تقديرات متباينة للأوضاع في الجزائر.. تقييم الأحزاب في اتجاه وخطاب السلطة في آخر
استمع إلى الملخص
- انتقادات المعارضة: تعبر الأحزاب المعارضة عن قلقها من الوضع السياسي والاجتماعي، محملة السلطة مسؤولية التسيير العشوائي وتسييس القضاء، وتدعو إلى إصلاحات شاملة ووقف تجريم الحقوق السياسية والنقابية.
- رؤية السلطة الاقتصادية: تقدم السلطة صورة إيجابية عن الوضع الاقتصادي، مشيرة إلى نمو بنسبة 3.7% في 2024، وتؤكد على نجاح سياسات التمكين الاقتصادي للشباب، مما يثير تساؤلات حول دقة توصيف كل طرف للوضع.
يبرز في المشهد السياسي في الجزائر خطابان متناقضان بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية والمشكلات الاجتماعية القائمة في الجزائر. فبينما يذهب خطاب السلطة باتجاه تقديم توصيف إيجابي للأوضاع ويتحدث عن تطور البيانات والمؤشرات، تقدم أحزاب سياسية توصيفاً مغايراً لا يرى الأوضاع بالقدرنفسه، ويتحدث بعضها عن مخاطر جدية محدقة بالبلاد في حالة استمر نهج السلطة في السياسات الحالية.
وفسر المحلل السياسي خالد رحومة هذا التباين الكبير في تقييم الوضع الداخلي في الجزائر بوجود "تباعد نسبي بين السلطة والقوى السياسية". وقال في تصريح لـ"العربي الجديد": "في الفترة السابقة، كان هناك نوع من الاقتراب السياسي من خلال سلسلة لقاءات بين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وقادة الأحزاب السياسية، وهذا كان يتيح فرصة لمصارحة ومكاشفة بينية، وتوضيح للصورة بالنسبة للطرفين، غير أنه في الفترة الأخيرة، ومع وعود بفتح حوار سياسي شامل بنهاية العام دون تحقيق ذلك، بدأت الأحزاب تشعر بمسؤولية سياسية تجاه الوضع الداخلي".
واعتبر رحومة أن "هناك سبباً ثانياً، الأحزاب المعارضة خاصة بدأت ترفع صوتها بحدة تجاه الحكومة لسببين؛ الأول أن هناك فعلاً مشكلات وبعض مظاهر الإخفاق الحكومي، والثاني لأننا دخلنا في السنة الانتخابية، حيث إن الانتخابات النيابية باتت على مقربة تسعة أشهر، وهذا يدفع الأحزاب إلى اتخاذ مواقف حادة تجاه الحكومة لإبراز انحيازها إلى المطالب الاجتماعية للفئات العمالية والشبابية".
وعشية الدخول السياسي والاجتماعي في الجزائر وبدء العام الدراسي، أصدرت عدة أحزاب تقديرات موقف تعبر عن قلقها إزاء الوضع الذي تعيشه البلاد. وأكد حزب جبهة القوى الاشتراكية (تقدمي) في بيان، اليوم الجمعة، أن "الدخول الاجتماعي هذه السنة يأتي ضمن سياق سياسي متوتر تطبعه حالة من عدم اليقين على المستويات كافة، فلم يسبق للأمة أن واجهت تحديات بهذه الخطورة والدقة، وطنياً، وإقليمياً، ودولياً". وحمل الحزب السلطة مسؤولية إبقاء الجزائر "رهينة الأحادية والتسيير الارتجالي والعشوائي، وتسييس القضاء واعتماد المقاربة الأمنية في تسيير الشأن العام، وتصاعد التعتيم السياسي"، مشدداً على أن "إصرار النظام على السياسات نفسها يحكم على البلاد بتكرار الإخفاقات نفسها التي تغذي الشك واليأس".
أكثر من ذلك، حذر الحزب مما وصفه "استراتيجية الإغراق السياسي الذي تمارسه السلطة لتمييع المشهد السياسي وتشويهه، وتعطيل الإصلاحات والحوار الذي يبقى حبراً على ورق"، مشيراً إلى أن "النظام يصر على الانغلاق وإنكار الواقع، حيث إن الجزائر تعاني من أزمة اقتصادية واجتماعية بادية للعيان، بسبب وعود كثيرة وإنجازات قليلة، وتسيير عشوائي للكثير من الملفات الحساسة، كملف الاستيراد". واعتبر أن "هذا الانسداد لا يمكن تجاوزه إلا بالتوجه نحو عقد سياسي واجتماعي جديد ووضع حد للتلاعب السياسي".
