استمع إلى الملخص
- يواجه الحوار الوطني تحديات في تحقيق التغيير، خاصة في المسار السياسي، رغم بعض الاستجابة الاقتصادية، مع تفاؤل حذر بإمكانية تفعيل الحوار لمواجهة التحديات.
- تتباين الآراء حول جدوى الحوار، حيث يعتبره البعض غير فعال، بينما يرى آخرون أنه مسألة داخلية، ويبقى السؤال حول نجاح الجولات الجديدة في تحقيق نتائج ملموسة.
أثارت التوجيهات التي أصدرها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي بشأن توسيع قاعدة المشاركة في الحوار الوطني في مصر الذي بدأ منذ عامين، وترجمتها سريعاً بانضمام أربعة أعضاء جدد إلى مجلس الأمناء، تساؤلات حول أهداف السلطة من وراء هذا القرار. وانضمت أربع شخصيات جديدة إلى مجلس الأمناء، وهم: إيهاب الطماوي، وكيل اللجنة التشريعية عن حزب مستقبل وطن، وأشرف الشيحي، وزير التعليم العالي الأسبق عن حزب حماة وطن، إلى جانب المستقلّين النائب ضياء داود، وعمرو حمزاوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة. ورأى البعض أن هذا التوسع في قاعدة الحوار الوطني في مصر جاء في ظل تحديات وضغوط تواجهها السلطات المصرية، ووسط رغبة في خلق حالة من التوافق والاصطفاف الوطني خلف السلطة. وتزايدت التحديات المرتبطة بالقضية الفلسطينية، خصوصاً بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن سيناريوهات تهجير الفلسطينيين من غزة، وهو ما رفضته مصر بشكل قاطع. كما باتت مصر أسيرة ضغوط دولية متزايدة متعلقة بملفات حقوق الإنسان والحريات السياسية.
جودة عبد الخالق: هناك بوادر لتنفيذ بعض توصيات الحوار
تفعيل الحوار الوطني في مصر
على الصعيد الداخلي، تعرّضت الحكومة لانتقادات بسبب سياساتها المتعلقة بالعديد من الملفات، ومنها السياسة الاقتصادية القائمة على الاستدانة، والتوسع في سياسة الاعتقال، وملف نزع الملكيات في بعض المناطق، مثل جزيرة الوراق ومناطق أخرى في القاهرة والمحافظات. لكن عمرو هاشم ربيع، نائب رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، أكد أن التوسع في قاعدة الحوار لا علاقة له بمحاولات تفعيل الحوار الوطني في مصر أو الاصطفاف لمواجهة الضغوط الخارجية، بما في ذلك مقترحات تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.
وأوضح ربيع في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن هذا التوجيه الرئاسي جاء نتيجة غياب أعضاء من مجلس الحوار الوطني في مصر عن الحضور، من دون اعتذار أو استقالة أو حتى تجميد للنشاط، إضافة إلى تعيين إحدى العضوات وزيرةً وسفر أخريات خارج مصر، ما أدى إلى فراغ استدعى تعويضه بضم أعضاء جدد. وأشار ربيع إلى أن ضم الأعضاء الجدد تم من دون إصدار قرار رسمي بإقالة المتغيبين، وذلك لرفع الحرج عنهم وعدم إثارة الرأي العام حول مدى اقتناعهم بجدوى الحوار الوطني في مصر، خصوصاً أن عدداً كبيراً منهم لم يشارك في أعماله منذ أشهر من دون إخطار أو اعتذار مسبق. وأضاف ربيع أن الحوار الوطني في مصر نجح ككيان وظيفي في عقد جلساته بانتظام وإصدار توصيات في مختلف المجالات، لكنه لم يُستثمر بشكل فعّال لحلحلة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد.
