بوادر انتقال للتعددية القطبية تخيّم على ذكرى مؤتمر يالطا

04 فبراير 2025
ترامب وبوتين في أوساكا اليابانية، 28 يونيو 2019 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- مؤتمر يالطا وتأسيس النظام العالمي الجديد: انعقد في فبراير 1945 بمشاركة زعماء الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة وبريطانيا، حيث تم الاتفاق على هزيمة ألمانيا واليابان وتأسيس نظام عالمي جديد يعتمد على عضوية دائمة وحق النقض في مجلس الأمن للدول المنتصرة.

- الثنائية القطبية وانهيارها: أسس مؤتمر يالطا لثنائية قطبية بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، والتي انهارت بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في 1991، مما أدى إلى نظام أحادي القطب بقيادة الولايات المتحدة.

- التحول نحو التعددية القطبية: يتوقع الخبراء تحول العالم نحو نظام متعدد الأقطاب يشمل الولايات المتحدة وروسيا والصين وربما الهند، مع دعوات لعقد اتفاقات جديدة تعكس الواقع الحالي.

في مثل هذا اليوم قبل 80 عاماً، انطلق في قصر ليفاديا في مدينة يالطا الواقعة في شبه جزيرة القرم السوفييتية حينها، مؤتمر بمشاركة زعيم الاتحاد السوفييتي جوزيف ستالين، والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، وسط تزايد ضرورة وضع الحلفاء خطة لإلحاق الهزيمة النهائية بقوات ألمانيا النازية بقيادة أدولف هتلر في الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945). بحلول وقت انعقاد مؤتمر يالطا الذي عُرف أيضاً باسم مؤتمر القرم، انتقل مسرح الأعمال العسكرية إلى داخل الأراضي الألمانية، مما أملى على الدول المنتصرة مناقشة قضية النظام العالمي في مرحلة ما بعد الحرب.

لم تقتصر مخرجات مؤتمر يالطا الذي انعقد خلال الفترة من 4 إلى 11 فبراير/شباط 1945، على الاتفاق على خطة هزيمة ألمانيا وحليفتها اليابان، بل حددت أيضاً المبادئ الأساسية للنظام العالمي ما بعد الحرب، مما مهد الطريق أمام تحكّم الدول المنتصرة في أبرز القضايا العالمية من خلال عضويتها الدائمة وحق النقض (الفيتو) بمجلس الأمن الذي يتيح للولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين إملاء شروطها على باقي دول العالم حتى اليوم. وكان للقرارات العسكرية التي اتُخذت في إطار مؤتمر يالطا دور كبير في نصر الحلفاء، إذ تم التوقيع على اتفاق سري نصّ على دخول الاتحاد السوفييتي الحرب ضد اليابان بعد شهرين أو ثلاثة على استسلام ألمانيا، وإدارة "برلين الكبرى" بعد سقوطها، والقضاء على هيئة الأركان العامة الألمانية والحزب النازي وقوانينه ومؤسساته. كما أثبت المؤتمر قدرة قوى عظمى ذات أنظمة سياسية مختلفة على توحيد جهودها لمواجهة عدو مشترك على الرغم من الخلافات الأيديولوجية الشديدة بينها.

كيريل كوكتيش: مؤتمر يالطا هو الذي وضع قاعدة للثنائية القطبية بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة لقرابة نصف قرن

تأسيس للثنائية القطبية عبر مؤتمر يالطا

يوضح الأستاذ المساعد في قسم النظرية السياسية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، كيريل كوكتيش، أن مؤتمر يالطا تحديداً هو الذي وضع قاعدة للثنائية القطبية بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة لقرابة نصف قرن، معتبراً في الوقت نفسه أن العالم يقف اليوم على مشارف مرحلة جديدة من تاريخه ستتسم حتماً بالتعددية القطبية.
ويقول كوكتيش، في حديث لـ"العربي الجديد": "وضع مؤتمر يالطا قاعدة للنظام العالمي القائم على منظومة الردع المتبادل بين القوى العظمى المتمثل بالأمم المتحدة خلفاً لأول منظمة حكومية دولية، عصبة الأمم، التي ظلت قائمة خلال الفترة من عام 1920 إلى عام 1946، ولكنها كانت تستند إلى المواجهة لا الردع كما هو حال مجلس الأمن، إذ منحت الدول دائمة العضوية به حق الفيتو، مما شكل النواة الصلبة للنظام العالمي الجديد".

