استمع إلى الملخص
- يعود صمود أهل غزة إلى الوعي الجمعي ورفضهم لخطط التهجير، حيث يفضلون الموت على ترك أراضيهم، مما يعكس تمسكهم بأرضهم ورفضهم تكرار كوارث التهجير السابقة.
- يدرك الفلسطينيون الدعم الإقليمي والدولي من دول مثل اليمن ولبنان وإيران وقطر وتركيا، مما يعزز صمودهم في مواجهة العدو الصهيوني ويساهم في استمرار كفاحهم لتحقيق الاستقلال.
بالنظر إلى ما تعرض له أهل قطاع غزّة من أنماط الحرب الشاملة المختلفة، من قتلٍ وتهجيرٍ وتدميرٍ، وأنماطٍ أخرى للحرب النفسية والإعلامية، فإنّه من المفترض، والمنطق، أنّ يعلن الشعب الفلسطيني، وقواه المقاومة الاستسلام الكامل، ورفع الراية البيضاء، أو على الأقل إبداء علامات التراجع والانكسار، لكن حتّى وقف إطلاق النار، بعد أكثر من عامٍ عن الحرب، لم تبدِ فصائل المقاومة، ولا الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني أيًّا من علامات التراجع أو الضعف، بل كان الصمود والثبات، وإبراز روح التحدي، وإظهار الاستعداد للمواجهة، الأمر الذي لم يزعج العدو وقادته السياسيين ونخبه الفكرية والسياسية فحسب، بل أزعج كلّ القوى الغربية الاستعمارية أيضًا، وفي مقدمتها الولايات المتّحدة وحلفاؤها الغربيون، كما أثار مشاعر الفخر والاعتزاز والإعجاب لدى كلّ الشعوب العربية والإسلامية، ومناصري الحقّ الفلسطيني، والمهتمين بحقوق الإنسان، ورافضي الظلم والاضطهاد.
تعود الروح المفعمة بالصمود والتحدي، لدى الغالبية العظمى من أبناء قطاع غزّة خلال حرب الإبادة، إلى حالة اليقظة العامة والوعي الجمعي، وتعاظم الحاسة الاستراتيجية بكلّ الخطط التي تستهدف الفلسطيني وتمسكه بأرضه وثباته، ويُواجَه ذلك بالرفض والتحدي، والمقاومة بأنماطها المختلفة.
يعد الموقف من خطط التهجير، وتفريغ قطاع غزّة من أهله أحد أبرز الأمثلة على ذلك، فرغم عنف حرب الإبادة وآلة القتل والتدمير الهائلة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب في شمال قطاع غزّة، بغرض إرغام المواطنين على الهجرة قسرًا إلى جنوب وادي غزّة، إلّا أنّ أكثر من نصف سكان هذه المنطقة رفضوا المغادرة، وبقوا تحت نيران طائرات جيش الاحتلال، مفضلين الموت على ترك أرضهم ومنازلهم ومزارعهم، حينها كان المواطنون بانتماءاتهم السياسية كافّة، وأعمارهم المختلفة، وتباين مستوياتهم الثقافية وتفكيرهم المتباين يردّدون خطابًا واحدًا، ويرفعون شعارًا واحدًا مفاده رفض تكرار كارثة التهجير في عامي 1948 و1967.
هناك وعيٌ جمعيٌ بالواقع الداخلي الفلسطيني، والمؤامرات التي تحاك ضدّ الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها خطط التهجير والطرد، وإعادة الاحتلال والحكم العسكري الصهيوني
عندما يثار موضوع التهجير يستدعي الفلسطيني خطط التهجير السابقة التي نفذت جزئيًا، أو أُفشلت كليًا، فقد كان هناك خططٌ للتهجير من قطاع غزّة إلى سيناء عام 1954، بمبادرةٍ من الأمم المتّحدة، عندما لم يكن عدد سكان القطاع يتجاوز بضع مئاتٍ من الآلاف، وتكرر الأمر ذاته بعد احتلال قطاع غزّة عام 1967، فيما عرف بخطة "إيغال آلون"، الساعية إلى تقليص عدد سكان قطاع غزّة، ثمّ بعدها بسنواتٍ، وتحديدًا في عام 1971 دمّر جيش الاحتلال أجزاءً واسعةً من مخيّم جباليا، ونقل مئات العائلات إلى مدينة العريش، شمال شرق شبه جزيرة سيناء، لكن تحطمت جميع هذه الخطط على صخرة الوعي الجمعي الفلسطيني، والتشبث بالأرض، والثبات على الموقف.