من جهته، أعرب جودة عبد الخالق، وزير التموين والتجارة الداخلية الأسبق، عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، عن أمله في أن يكون توسيع قاعدة المشاركة مؤشراً إلى رغبة حكومية في تطوير آليات الحوار الوطني، وتفعيل قراراته وإخراج توصياته إلى حيّز التنفيذ سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. وأوضح عبد الخالق في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن هناك بوادر لتنفيذ بعض توصيات الحوار، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي. وأكد عبد الخالق أنه متفائل بحذر تجاه إمكانية تفعيل الحوار الوطني، لا سيما في ظل الحاجة إلى إيجاد حالة من الاصطفاف الوطني خلف السلطة لمواجهة التحديات الخطيرة، تحديداً على الصعيد الخارجي.
ورأى عبد الخالق أن هناك تبايناً في تقييم نتائج الحوار الوطني في مصر، ذلك لأنه على المستوى الاقتصادي، يبدو أن الحكومة أبدت بعض الاستجابة لتنفيذ توصيات الحوار، لكن الأمر أكثر تعقيداً في ما يتعلق بالمسارين السياسي والحقوقي. ففي المسار السياسي، لم يحقق الحوار المأمول منه، خصوصاً في ما يتعلق بإقرار قانون جديد لانتخابات البرلمان يدمج بين القائمة النسبية والفردي لتوسيع قاعدة المشاركة السياسية. وأوضح عبد الخالق أن المشاركين في الحوار اصطدموا برفض السلطة لهذا الطرح، وإصرارها على القائمة المغلقة التي تضمن سيطرة حزبين رئيسيين على البرلمان. وبالمثل، لم تتم الاستجابة لمطالب تعديل قانون الحبس الاحتياطي، إذ تمسّك البرلمان بالنصوص الحالية خلال مناقشاته لقانون الإجراءات الجنائية، وهو ما أبقى الحبس الاحتياطي بطابعه المأساوي، مشيراً إلى أنه سبق أن جمّد عضويته في الحوار احتجاجاً على هذا الأمر، قبل أن يعود لاحقاً إلى مجلس الأمناء.
مجدي حمدان: ما جدوى أي حوار لا تشارك فيه المعارضة بقوة؟
أهمية توسيع قاعدة المشاركة في الحوار
على الجانب الآخر، قلَّل مجدي حمدان، عضو المكتب السياسي لحزب المحافظين، الذي انسحب سابقاً من الحوار الوطني، من جدوى توسيع قاعدة المشاركة، معتبراً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الحوار تحوّل إلى "مكلمة" وساحة لتوسيع الطموح السياسي للمنسق العام للحوار ضياء رشوان وحزبه الجديد، من دون أن تُنفّذ التوصيات الجادة. وقال حمدان: "لا أرى أي فائدة من انضمام أعضاء جدد، فإيهاب الطماوي، وكيل اللجنة التشريعية، هو المسؤول عن تفريغ توصيات الحوار من مضمونها، خصوصاً في ما يتعلق بقانون الانتخابات وقانون الحبس الاحتياطي، كما أنني أستغرب بشدة انضمام ضياء داود إلى الحوار، رغم أنه صرّح مراراً بعدم قناعته به". وتساءل: "ما جدوى أي حوار لا تشارك فيه المعارضة بقوة، ولا يظهر فيه الرأي الآخر، ولا يتم الاستماع لوجهات النظر المخالفة".
بدوره، قال رئيس حزب الإصلاح والتنمية، النائب السابق محمد أنور السادات، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن قرار الحكومة توسيع دائرة المشاركين في الحوار الوطني "ليس له علاقة بأي ضغوط خارجية، لكنها مسألة داخلية بحتة". وأوضح أن الحكومة، بعد توقف لفترة في مسألة انعقاد جلسات الحوار، "أرادت مرة أخرى أن تخلق حالة لمناقشة بعض القضايا التي تبدو محل اهتمام من المشاركين في الحوار، والذين يرغبون أو يحبون أن تطلب منهم الحكومة المشاركة فيها". وحول ما إذا كانت الجولات الجديدة من الحوار الوطني ستنجح في تحقيق نتائج ملموسة، قال السادات: "هذا ما سننتظر نتيجته، لأن الجولات الأولى من الحوار لم تسفر عن نتائج ملموسة ولم يشعر أحد أن هناك ما تحقق، فهل إعادة الحوار مرة أخرى ستسفر عنه نتائج؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام المقبلة".