استمع إلى الملخص
- تسعى الصين للهيمنة العسكرية العالمية عبر تحسين جاهزية الجيش ومضاهاة أقوى الجيوش، مع التركيز على التدريب الواقعي والجاهزية القتالية في سيناريوهات الحرب الحديثة.
- تعتبر طموحات الصين العسكرية مشروعة في ظل التحديات والتحالفات المعادية، حيث شهد الجيش تحديثات شاملة وإصلاحات في القيادة، مع التركيز على الجودة.
أعاد الرئيس الصيني شي جين بينغ تعريف جوهر تحديث الجيش، إذ بعد أن كان يهدف إلى تحديث الترسانة العسكرية للبلاد لتعزيز جاهزيتها للقتال، كُشف عن وثيقة حديثة لتطوير الجيش الصيني للتكيف مع الحرب الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي. وكشفت وثيقة سعي الصين إلى تطوير قدرات جيشها مع تحديد سقف زمني لذلك، موضحة أنه يتعين على الجيش الصيني أن يقيس نفسه بأقوى جيش في العالم، في إشارة واضحة إلى الولايات المتحدة، في مساعيه للتغلب على المنافسة العالمية. وتعد الوثيقة، التي نُشرت الأسبوع الماضي في صحيفة الشعب الناطقة باسم الحزب الشيوعي الصيني، واحدة من أوضح التفسيرات لهدف شي جين بينغ المتمثل في بناء جيش من الطراز العالمي بحلول منتصف القرن الحالي.
جياو بينغ: الوثيقة الصينية تمثل استجابة ومواكبة لتطورات الحروب الذكية
وأشارت الوثيقة إلى أن الصين تهدف للهيمنة على المسرح المركزي للمنافسة العسكرية والبقاء في الطليعة، وذلك من خلال تحقيق أعلى المعايير العالمية، ليس فقط في مجالات الأسلحة والمعدات والبنية التنظيمية وأنظمة القتال، ولكن أيضاً في النظرية العسكرية وتنمية المواهب وصفات التدريب. ولفتت إلى أن الجيش الصيني يحتاج إلى رؤية نظرائه الأجانب باعتبارهم معياراً، وخاصة الجيوش الأقوى، للوقوف على قدم المساواة مع القوى العالمية والتفوق في المنافسة الدولية. ويأتي نشر الوثيقة قبل نحو شهر من عرض الجيش الصيني أحدث أسلحته في العرض العسكري الذي سينظم بمناسبة يوم النصر في الثالث من سبتمبر/ أيلول المقبل، بمناسبة الذكرى الثمانين لهزيمة الصين للغزو الياباني والانتصار على القوى الفاشية.
إعادة تعريف جوهر الجيش الصيني
وكانت بكين قد وضعت في وقت سابق أهدافاً عسكرية، لم يتم الكشف عنها، بحلول أغسطس/ آب 2027، وهو التاريخ الذي يصادف الذكرى المئوية لتأسيس الجيش الصيني. ولكن الوثيقة الحديثة، التي اعتمدت على تحليل مفصل لتوجيهات الرئيس الصيني بشأن التطوير العسكري، كشفت أن شي جين بينغ حدد هدفاً استراتيجياً يتمثل في بناء جيش من الطراز العالمي بحلول العام 2049، وأنه أعاد تعريف جوهر تحديث الجيش الصيني باعتباره التطوير المتكامل للميكنة (Computization)، والمعلوماتية والذكاء الاصطناعي، للتكيف مع عصر الحرب الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والحوسبة وغيرها من التقنيات المتقدمة.
وقالت الوثيقة إنه من المهم للجيش الصيني أن يفكر في الاستراتيجية الأكثر توازناً وواقعية لكي يصبح قوة متقدمة، وأن المسار الأفضل قد لا يكون خطياً أو متسلسلاً، خاصة عندما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي وغيره من التقنيات المعروفة باسم التحول الذكي. وأضافت أنه في خضم صراع دولي حول إعادة توزيع السلطة والمصالح، ومع تزايد شراسة المنافسة حول قواعد الحوكمة العالمية والهيمنة الإقليمية ونماذج التنمية والتفوق العسكري، يتعين على الجيش الصيني ضمان قدرته على كسب الحروب لحماية الأمن والسلام في المنطقة والعالم.