ينسجم الموقف الجماهيري في قطاع غزّة من خطط التهجير مع المواقف من الحرب العدوانية، وما تسببت به آلة جيش الاحتلال من قتلٍ ودمارٍ، فقد أبدى أغلب سكان القطاع نوعًا من التقبل لما حدث معهم، وابتعدوا عن روح اليأس والتذمر والعتاب والشكوى، معتبرين ما حدث إرادةً ربانيةً قبل كلّ شيء، وثمنًا لا بدّ منه على طريق التحرير وتقرير مصير الشعب الفلسطيني، وفي سياق الدفاع عن النفس، والرد الطبيعي على جرائم الاحتلال اليومية.
نلحظ الأمر ذاته في ما يخصّ وضع قطاع غزّة السياسي بعد الحرب، أو "اليوم التالي لغزّة" حسب التعريف الصهيوني، فهناك شبه إجماعٍ شعبيٍ على رفض التدخلات الخارجية، أو إعادة حكم القطاع عسكريًا، أو فرض الوصاية الخارجية من أيّ جهةٍ بما يتناغم مع الرؤية الصهيونية، وبما يخدم الأمن الصهيوني، كما هناك إجماعٌ على أنّ الحلّ شأنٌ فلسطينيٌ داخليٌ بين القوى الوطنية وكلّ أطياف الشعب الفلسطيني.
أما ما يتعلق بوقف الحرب، ومفاوضات وقف إطلاق النار فهناك شبه إجماعٍ شعبيٍ فلسطينيٍ على ضرورة وقفها، مع دعمٍ كاملٍ للمفاوض الذي يمثّل المقاومة في كلٍّ من القاهرة والدوحة من أجل التحرك في جميع الاتجاهات، والإسراع أكثر في وقف الحرب، والشروع فورًا في عملية إعادة إعمارٍ شاملةٍ، وإعادة بناء البنية التحتية والمؤسسات الصحية والتعليمية بما يعزز صمود الغزيين وبقاءهم على أرضهم، ويفشل كلّ خطط التهجير.
أخيرًا؛ هناك وعيٌ جمعيٌ بالواقع الداخلي الفلسطيني، والمؤامرات التي تحاك ضدّ الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها خطط التهجير والطرد، وإعادة الاحتلال والحكم العسكري الصهيوني، وهناك تمييزٌ واضحٌ على الصعيد الإقليمي والدولي لداعمي ومناصري الشعب الفلسطيني وكفاحه من أجل التحرر والاستقلال وإقامة دولته المستقلة، وبين أعدائه من الاحتلال وأعوانه، ومن المتآمرين والمتواطئين معه، وهناك إدراكٌ عام بأنّ المقاومة والشعب الفلسطيني لا يواجهان العدو الصهيوني فحسب، بل الولايات المتّحدة والقوى الغربية وأطرافًا دوليةً أخرى وقفت، وما زالت، معه بالدعم المباشر أو غير المباشر، من خلال المؤسسات الدولية، والأدوات الدعائية والإعلامية.
على الجانب الآخر، نلحظ إدراكًا للداعمين والمناصرين، في مقدمتهم اليمن ولبنان حزب الله وإيران بدعمهم المباشر للمقاومة، ومشاركتهم الفعلية، بمستوياتٍ مختلفةٍ، في المعركة، وكذلك لقطر وتركيا رسميًا وشعبيًا لمواقفهما المتقدمة في الدفاع عن الشعب الفلسطيني في المحافل والمؤسسات الدولية، وفي التفاعل الشعبي العام، الذي يشاركهما فيه، بدرجاتٍ متباينةٍ، كلّ الشعوب العربية والإسلامية.
ينسجم الموقف الجماهيري في قطاع غزّة من خطط التهجير مع المواقف من الحرب العدوانية، وما تسببت به آلة جيش الاحتلال من قتلٍ ودمارٍ
بالمحصلة؛ فإنّ الشعب الفلسطيني على وعيٍ كاملٍ بكلّ ما يدور حوله، وبكل المؤامرات التي تحاك ضدّه وضدّ مقاومته، وفي مقدمتها خطط التهجير والطرد، وخطط ما يسمى باليوم التالي لغزّة؛ مثل فرض الحكم العسكري، أو استدعاء الوصاية الأجنبية، كما يميز بين مَن وقف إلى جانب العدو، ومن دعم المقاومة والشعب الفلسطيني وناصرهما وأيدهما، وهو ما يمثّل سدًا منيعًا تتحطم عليه كلّ المؤامرات، وصمام أمانٍ لاستمرار الشعب الفلسطيني في كفاحه ضدّ الاحتلال حتّى تحقيق مصيره، وإنجاز استقلاله، وإقامة دولته المستقلة.