استمع إلى الملخص
- إرث علمي ودعوي غني: ترك الحويني إرثاً علمياً ضخماً شمل كتباً وخطباً مؤثرة، مثل "فصل الخطاب" و"الصمت وآداب اللسان"، وعُرف بدقته في التخريج الحديثي والدفاع عن صحيح البخاري.
- مواقف سياسية جريئة وخلافات فكرية: عُرف بمواقفه الجريئة تجاه المظالم السياسية في مصر ودفاعه عن حماس، وواجه انتقادات بسبب آرائه المتشددة في قضايا المرأة، بينما اعتبره أنصاره مدافعاً عن السنة.
في رحاب مسجد الإمام محمد بن عبد الوهاب بدولة قطر، اليوم الثلاثاء، شيَّعت جموع المسلمين جثمان الشيخ أبو إسحاق الحويني، الذي ودَّع الدنيا عن عمر ناهز 68 عاماً، تاركاً خلفه إرثاً علمياً ودعوياً زاخراً، ومسيرةً مليئةً بالتحولات والمواقف الجريئة، بل والمثيرة للجدل أيضاً.
رحلة البحث عن العلم
وُلد الشيخ أبو إسحاق الحويني باسم حجازي محمد يوسف شريف في قرية حوين بمحافظة كفر الشيخ. لم تكن رحلته المهنية تسير في اتجاه واحد؛ فبعد تخرجه في كلية الألسن قسم اللغة الإسبانية وعمله معيداً بها، خاض تجارب مهنية متنوعة، متنقلاً بين الإرشاد السياحي، والإذاعة، وقسم الترجمة بمكتب محافظ كفر الشيخ.
إلا أن قناعاته الدينية كانت تصطدم مراراً بما اعتبره قيوداً شرعية تحول دون استمراره في هذه الوظائف، فقرَّر تركها جميعاً والتفرغ لطلب العلم الشرعي، متتلمذاً على أيدي كبار العلماء، وعلى رأسهم الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، ليكرس حياته لاحقاً لخدمة علم الحديث والعلوم الإسلامية.
إرث علمي ودعوي
ترك الحويني وراءه عشرات الكتب وآلاف الخطب والمحاضرات التي أثرت المكتبة الإسلامية وأفادت طلبة العلم. من أبرز مؤلفاته:
- فصل الخطاب بنقد المغني عن الحفظ والكتاب
- الصمت وآداب اللسان
- البعث
عُرف الحويني بدقته في التخريج الحديثي، وسعة اطلاعه، وحرصه على الدفاع عن صحيح البخاري، مما جعله محط إعجاب العلماء وطلبة العلم على حد سواء.
مواقف سياسية جريئة وثمن باهظ
لم يكن الشيخ الحويني بعيداً عن القضايا السياسية، إذ عُرف بمواقفه الجريئة، لا سيما تجاه المظالم السياسية في مصر. وقد دفع ثمن هذه المواقف، إذ اعتُقل نجله همام الحويني في مطار القاهرة عام 2019 أثناء توجهه لزيارة والده في قطر، وما زال يقبع في سجن برج العرب رغم المطالبات الحقوقية بالإفراج عنه، ولو بشكل مشروط لحضور جنازة والده.
أثارت قضية اعتقال همام تعاطفاً واسعاً، واعتُبرت نموذجاً لقمع الحريات في مصر، حيث طالب العديد من العلماء والمشايخ بالإفراج عنه، معتبرين ذلك ظلماً واضطهاداً.
بقلوب يعتصرها الحزن، وعيون تفيض بالأسى، تلقينا نبأ وفاة الشيخ الجليل أبي إسحاق الحويني، العالم المحقق، والداعية المخلص، الذي نذر عمره لنشر العلم، وخدمة السنة النبوية، والذب عن حياض الدين، منافحًا عن الحق، لا تأخذه في الله لومة لائم.
— د. علي القره داغي (@Ali_AlQaradaghi) March 17, 2025
لقد كان رحمه الله صاحب منهج راسخ، ولسان صادق،… pic.twitter.com/EuHQ4lXylu
كما دافع الشيخ الحويني عن حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، منتقداً من اتهمها بالانحراف، ومؤكداً موقفه الداعم للقضية الفلسطينية.
خلافات وآراء مثيرة للجدل
لم تخلُ مسيرة الشيخ الحويني من خلافات فكرية وفقهية، إذ وُجِّهت إليه انتقادات بسبب بعض آرائه وفتاواه التي اعتبرها البعض متشددة، خاصة في ما يتعلق بقضايا المرأة وبعض المسائل الفقهية الأخرى.
وقد اتهمه معارضوه بأنه "يعيش خارج العصر، ويتبنى رؤى متشددة لا تتناسب مع الواقع المعاصر"، بينما رأى أنصاره أنه "منافح عن السنة ومدافع عن التراث الإسلامي".
رحيلٌ لكنه ليس غياباً
رحل الحويني، لكن إرثه العلمي والدعوي سيبقى شاهداً على جهوده في خدمة الإسلام. نعاه الكثير من العلماء والمشايخ، ومنهم الشيخ علي محمد الصلابي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي قال في تأبينه: "ببالغ الحزن، ونفوس مؤمنة بقضاء الله وقدره، تلقينا نبأ وفاة الشيخ العلامة المحدِّث أبي إسحاق الحويني، الشيخ الفاضل، والمعلم المجاهد، والمربي الكبير، الصابر المهاجر، المبتلى".
هكذا أسدل الستار على حياة أحد أبرز علماء الحديث في العصر الحديث، تاركاً وراءه إرثًا سيظل موضع حفاوة وجدال.