استمع إلى الملخص
- شهدت الفترة الأخيرة تحركات دبلوماسية مكثفة، حيث التقى وفد من حزب "ديم" مع أوجلان في سجنه، وأكد باقرهان على أن الكرة الآن في ملعب الرئيس أردوغان لاتخاذ خطوات جادة نحو بناء الثقة.
- تأتي هذه التطورات في ظل تاريخ طويل من محاولات حل القضية الكردية في تركيا، وتأمل الحكومة التركية أن تسهم دعوة أوجلان في حل جميع التنظيمات المرتبطة بالكردستاني.
قال الرئيس المشترك لحزب "ديم" الكردي في تركيا، تونجر باقرهان، اليوم الثلاثاء، إنّ زعيم "حزب العمال الكردستاني" المحظور عبد الله أوجلان يتّجه لنشر "رسالة تاريخية" في الأيام المقبلة، في تأكيد لما نشرته وسائل إعلام تركية في وقت سابق بشأن نيته الإعلان عن حلّ "حزب العمال الكردستاني"، ودعوة عناصره إلى إلقاء السلاح. وأفاد باقرهان، في كلمةٍ له أمام اجتماع كتلة حزبه النيابية في البرلمان، أن أوجلان قد يعلن عن مبادرته منتصف الشهر الجاري، مضيفاً أن المعارضة ومنظمات المجتمع المدني في تركيا "تؤيّد الحل، وتريد أن تتطوّر المرحلة الحالية إلى عملية سلام"، مشدداً على أنه "لا ينبغي تفويت هذه الفرصة التاريخية".
وقال باقرهان: "نسعى إلى إيجاد حلّ للقضية الكردية عبر الديمقراطية والقانون، ورغم أن أوجلان دعا إلى إحالة النزاعات إلى القضاء، فإن لغة الحكومة ينبغي أن تكون متماشية مع هذا، ولا يمكن تحقيق السلام بتجاوز الشعب الكردي، وسنعمل ليل نهار من أجل السلام". وتابع: "يستعد أوجلان لإطلاق رسالة تاريخية في الأيام المقبلة من أجل بناء تركيا ديمقراطية وإيجاد حلٍ جذري ودائم للمشكلة الكردية".
وأردف: "نهتم بهذه الدعوة وندعمها ونقف وراءها، ونطالب الحكومة بأن تقوم بدورها وفقاً لهذا النداء التاريخي، فزعيم حزب الحركة القومية دولت باهتشلي ليس رئيساً للسلطة التنفيذية، ما يعني أن هناك خطوة كبيرة تقع على عاتق الرئيس أردوغان". وعاد ملف حزب العمال الكردستاني إلى الواجهة، بعدما شهد شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي مبادرة من باهتشلي، وهو حليف الرئيس رجب طيب أردوغان، بمصافحة نواب حزب ديم، ما فتح الأبواب أمام تطبيع العلاقات بينهما، أتبعها بدعوة وجّهها إلى أوجلان لإعلان حلّ الحزب وترك سلاحه مقابل الاستفادة من العفو.
والتقى وفد من "ديم" مع أوجلان في سجنه مرتين في 28 ديسمبر/ كانون الأول، و22 يناير/ كانون الثاني الماضيَين، وأجرى الوفد سلسلة اجتماعات مع أحزاب وشخصيات سياسية تركية شملت رئيس البرلمان نعمان قورطولموش، ولأول مرة بشكل رسمي مع باهتشلي وبقية الأحزاب خلال الشهر الأخير. وبهذا الخصوص، شدّد باقرهان على أن "الكُرة الآن في ملعب أردوغان، الملايين ينتظرون الحلول الديمقراطية، ونحن ننتظر اتخاذ خطوات بناء الثقة بدلاً عن المماطلة، ونقول له ادخل التاريخ بوصفك قائداً شجاعاً. نحن نؤيد المساواة، وهو اتجاه طريق السلام والديمقراطية. ورغم كل شيء سنواصل السير على هذا الطريق بشجاعة".
وخلال رده على أسئلة الصحافيين بعد مغادرته البرلمان، قال باقرهان: "الرسالة التاريخية تتضمّن كثيراً من الأمور، لا ندري مضمونها بشكل مؤكد، نتحدث وفق المعلومات التي حصلنا عليها من الوفد الذي التقاه. هناك تحضيرات خلال فترة قصيرة، والتاريخ ما زال غير معروف، قد يكون في 15 فبراير أو بعده، ننتظر الرسالة (النداء)". وكانت صحيفة "حرييت" أفادت السبت الماضي بأن ثمّة توجهاً إلى إعلان أوجلان دعوة لحل "حزب العمال الكردستاني" وإلقاء عناصره السلاح في 15 فبراير الجاري تزامناً مع الذكرى الـ26 لاعتقاله.
