صمت سياسي مريب إزاء تغيير رئيس الحكومة في الجزائر

30 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 16:33 (توقيت القدس)
تبون خلال اجتماع عمل في القصر الرئاسي، 29 أغسطس 2025 (الرئاسة الجزائرية/فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت الجزائر تغييراً حكومياً بإقالة رئيس الحكومة نذير العرباوي وتعيين سيفي غريب وزيراً أول بالنيابة، وسط صمت سياسي من الأحزاب، مما يعكس غموضاً حول مستقبل الحكومة في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية.
- أشار النائب عمر طرباق إلى أزمة بين السلطة التنفيذية والمجالس المنتخبة، منتقداً الارتجالية وغياب التخطيط المؤسسي، مما أدى إلى مشاريع متعثرة وقرارات تفتقد للانسجام.
- دعا عبد العالي حساني إلى إصلاح سياسي شامل وحوار وطني، مشدداً على الشفافية وتفعيل الآليات الدستورية لتقييم الأداء الحكومي وعرض مخطط عمل الحكومة أمام البرلمان.

لم تعلق جلّ الأحزاب السياسية في الجزائر على التغيير الذي أقره الرئيس عبد المجيد تبون أخيراً بإقالة رئيس الحكومة نذير العرباوي، وتعيين وزير الصناعة سيفي غريب وزيراً أول بالنيابة مؤقتاً بانتظار ترسيمه أو تعيين خلافه وزيراً أول، ما يوحي بحالة من الغموض في المعطيات الكفيلة بصياغة الموقف، خاصة في ظل وضع قلق على أكثر من صعيد.

وبعد 48 ساعة من القرار الرئاسي الذي جاء في ظل تصاعد مشكلات اقتصادية واجتماعية لافتة، وعشية الدخول الاجتماعي والمدرسي، يطبق صمت سياسي لافت على المشهد الحزبي في علاقة بهذا القرار، بما فيها من قوى الموالاة الشريكة في الحزام الحكومي والرئاسي، حيث لم يصدر أي من الأحزاب الخمسة التي تشكل هذا الحزام، جبهة التحرير الوطني التي تحوز أكبر كتلة نيابية، التجمع الوطني الديمقراطي، حركة البناء الوطني، جبهة المستقبل، وصوت الشعب، أية مواقف تعليقاً على هذا التغيير، ولم تبدِ أي تفاعل سياسي، على الرغم من أهمية القرار وتأثيراته المباشرة على سير النسق الحكومي.

وتسيطر "فوبيا المواقف" على أحزاب الموالاة بشكل خاص، والتي تبدو في غاية الحذر بشأن إصدار مواقف وتعليقات سياسية على القرارات الرئاسية، خاصة باعتبارها ضمن الأغلبية الرئاسية، من دون أن يتيح لها ذلك أن تكون شريكة في قرارات اختيار رؤساء الحكومات والوزراء، والتي تبقى صلاحية حصرية لرئيس الجمهورية، ما يدفع هذه القوى في الغالب إلى الاكتفاء بتأكيد استمرار دعمها برنامجَ تبون في كل القرارات والإصلاحات والخيارات التي يتخذها.

وكان تبون قد أعفى، مساء الخميس، رئيس الحكومة نذير العرباوي، في أعقاب استياء سياسي وشعبي من تسيير الحكومة عدداً من القطاعات والملفات الاقتصادية والاجتماعية في الفترة الأخيرة، وقرّر تعيين سيفي غريب وزيراً أول بالنيابة خلفاً له، والذي يُعدّ رابع وزير أول يعيّنه الرئيس منذ تسلّمه السلطة في ديسمبر/ كانون الأول 2019.