بدورها، قالت الأمينة العامة لحزب العمال اليساري لويزة حنون، في افتتاح اللجنة المركزية للحزب اليوم الجمعة، إنه "لا يجب أن نغطي الشمس بالغربال، السياسات القائمة لا تؤدي إلا إلى نتائج وخيمة، ومن ذلك القرارات الغريبة جداً للحكومة، التي تخنق الصناعة والزراعة في البلاد بسبب تسيير بيروقراطي للاقتصاد".
وطالبت حنون بإقرار "انفتاح سياسي وإعلامي ووقف تجريم الحقوق السياسية والنقابية، ووقف سياسة الكل القمعي لإعادة الثقة والاستقرار". ودعت كذلك إلى "فتح نقاش وطني جدي حول الوعكة السياسية التي تجعل المواطنين والشباب والإطارات يهاجرون من البلاد". وحذرت من تصاعد التقهقر الاجتماعي الذي يظهر من خلال ارتفاع الجريمة في البلاد.
حركة مجتمع السلم، أكبر أحزاب المعارضة في البرلمان، بدروها، نشرت الأربعاء بياناً جددت فيه بشدة دعوة "السلطة السياسية إلى ضرورة الذهاب نحو إصلاح سياسي شامل، من خلال إطلاق حوار وطني جامع، وتسريع عرض القوانين الناظمة للحياة السياسية والجماعات المحلية على البرلمان للنقاش والمصادقة، بغرض تحرير الفعل السياسي، وفتح الفضاءات الإعلامية، وتفعيل الجماعات المحلية، والاستعداد للاستحقاقات القادمة في أجواء تساعد على تقليص العزوف واسترجاع الثقة"، في إشارة الى الانتخابات النيابية المقررة منتصف العام المقبل والمحلية المقررة في الخريف بعدها.
السلطة: الجزائر على الطريق الصحيح
تحدث وزير التجارة الخارجية كمال رزيق، خلال معرض التجارة الأفريقية الذي اختتم الخميس، عن أن "الجزائر في الطريق الصحيح، وتحقق تطوراً في المؤشرات الاقتصادية والتحكم في الإنتاج وضبط السوق". ونشر الديوان الوطني للإحصائيات قبل ثلاثة أيام بيانات قال إنها "تعكس الحفاظ على ديناميكية اقتصادية إيجابية للجزائر، من خلال تسجيل نسبة نمو حقيقي للاقتصاد الجزائري 3.7% سنة 2024"، وهو ما كان أشار إليه الرئيس الجزائري قبل شهر، حيث أكد أن "هناك مؤشرات إيجابية عن الاقتصاد الجزائري، احتياطي الصرف يربو على 70 مليار دولار ونحن في مأمن، وإنتاج القطاع الزراعي الجزائري صار قوياً، والمنتجات بجودة عالية، حيث هناك فائض إنتاج في بعض الأنواع".
ونشرت مجلة الجيش الناطقة باسم وزارة الدفاع افتتاحية الأربعاء الماضي، قدمت فيها صورة إيجابية عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، واعتبرت أن "الجزائر تعيش تحولاً في مختلف المجالات وهي تسير بخطى ثابتة على نهج النهضة والنماء في كنف الأمن والاستقرار". وتحدثت عن سياسات "التمكين الاقتصادي للشباب عبر استحداث منحة البطالة، ووضع نظام متكامل للابتكار والمؤسسات الناشئة، وبعث وإصلاح منظومة دعم ومرافقة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، واستحداث نظام المقاول الذاتي الذي تم توسيعه مؤخراً ليشمل نشاط الاستيراد المصغر، ناهيك عن تحرير ودعم المبادرة الاقتصادية".
بذلك، يبتعد خطاب السلطة والحكومة بقدر كبير جداً عن تقديرات الأحزاب، ويقدم صورة مختلفة متهماً القوى الأخرى بأنها تغذي "الخطابات العدمية"، ما يطرح أكثر من سؤال عما إذا كانت الأحزاب تبالغ بشكل كبير في رسم صورة سوداوية عن الوضع، أم أن السلطة على حق في توصيفها لاوضع العام في الجزائر.