وحول رؤيته لأسباب انهيار النظام العالمي الذي أسس له مؤتمر يالطا ونشوب العالم أحادي القطب تحت هيمنة أميركية، يضيف: "بعد تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، باتت الولايات المتحدة تنطلق من أنها القوة العظمى الوحيدة وأن الديمقراطية بمفهومها الليبرالي أصبحت هي الأيديولوجيا المتحكّمة في العالم. إلا أن الأحادية القطبية أثبتت خطورتها على العالم من خلال الأحداث المفصلية مثل ضربات حلف شمال الأطلسي (ناتو) على يوغسلافيا عام 1999 والتدخّل الأميركي في العراق عام 2003 تحت ذريعة كاذبة أن نظام صدام حسين طوّر أسلحة دمار شامل". واللافت أن قصف "ناتو" على يوغسلافيا الذي يعد أول قصف جوي على دولة أوروبية منذ الحرب العالمية الثانية، شكّل محطة مفصلية على الطريق نحو عودة التوتر في العلاقات الروسية الغربية. وفي خطوة رمزية، أمر رئيس الوزراء الروسي آنذاك، يفغيني بريماكوف، الذي علم ببدء القصف وهو على متن طائرة حكومية روسية تحلق فوق المحيط الأطلسي متجهاً إلى الولايات المتحدة، بالعودة إلى روسيا، في رسالة مفادها أن الغرب يتعين عليه وضع مواقف موسكو في الحسبان.

قسطنطين بلوخين: لا بد من توصل روسيا والغرب إلى اتفاقات جديدة لتقاسم النفوذ تعكس واقع العالم اليوم

العالم على أعتاب التعددية القطبية

مع تزايد حدة النزاعات والحروب بالوكالة في السنوات الأخيرة، يعتبر كوكتيش أن العالم يعيش اليوم وضعاً جيوسياسياً فريداً من نوعه يمهد لإقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب، قائلاً: "حتى القرن العشرين كان العالم مقسماً إلى نظم إقليمية بلا نظام عالمي شامل، ثم مهد مؤتمر يالطا للثنائية القطبية، واليوم يقف العالم على أعتاب التعددية القطبية بين الولايات المتحدة وروسيا والصين وربما الهند في حال خرجت من الفلك الغربي". ويضيف: "إلا أن عملية الانتقال إلى التعددية القطبية قد تستغرق وقتاً، حيث لا تزال الولايات المتحدة تنطلق من الاعتقاد أنها القوة المهيمنة على العالم بلا منازع، ولعل التفوق في مجال تكنولوجيا المعلومات وليس في المجال العسكري وحده سيكون العامل الحاسم للتأهل إلى نادي الكبار في القرن الـ21".

من جهته، يعتبر الخبير في مركز بحوث قضايا الأمن التابع لأكاديمية العلوم الروسية، قسطنطين بلوخين، أن أبرز عناصر النظام العالمي الذي جرى تأسيسه في يالطا لا يزال قائماً نتيجة للقصور الذاتي حتى الآن، مقراً في الوقت نفسه بضرورة توصل روسيا والغرب إلى اتفاقات جديدة لتقاسم النفوذ تعكس واقع العالم اليوم. ويقول بلوخين في حديث لـ"العربي الجديد": "وضع مؤتمر يالطا قاعدة للنظام العالمي القائم حتى اليوم من جهة تثبيت الوضع الراهن عبر منح العضوية الدائمة وحق الفيتو في مجلس الأمن لخمس دول، ولكن العالم شهد مجموعة من التغييرات منذ ذلك الحين من جهة انهيار الثنائية القطبية بدون أن تتمكن الولايات المتحدة من ترسيخ الأحادية القطبية طويلة الأجل، وسط تشكل التعددية القطبية اليوم". ويضيف: "حتى تفكك الاتحاد السوفييتي بدا النظام العالمي الذي تأسس في يالطا وكأنه من حديد، ثم استمرت مؤسساته نتيجة للقصور الذاتي حتى اليوم مع تعالي الأصوات المطالبة بإصلاح الأمم المتحدة، إذ لم تعد تعكس واقع النظام العالمي القائم حالياً بحكم الأمر الواقع".

ويعتبر أن العالم يحتاج مؤتمر يالطا جديداً يؤسس للتعددية القطبية، مضيفاً: "حان الوقت لإجراء عملية تفاوضية تسفر عن توصل روسيا والدول الغربية إلى اتفاق على آلية جديدة لإدارة المواجهة ووضع قواعد اللعبة في الحرب الباردة الجديدة وتقسيم العالم إلى مناطق النفوذ. لا إجماع غربياً بشأن هذه المسألة، إذ أصبحت هناك أطراف تدرك ذلك وتدعو للحوار مع روسيا، بينما يتحدث آخرون عن إلحاق هزيمة استراتيجية بها".

المساهمون