استمع إلى الملخص
- يواجه المشروع تحديات بسبب ضعف الثقة بين الأطراف، حيث يثق ترامب ببوتين لكن الثقة ليست متبادلة، مع رفض بوتين لقوات أجنبية كضمان أمني.
- التعقيدات الدولية تتجلى في مواقف متباينة، حيث لم تحقق إدارة ترامب سوى محاولات لوقف نار مؤقت، مما يعكس التوترات والتحديات في العلاقات الدولية.
إعلان وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، في أعقاب محادثات جدّة، مشروعَ وقف إطلاق النار في أوكرانيا لمدة شهر أثار من الارتياح في واشنطن بقدر ما طرح من علامات استفهام وشكوك في احتمالات ترجمته على الأرض، أو في احتمال أن تكون صيغته مفخخة أو قابلة للتفخيخ، إذ إن جوانبه غير المعروفة تثير الريبة، خاصة إذا كانت مفتوحة على المساومة والضغوط التي يفرض الواقع الخضوع لها. ويبدو أن الجانب الأوكراني ما كان له سوى القبول بالمشروع الذي حمله روبيو، حيث قال المتحدث باسمه بعد انفضاض المحادثات إنها "كانت بنّاءة"، وهو تعبير يعكس التراضي وليس التطابق، كما كانت الحالة في زمن جو بايدن.
يتحرك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هذا الاتجاه وفق ما "يناسب مصالحنا"، كما قال الاثنين، في تعبير يحتمل التأويل الواسع. هل جرى التشاور المسبق معه لصياغة المشروع بما يضيّق مجال تأويله؟. الرئيس ترامب يتحدث دوماً عن بوتين بلغة تفيد بوجود علاقة جيدة معه وبأنه الوحيد القادر على القيام بهذه المهمة لإغلاق صفحة الحرب. لكن سيّد الكرملين رجل صعب ولا يفصح مسبقاً عن خططه ومآربه، كما يترك خياراته مفتوحة. فماذا لو رفض العرض؟ أو أضاف عليه المزيد من الشروط والمطالب؟ أو اعترض على عودة واشنطن عن قرار تعليقها لتزويد أوكرانيا بالسلاح والمعلومات الاستخبارية الهامة؟.
لكن الأهم الذي يهدد اكتمال هذا المشروع بالتطبيق، هو ضعف، إن لم يكن "فقدان الثقة" بين الأطراف، بحسب تقديرات العارفين بحقيقة العلاقات فيما بينهم. فالرئيس ترامب "يثق بنظيره الروسي، لكن هل يثق هذا الأخير بالرئيس ترامب؟. هو لا يثق بأحد. والشيء نفسه ينطبق على الأوروبيين الذين "لا يثقون بالرئيس ترامب"، ناهيك عن غياب الثقة بين كييف وموسكو. ثم هناك العقبة الأكبر والمتعلقة بـ"الضمانات الأمنية"، وهذه مسالة أخرى لا تقل صعوبة وتعقيدًا، ويتطلب توفيرها وجود قوات أجنبية على الأرض تفصل بين الطرفين الروسي والأوكراني.
نفض الرئيس ترامب يده من مهمة إرسال قوات أميركية للفصل بين الطرفين، مقترحاً أن تكون من نصيب الأوروبيين، الأقرب والأولى بالأمر. لكن بوتين سبق أن رفض قيامهم بهذا الدور، على الرغم من أن البديل غير معروف، إلا إذا كان أحد الرافضين تراجع عن قراره. ولا يستبعد أن يصرّ بوتين على عدم الحاجة إلى مراقبين، ما يعزز الشكوك حول نجاح المشروع، هذا إذا وافقت موسكو وتمت ولادته من دون "فركشة". وفي هذه الحالة، فإن المشروع بأحسن أحواله "معلّق بخيط"، كما هو حال وقف النار في لبنان وغزة.
ويشار إلى أن التعاطي الأميركي مؤخرًا مع وقف إطلاق النار في غزة أثار علامات استفهام وتساؤلات بسبب الالتباسات التي أحاطت به، والتي يبدو أنها كانت متعمّدة، وأدت إلى توتر إسرائيلي أميركي عابر جرى احتواؤه كالعادة. وكان ذلك قبل يومين، حين أعطى آدم بولر، مبعوث الرئيس ترامب بشأن الرهائن، تصريحاً خلال مقابلة تحدث فيها عن مباحثاته المباشرة مع قياديين من "حماس" وصفهم بأنهم أشخاص "لطفاء"، معرباً عن عدم اهتمامه باعتراض المسؤولين الإسرائيليين على كلامه ومهمته، من باب أن "أميركا ليست عميلاً لإسرائيل".
ملاحظة بولر أثارت ضجة وتبعتها ضغوط أجبرته على التراجع عبر منشور على إكس، عاد ووصف فيه "حماس" بأنها "منظمة إرهابية"، علماً أن البيت الأبيض كان قد أوضح أن "بولر مفوّض بالتحدث إلى أي كان". وقيل إن مهمته وتصريحاته كانت رسالة إلى نتنياهو "ليبقى عند حدوده". وليس معروفاً ما إذا كان سيتابع مهمته، حيث إن المبعوث الرئيسي ستيف ويتكوف غادر الثلاثاء إلى الدوحة لمتابعة مفاوضات الأسرى ووقف النار في غزة الذي ما زال عصيّاً على ضمان تحقيقه، ووقف إطلاق النار المطروح لحرب أوكرانيا الذي تحيط به ملابسات وتعقيدات هائلة، لن يكون بلوغه سوى أكثر صعوبة. لم تقو إدارة الرئيس ترامب التي وعدت بحلول سريعة لهذه الحروب، بعد حوالي 50 يوماً من بدايتها، على أكثر من محاولة تمرير أو تطبيق وقف نار مؤقت. وعود الانتخابات غير التعامل مع الوقائع العنيدة على الأرض.