهالي بحفر آبار وتشغيلها بمولدات على نفقتهم الخاصة، ما يكلفهم مبالغ باهظة.
أمام بئر مياه إلى جانب أنقاض مسجد اليرموك في مدينة غزة، يقف أبو أحمد علي في طابور غالونات طويل أمام أربعة صنابير تغذيها ثلاثة خزانات كبيرة يحدد القائمون على تشغيلها ساعتين يومياً، من التاسعة والنصف صباحا حتى الحادية عشرة صباحاً لتعبئة الأهالي المياه، إذ تغذي هذه البئر الوحيدة تلك المنطقة التي يسكنها عشرات الآلاف حالياً.
يقول أبو أحمد لـ "العربي الجديد": "عدت من جنوبي القطاع قبل أسبوع، وفوجئت بوجود أزمة مياه، فالعمارة السكنية التي أعيش فيها تعرضت طوابقها العلوية للقصف، وتضررت خزانات وشبكة المياه، وبالتالي نعتمد على مياه الآبار، رغم أنها شديدة الملوحة".
في مناطق أخرى، استطاعت بلدية غزة مد خطوط خارجية لتوصيل المياه إلى المواطنين في الطوابق الأرضية، والذين يقومون بدورهم بتشغيل مولدات صغيرة لرفعها إلى الطوابق العليا، أو يملؤون الخزانات بطريقة يدوية عبر حمل الغالونات، إضافة إلى تجمع الجيران أمام البيوت التي تصلها المياه للتعبئة.
وحسب المتحدث باسم بلدية غزة، حسني مهنا، فإن المياه لا تصل إلى نحو 40% من مساحة المدينة، خاصة المناطق الجنوبية الغربية التي تضم حيي تل الهوا والشيخ عجلين، والأحياء الشمالية الشرقية التي كان الاحتلال يمنع طواقم البلدية من الدخول إليها لمحاولة إصلاح خطوط المياه.
ويوضح مهنا لـ "العربي الجديد"، أنّ "الاحتلال دمر 110 آلاف متر طولي من شبكة المياه بالمدينة، كما دمر 62 بئر مياه، وستة خزانات كبيرة كانت تغطي أحياء كاملة، إضافة إلى تدمير 133 آلية تشكل ما نسبته 80% من آليات البلدية، فيما لا تستطيع الآليات المتبقية تقديم الخدمات اللازمة إلا بالحد الأدنى نظراً لحاجتها إلى الصيانة. نقص السولار يؤثر بشكل كبير على خدمات البلدية في ظل انقطاع الكهرباء، وكانت البلدية تعتمد على المولدات الاحتياطية لتشغيل الآبار، لكن استهدفها الاحتلال بشكل متعمد، ما أحدث خللاً في العمل. الاحتلال يمنع إدخال أي معدات، ما تسبب في خروج العديد من مرافق المياه عن الخدمة، وتفاقم أزمة العطش التي عانت منها المدينة طوال فترة الحرب".
ويؤكد مهنا أن "حال مدينة غزة يشبه حال بقية مدن القطاع، وكلها تعاني من أزمة مياه حقيقية بفعل النقص الشديد في كميات المياه الواردة من الاحتلال الإسرائيلي، وفي ظل انقطاع التيار الكهربائي، واستهداف كل مصادر المياه. المصدر الأهم حالياً في قطاع غزة هو المياه القادمة من الأراضي المحتلة عام 1948، ومصدر ثانوي هو الآبار، لكنها لا تفي بحاجة السكان، ونأمل الضغط الدولي على الاحتلال لإدخال المعدات اللازمة لتوفير المياه بأسرع وقت".
يتابع: "بدأت البلدية استعادة عافيتها عقب اتفاق وقف إطلاق النار، وبدأنا إجراءات الصيانة بالتنسيق مع المنظمات الدولية، ومع عودة النازحين أصبح هناك ضغط شديد على المرافق، وخصوصاً استهلاك المياه، وقدرة البلدية على التعامل مع الأوضاع من خلال الإمكانات والموارد المتاحة محدودة نظراً لحجم الدمار الذي طاول شبكات وآبار المياه".