ما خرج عن هذا الصمت حصراً من داخل مربع الموالاة كان الموقف اللافت للنائب البارز من حزب التجمع الوطني الديمقراطي، ثاني أكبر أحزاب الموالاة، عمر طرباق، الذي اعتبر أن "التغيير الأخير الذي طرأ على رأس الوزارة الأولى هو مؤشر سياسي يعكس حجم الأزمة التي ما فتئت تتسع بين سلطة تنفيذية تفرض رؤاها، ومجالس منتخبة"، وكتب في تقدير نشره أن "أخطر ما يكشفه هذا التغيير هو طغيان الارتجالية في صناعة القرار، حيث تُتخذ السياسات في غياب تام لثقافة الاستشراف والرؤية بعيدة المدى. فبدل أن تُبنى البرامج على معطيات دقيقة ودراسات استراتيجية تستشرف تحديات المستقبل، نجد أنفسنا أمام ردود فعل آنية، لا تلبث أن تتغير بتغير الأشخاص والظروف". وأضاف: "هذا النمط من التسيير لم يورث سوى مشاريع متعثرة، في غياب التخطيط المؤسسي الذي جعل الدولة أسيرة قرارات ظرفية، تفتقد للانسجام والاستمرارية".

ويفسر أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر توفيق بوقاعدة هذا الصمت السياسي المطبق في الساحة الحزبية إزاء قرار حيوي مثل تغيير رئيس الحكومة بالقول، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "التغيير لم يكن مفاجئاً، غير أنه من الواضح أن الأحزاب السياسية لا تمتلك المعطيات الكافية بشأن هذا التغيير التي تتيح لها صياغة موقف، ولذلك هي تتحاشى أن تصدر تعليقاً على ذلك، خاصة أن هناك غموضاً أيضاً بشأن ما إذا كان الوزير الأول بالنيابة سيُثبَّت في منصبه أم سيُغيَّر في الأيام المقبلة، وما إذا كانت الحكومة ستشهد تغييراً في بعض الوزارات".

ويضيف أن "هذا أمر غير طبيعي، ويكشف هشاشة دور الأحزاب في البلاد، والجمود السياسي وحالة التردد بالنسبة لهذه الأحزاب يعكسان أيضاً خيبة أمل لديها، لأنه لا تجرى استشارتها من قبل السلطة في قرارات مثل هذه، وواقع الحالة الجزائرية أن الصوت البيروقراطي هو الأعلى في العملية السياسية". وينطبق الأمر نفسه على كتلة قوى المعارضة، فبخلاف حزب واحد، حركة مجتمع السلم التي نشر رئيسها عبد العالي حساني تقدير موقف بشأن التغيير الحكومي، لم تصدر باقي قوى الكتلة المعارضة، جبهة القوى الاشتراكية وحزب العمال والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وغيرها، تعليقاً سياسياً على هذا التغيير. واعتبر حساني في التقدير، الذي نشره مساء أمس الجمعة، أن "التغيير قبل أن يستهدف الأشخاص والمناصب، ينبغي أن يستهدف السياسات والتوجهات ويعالج الرؤى والنظم، ويعمل على إصلاح بيئة الحكم، ولن يتسنى ذلك إلا ببناء حالة إجماع وتوافق واسع يحشد الطاقات ويستثمر المقدرات، ويحقق الاستقرار ويحمي البلاد"، مطالباً "بضرورة الإسراع في معالجة حالة الركود السياسي والتردد الاقتصادي الذي يطبع العديد من الممارسات السلطوية".

وشدد حساني على أن "التحديات التي نعيشها داخلياً والوضع العام المحيط بنا خارجياً لا يسمحان بالاستمرار في تكرار الأخطاء والتمادي في تضييع الفرص، مشيراً إلى أن الحركة وكتلتها النيابية كانتا "ركزتا باستمرار على ضرورة إضفاء الشفافية اللازمة على قواعد الممارسة السياسية والأداء الاقتصادي، بضرورة تدارك الوضع، وعدم اعتماد سياسات ظرفية تفاقم الأزمات وتكرس الاختلالات"، ودعا في السياق إلى "إصلاح سياسي شامل عبر حوار وطني جامع، تشارك فيه كل الفواعل السياسية والاجتماعية، ويهدف إلى بلورة توافق سياسي وطني يضع حداً للارتجال، ويؤسس لخيارات واضحة وواقعية، ويفعّل الآليات الدستورية لتقييم الأداء الحكومي، وجعل عرض مخطط عمل الحكومة وبيان السياسة العامة للحكومة أمام البرلمان محطة دورية ملزمة، ونشر تقارير شفافة حول تنفيذ البرامج وتقييم أثرها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي".