الإدارة الأميركية تدرس رد دمشق على مطالب واشنطن

21 ابريل 2025
في دمشق، 14 يناير 2025 (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- وضعت الإدارة الأميركية قائمة مطالب تشمل السماح بعمليات مكافحة الإرهاب، حظر المليشيات الفلسطينية، ودعم التحالف ضد داعش، وتدمير الأسلحة الكيميائية، في ظل موقف غير واضح تجاه الإدارة السورية بعد إسقاط نظام الأسد.

- رغم عدم الاعتراف بأي كيان حكومي سوري، أصدرت الولايات المتحدة تأشيرات محدودة لمسؤولين سوريين، والتقى مسؤولون أميركيون بنظرائهم السوريين لمناقشة قضايا انتقال السلطة ومكافحة الإرهاب، مما يشير إلى وجود قنوات تواصل.

- يرى بعض المحللين أن المطالب الأميركية تمس السيادة السورية، بينما يعتبر آخرون الحوار المباشر هو السبيل الأفضل، مع وجود عسكري أميركي وخطط لخفض القوات مما قد يؤثر على توازن القوى.

وضعت الإدارة الأميركية مطالب وشروطاً أمام الحكومة السورية، اتخذت حتى اللحظة شكل تسريبات في صحف في الولايات المتحدة، جرى تبريرها من قبل مسؤولين أميركيين في إطار "بناء الثقة". وجاءت مطالب واشنطن في وقت لم تحسم فيه الإدارة الاميركية حتى اللحظة موقفها من الإدارة السورية التي تسلمت مقاليد الأمور في البلاد منذ إسقاط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وبينما قالت متحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، الخميس الماضي، إن "الولايات المتحدة لا تعترف حالياً بأي كيان حكومةً سوريةً"، مشددة على أنه "ينبغي للسلطات السورية المؤقتة نبذ الإرهاب وقمعه تماماً"، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية تأشيرات محدودة لمسؤولين سوريين لزيارة الولايات المتحدة. وسيزور وزير المالية محمد يُسر برنية وحاكم مصرف سورية المركزي عبد القادر حصرية واشنطن للمشاركة في اجتماعات الربيع المشتركة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، التي تُعقد بين 21 و26 إبريل/ نيسان الحالي (اليوم الاثنين وحتى السبت المقبل). كما منحت تأشيرة لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني لزيارة نيويورك، حيث من المقرر أن يشارك في اجتماع لمجلس الأمن حول سورية الجمعة المقبل.

مطالب واشنطن

في سياق مطالب واشنطن، ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية، يوم الخميس الماضي، أنه في اجتماع دولي عُقد في بروكسل الشهر الماضي، سلّم مسؤول من إدارة الرئيس دونالد ترامب، من المستوى المتوسط، وزير الخارجية السوري قائمة تضمّ ثماني خطوات "لبناء الثقة" يجب على الحكومة السورية اتخاذها للنظر في تخفيف جزئي للعقوبات.

وشملت القائمة، التي اطّلعت عليها الصحيفة، السماح للحكومة الأميركية بتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب على الأراضي السورية ضد أي جهة تعتبرها واشنطن تهديداً للأمن القومي. كما طالبت القائمة الحكومة السورية بـ"إصدار إعلان رسمي علني بحظر جميع المليشيات الفلسطينية والأنشطة السياسية" على الأراضي السورية، وترحيل أعضاء تلك الجماعات لـ"تهدئة المخاوف الإسرائيلية". وتضمنت مطالب واشنطن أيضاً إصدار إعلان رسمي عن دعمها التحالف الدولي ضد تنظيم داعش.

وكانت وكالة رويترز قد ذكرت، أواخر الشهر الماضي، أن ناتاشا فرانشيسكي، نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون بلاد الشام وسورية، سلّمت قائمة المطالب للشيباني في اجتماع خاص على هامش مؤتمر المانحين لسورية في العاصمة البلجيكية بروكسل في 18 مارس/آذار الماضي. وأضافت الوكالة أن من ضمن مطالب واشنطن تدمير سورية أي مخازن أسلحة كيميائية متبقية، والتعاون في مكافحة الإرهاب، وعدم تولي مقاتلين أجانب مناصب قيادية في الإدارة الحاكمة في سورية. بالإضافة إلى تعيين منسق اتصال لدعم الجهود الأميركية للعثور على أوستن تايس، الصحافي الأميركي الذي فُقد في سورية منذ أكثر من عشر سنوات.

كانت باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط في إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، التقت الرئيس السوري أحمد الشرع في دمشق بعد أيام قليلة من إسقاط نظام الأسد. ووصفت في حينه اللقاء بـ"الإيجابي"، بُحثت خلاله عدة ملفات، منها انتقال السلطة في سورية، والتطورات الإقليمية ومحاربة تنظيم داعش، ومصير تايس ومواطنين أميركيين اختفوا في عهد نظام الأسد. وبعد اللقاء، ألغت واشنطن مكافأة وضعتها للقبض على الشرع عندما كان قائداً لـ"هيئة تحرير الشام"، وكانت تقدر بعشرة ملايين دولار، بعد تأكيد المسؤولة الأميركية أنه بدا في صورة "رجل عملي".

اتخذت واشنطن عقب ذلك عدة إجراءات تجاه العهد الجديد في سورية، لعل أبرزها الرفع الجزئي لعقوبات مفروضة على سورية لمدة ستة أشهر، "للمساعدة في ضمان عدم عرقلة العقوبات الخدمات الأساسية واستمرارية وظائف الحكم في جميع أنحاء سورية، بما في ذلك توفير الكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي".

والتقى الشرع والشيباني، أول من أمس السبت، مع عضو الكونغرس الأميركي كوري لي ميلز في قصر الشعب بدمشق. جاء ذلك ضمن زيارة ميلز سورية برفقة عضو آخر في الكونغرس، هو مارلين ستوتزمان، وأعضاء في التحالف السوري الأميركي للسلام والازدهار (saap)، وهو منظمة غير ربحية، الذي نظّم هذه الزيارة لـ"الاطلاع على الأوضاع في البلاد في ظل التغييرات التي تشهدها". وفي تصريحات صحافية، قال ميلز إن رفع العقوبات الأميركية عن سورية يتطلب الكثير من الخطوات، مؤكداً أن بلاده "تريد رؤية واقع يسود فيه الاستقرار، وحكومة سورية منتخبة بشكل ديمقراطي".

بشأن مطالب واشنطن ورد السلطة السورية عليها، ذكر الباحث السياسي السوري رضوان زيادة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هناك ثمانية مطالب أميركية رئيسية من الحكومة السورية"، موضحاً أن دمشق "ردت على هذه المطالب عبر أربع صفحات". وأضاف أن "الإدارة الأميركية تدرس الرد حالياً، والتقييم الأولي للرد إيجابي".

بسام بربندي: عدد من  المطالب مطبّق، خصوصاً ما يتعلق منها بإيران وعصاباتها

من جانبه، اعتبر الدبلوماسي السوري السابق والمقيم في واشنطن بسام بربندي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن مطالب واشنطن والشروط الأميركية "واقعية"، لافتاً إلى أن "عدداً من هذه المطالب مطبّق بالفعل على أرض الواقع، خصوصاً ما يتعلق منها بإيران وعصاباتها". أما نشاط "داعش" في سورية، فهو، وفق بربندي، متوقف بشكل "شبه كلي" منذ سقوط نظام الأسد، مضيفاً أن "موضوع العدالة الانتقالية والحكم الذي يمثل كل السوريين هو مطلب سوري قبل أن يكون أميركياً بالأساس".

موقف ضبابي

لكن مطالب واشنطن هذه أدرجت أيضاً في سياق غياب الموقف الأميركي الواضح من الإدارة السورية الحالية. وبرأي الباحث السياسي السوري مؤيد غزلان، فإن "التردد والضبابية يخيّمان على السياسة الأميركية حيال سورية"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد" أن الشروط الأميركية الجديدة تثبت أن ما وصفه بـ"سياسة إغلاق الأجفان الأميركية" لا تزال "تمنع الرؤية الموضوعية لحقيقة الواقع السياسي في سورية". وبيّن غزلان أن من ضمن شروط واشنطن ما هو "محقق فعلاً على الأرض مثل ما يتعلق بالفصائل الفلسطينية، فهي غير موجودة أصلاً على الأراضي السورية في المرحلة الراهنة". وبرأيه، "لن تكون هناك أي تجمعات من أي جنسية في سورية تهدد أي دولة من دول الجوار. هذه سياسة سورية التي جرى الإعلان عنها والسير بها قدماً منذ أيام التحرير الأولى".

مؤيد غزلان: من ضمن الشروط الأميركية ما يمس سيادة سورية بشكل واضح وجلي

من جهة أخرى، أشار غزلان إلى أن "من ضمن الشروط الأميركية ما يمس سيادة سورية بشكل واضح وجلي". واعتبر أن "اشتراط واشنطن قيامها مع قوات التحالف الدولي باستهداف أي شخصية تهدد الأمن القومي انتهاك واضح لسيادة الدولة الوليدة التي انبثقت بعد صمود ثوري لسنوات طويلة ومعركة تاريخية خلصت العالم أجمع من تهديد محور إيران في الشرق الأوسط". وعدّ "مكافحة الإرهاب والتهديدات المتطرفة لأمن سورية شأناً داخلياً"، مضيفاً أن "سورية هي من تختار الحليف المناسب للمضي في هذا المسار المطلوب سوريّاً، قبل أن يكون مطلوب دولياً، لأنه يهدد أمن المنطقة بأسرها، وهي معايير تتفق فيها دمشق مع المجتمع الدولي بأسره". بالمقابل، اعتبر بعض المطالب "طبيعية"، موضحاً أن "دمشق أبدت كل الاستعداد والتعاون في ملف ترسانة الأسلحة الكيميائية منذ عدة أشهر". وباعتقاده، فإن "الحوار المباشر مع دمشق بدلاً من اتباع سياسة المطالب المشروطة هو خير سبيل للوصول إلى توافق نهائي بين الولايات المتحدة وسورية في المنطقة".

وشدّد على أن "وضع الشعب السوري تحت ثنائية السيادة أو إبقاء العقوبات له جواب واضح من الشعب السوري بأن السيادة تأتي أولاً ولتنتظر العقوبات. ننتظر حتى تتاح فرصة الحوار السوري الأميركي المباشر، وأن تتعامل واشنطن بواقعية أكثر مع الملف السوري لا عبر المطالب عن بعد". ورأى أن "الولايات المتحدة الأميركية مصرة كما يبدو على وضع الشعب السوري بين الرغبة الملحة برفع العقوبات وشبح اليأس من المطالب الأميركية التي لا تنتهي والتي ترهن السيادة وتقرير المصير".

وتحتفظ الولايات المتحدة بحضور عسكري مؤثر في سورية منذ نحو عشر سنوات في إطار التحالف الدولي الذي أسسته لمحاربة تنظيم داعش في سورية والعراق. لكن وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) أعلنت، الجمعة الماضي، أن الجيش الأميركي سيعمل على دمج قواته في سورية خلال الأسابيع والأشهر المقبلة "عبر اختيار مواقع محددة"، من دون تحديدها. وأضافت أن "هذه العملية المدروسة والمشروطة من شأنها خفض عديد القوات الأميركية في سورية إلى أقل من ألف جندي أميركي خلال الأشهر المقبلة"، أي النصف. وللجيش الأميركي نحو ألفي جندي في سورية موزعين على عدد من القواعد، معظمها في الشمال الشرقي من البلاد الذي يقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ذراع التحالف الدولي البرية في مواجهة تنظيم داعش. ومن شأن الانسحاب الأميركي من الشمال الشرقي من سورية تغيير خرائط السيطرة لصالح دمشق على حساب "قسد" التي لا تزال تسيطر على الجانب الأغنى (بالثروات) من البلاد، مستندة الى دعم واشنطن التي تدفع باتجاه تفاوض جدي بين هذه القوات والحكومة السورية لحسم مصير الشمال الشرقي من سورية تمهيداً لسحب كل الجنود الأميركيين.

المساهمون