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها الصحيفة، فإن الدعوة ستكون شاملة تؤدي لفسخ جميع التنظيمات المرتبطة بـ"العمال الكردستاني" بجميع مسمياتها المختلفة في تركيا وخارجها وفي قنديل وسورية وأوروبا تشمل جميع العناصر، وأنه سيكون هناك تركيز خاص على الوضع في سورية التي تنشط بها وحدات الحماية الكردية، وأن تكون هناك إشارة واضحة لها. واعتقل أوجلان في العاصمة الكينية نيروبي عام 1999، وأعلن عن نقله إلى تركيا في 16 فبراير من العام نفسه، ليحاكم لاحقاً بالسجن المؤبد ويودع في سجن خاص بجزيرة إمرلي قبالة إسطنبول.
وأعلن "العمال الكردستاني" وقف إطلاق النار بعد اعتقال أوجلان، لكن ذلك انتهى عام 2004 وعاد للعمل المسلح. وأطلقت الحكومة التركية عام 2012 حواراً سرياً مع الحزب في النرويج، وفي العام التالي أطلقت مرحلةَ السلام وشكلت لجنة الحكماء. لكن العمليات المسلحة تواصلت ودخلت مرحلة جديدة من الصراع تجاوزت الحدود بشكل كبير، وشملت شمالي سورية والعراق، فيما حقّقت القوات التركية نجاحات كبيرة، دون أن تؤدي للقضاء على الحزب.
دعوات أوجلان السابقة
ويمكن تقسيم مساعي حل القضية الكردية في تركيا خلال العقود السابقة إلى مرحلتين، الأولى ما قبل حكم حزب العدالة والتنمية (2002)، والمرحلة التالية هي حكم الرئيس أردوغان، حيث سيطر على المرحلة الأولى التعامُلُ مع القضية بشكل عسكري بحت عبر فرض قانون الطوارئ في المنطقة، وترك الأريحية للقوات المسلحة، ما ضيّق هامش الحكومات التركية المتعاقبة.
أما المرحلة الثانية، فشهدت حراكاً فاعلاً تجاه حلّ مشاكل الأكراد، من خلال رفع حالة الطوارئ من جهة، ومساعي الحكومة عبر تنفيذ مشاريع تنمية في المنطقة واستخدام القوة الناعمة من جهةٍ أخرى، إلى جانب إجراء إصلاحات، شملت تأسيس إعلام ناطق باللغة الكردية، فتأسست قناة تي آر تي باللغة الكردية عام 2008، ودخلت مادة اللغة الكردية الاختيارية في المدارس عام 2012.
وبحلول العام 2013، قاد حزب العدالة والتنمية أبرز مشاريع حل مسألة "حزب العمال الكردستاني" بعد حوار عبر جهاز الاستخبارات في أوسلو قبلها بعام. فأطلقت مرحلة السلام، واستضيف فنانون ممنوعون من الدخول إلى تركيا، وقرأت رسائل أوجلان بالتركية والكردية لـ"الكردستاني" بإلقاء السلاح في احتفالات النوروز بديار بكر، لكن لم تنجح تلك الجهود لأسباب داخلية وخارجية، أهمها التطورات في سورية، وتشكّل خريطة قوى جديدة في المنطقة، وظهور الوحدات الكردية، إلى جانب الصراع آنذاك بين حكومة العدالة والتنمية وجماعة "الخدمة" التي كانت متغلغلة في الدولة.
ومن الواضح أن الحكومة التركية ترغب في أن تشمل دعوة أوجلان حلّ جميع التنظيمات والمؤسسات المرتبطة بالكردستاني في تركيا وخارجها، مثل وحدات الحماية الكردية في سورية، إذ تأمل الحكومة أن تساهم هذه الدعوة في إلقاء السلاح واستسلام المقاتلين، والانتقال لصياغة دستور جديد. وترغب في أن يحصل الأمر نفسه في الدول المجاورة أيضاً، في ظلّ التسريبات التي تشير إلى أن دعوة أوجلان ستكون موجهة لقنديل، حيث قيادة "الكردستاني"، والوحدات الكردية في سورية، وقيادة الحزب في أوروبا.