طفرة عسكرية
ورأى الباحث في مركز جيانغ شي للدراسات الاستراتيجية العسكرية جياو بينغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الوثيقة الصينية تمثل استجابة ومواكبة لتطورات الحروب الذكية، التي تعتبر التكنولوجيا فيها عاملاً حاسماً. ولفت إلى أن الموجات المستمرة من الثورات العلمية والتكنولوجية والصناعية تدفع بالضرورة نحو ثورة أو طفرة عسكرية، وهو الأمر الذي يستغله الجيش الصيني بصورة مثلى، وبإشراف مباشر من شي جين بينغ، لبناء قدرات عسكرية من الطراز العالمي، بالاعتماد على القفزات التي حققتها البلاد في مجال تكنولوجيا المعلومات وتوظيفها في تعزيز الكفاءة الدفاعية والهجومية.
وانغ خه: طموحات الصين العسكرية مشروعة في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها
من جهته، قال الباحث في معهد الجنوب للدراسات الدولية الصيني وانغ خه، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الوثيقة تظهر مدى اهتمام بكين والقيادة برفع كفاءة الجيش الصيني وحتى رفع سقف الطموحات، لمضاهاة أو تجاوز قدرات أقوى جيوش العالم بحلول منتصف القرن الحالي. وشدد على أن طموحات الصين العسكرية مشروعة في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها البلاد، وباعتبار أن التحالفات العسكرية المعادية في محيطها تستدعي رفع درجات الحذر والتأهب من خلال زيادة الكفاءة وتعزيز الردع والقدرة على المواجهة في أي صدام محتمل مع قوى خارجية.
تحديث مستمر
وكانت اللجنة العسكرية المركزية، وهي أعلى هيئة عسكرية في الصين، قد أعلنت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أن الجيش الصيني اتخذ خطوة مهمة للأمام في الجاهزية القتالية من خلال التدريبات المتكاملة. وقالت، في بيان وقتها، إن الجيش حقق تقدماً كبيراً في تحديث برنامجه التدريبي، إذ يسعى إلى تعزيز الجاهزية القتالية في سيناريوهات الحرب الحديثة. ولفتت إلى أن الخطوة التالية هي جعل تدريب الجيش الصيني أكثر واقعية ومتوافق بشكل وثيق مع مواقف القتال الحقيقية، ما يؤدي إلى تحسن عام في الجاهزية والقدرة العسكرية.
يشار إلى أن الصين صاحبة أكبر جيوش العالم عددياً، إذ بلغ تعداد الجيش الصيني حالياً نحو 2.3 مليون جندي، يتوزعون بين خمس وحدات: البرية والبحرية والجوية والقوة الصاروخية ووحدة الدعم الاستراتيجي. وقد أنشئ في العام 1927، وخاض عدة حروب، لعل أبرزها الحرب في شبه الجزيرة الكورية في خمسينيات القرن الماضي. وقد أُخذ على الصين خلال العقود الماضية اهتمامها بالكمّ على حساب الجودة، أي أنها لم تلق بالاً لمسألة التحديث العسكري، وظل جيشها لعقود طويلة غير مؤهل في العتاد والقدرات القتالية، فضلاً عن أن آخر حرب خاضها الجيش الصيني كانت ضد فيتنام في 1979. لكن مع وصول شي جين بينغ إلى السلطة في العام 2013، اختلف الأمر تماماً، إذ أطلق عملية تحديث الترسانة العسكرية للصين بصورة شاملة. وشهدت هذه العملية إصلاحات كبيرة، حيث تمت الإطاحة بالعديد من قيادات الجيش.