استمع إلى الملخص
- الخطة تعكس منطقًا استعماريًا بإنكار حقوق الفلسطينيين وتعتبر الترانسفير جزءًا من تسوية القضية الفلسطينية، وهو ما كان محصورًا في أوساط اليمين المتطرف الإسرائيلي.
- تفتقر الخطة إلى آليات واضحة للتطبيق، وتثير تساؤلات حول دعم العالم العربي والمجتمع الدولي، وتأثيرها على هوية وحقوق سكان غزة.
حتّى لحظة كتابة هذه السطور؛ لا يزال الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، متمسكًا بما وصفها بأنّها خطته بشأن مستقبل قطاع غزّة، التي أثارت التنديد فور إعلانها في أثناء مؤتمرٍ صحافيٍ مشتركٍ مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، عقده في واشنطن في الرابع من فبراير/شباط 2025، تنص الخطة على فكرة استيلاء الولايات المتّحدة على قطاع غزّة، وتتضمن اقتراحًا يقضي بترحيل الفلسطينيين إلى دولٍ مجاورةٍ، وإعادة تطوير المنطقة المتضرّرة، وتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط". طرح ترامب اقتراح تهجير الفلسطينيين من قطاع غزّة لأول مرة في 25 يناير/كانون الثاني 2025، من خلال "حثّ مصر والأردن على استقبال المزيد من سكان القطاع".
تشي المتابعة السريعة لأبرز استنتاجات إسرائيل من هذه الخطة بما يلي:
أولاً، يعكس موقف ترامب الحالي عهدًا جديدًا وواعدًا في سياق العلاقات الخاصة بين إسرائيل والولايات المتّحدة، قوامه التماهي الأميركي المطلق مع إسرائيل وسياستها حيال الفلسطينيين، وسياستها الإقليمية عمومًا. أشار بعضهم إلى أن لقاء القمة بين نتنياهو وترامب يعيد إلى الأذهان، على مدار أعوام العلاقات بين الدولتين، ثلاث لقاءات قمةٍ عقدت في الماضي بين رؤساء الولايات المتّحدة ورؤساء حكوماتٍ إسرائيليةٍ، وانطوت على مؤشراتٍ قويةٍ على إدراك واشنطن أنّ إسرائيل تشكل رصيدًا استراتيجيًا لها في منطقةٍ جغرافيةٍ شديدة الأهمّية من ناحيةٍ جيوسياسيةٍ، بل تعتبر بمثابة "قاعدةٍ أميركيةٍ أماميّةٍ". وعقدت لقاءات القمة السابقة المذكورة في يونيو/حزيران 1964، يناير/كانون الثاني 1968، وسبتمبر/أيلول 1969. ضم اللقاءان الأول والثاني الرئيس الأميركي ليندون جونسون، ورئيس الحكومة الإسرائيلية ليفي إشكول، في حين جمع اللقاء الثالث الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، ورئيسة الحكومة الإسرائيلية غولدا مئير.
تعدّ خطة ترامب تغييرًا في السياسة الأميركية بشأن كلّ ما يخصّ الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وقواعد اللعبة المتّبعة لحلّه ("حلّ الدولتين لشعبين")
ثانياً، تعكس خطة التهجير التي أعلنها ترامب، على نحوٍ ضمنيٍّ، اعتقاده بأنّ الفلسطينيين ليسوا شعبًا، ولا قوميةً، لذا يمكن ترحيلهم إلى أقاصي الأرض. وتنكر الخطة حقّ الفلسطينيين في أرضهم، وحقّهم في تقرير مصيرهم. ينطلق ترامب من المنطق الاستعماري الصهيونية نفسه، أيّ لا يقيم وزنًا للجغرافيا الوطنية الخاصة بالشعب الواقع تحت الاستعمار، ويتبنى تهجير الشعوب الأصلانية من أوطانها، وسلبها حقّها في تقرير المصير، كذلك يجسّد عقلية تتجاهل الحقوق التاريخية لأصحاب الأرض.
ثالثاً، لفتت تقارير إسرائيليةٌ متطابقةٌ إلى أن رئيس الدولة الأعظم في العالم قد منح عبر خطته، الداعية إلى تهجير سكان غزة، شرعيةً كاملةً لفكرة الترانسفير، باعتبارها مُكوّنًا مهمًّا في إيجاد تسويةٍ للقضية الفلسطينية، ومبدأً مقبولًا يمكن أن يتحوّل إلى خطةٍ عمليةٍ. كان الترانسفير، طوال الوقت، جزءًا عضويًا من مخططات الصهيونية، وكيانها السياسي، لكنه بدأ يفقد شرعيته شيئًا فشيئًا وظلّ منحصرًا في أوساط اليمين المتطرف. الآن بمجرّد أن أصدر وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أوامر إلى الجيش الإسرائيلي بالتحضير لـ"خطة خروج الفلسطينيين من قطاع غزّة"، والمستوحاة من مبادرة ترامب، أصبح الترانسفير بمنزلة سياسة حكومة نتنياهو.
رابعاً، تعدّ خطة ترامب تغييرًا في السياسة الأميركية بشأن كلّ ما يخصّ الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وقواعد اللعبة المتّبعة لحلّه ("حلّ الدولتين لشعبين"). فهي تتضمن لأول مرّةٍ اعترافًا بأن حلّ الدولتين لم يعد الحلّ الوحيد الممكن للصراع (وذلك بعكس خطة ترامب الأصلية، في إشارةٍ إلى "صفقة القرن")، وحتّى لو لم تُقدَّم الخطة بهذه الصفة، إلّا إنّها تنطوي على رسالةٍ فحواها أنّ على الفلسطينيين أن يدفعوا ثمن الحرب التي خسروها. كذلك فإنّ في مجرّد تضافُر أفكار ترامب مع الخطوات التي اتخذتها الولايات المتّحدة وإسرائيل ضدّ وكالة "الأونروا"، ما يدل على أن خطة ترامب غيّرت قواعد اللعبة ضدّ الفلسطينيين بطريقةٍ تضعف روايتهم.
خامساً، بالرغم مما تقدّم كلّه، يمكن ملاحظة أنّ هناك إدراكًا إسرائيليًا لحقيقة أنّه لا تزال تنقص خطة ترامب آلياتٍ واضحةً لتطبيقها عمليًا. كذلك هناك تساؤلاتٌ كثيرةٌ من دون إجاباتٍ إلى جهة ترجيح تنفيذ الخطة. والسؤال المركزي هو عمّا إذا كان العالم العربي والأسرة الدولية على استعدادٍ للدفع قدمًا بهذه الخطة والحلّ الذي تنطوي عليه لغزة، وإذا ما كان سكان غزّة أنفسهم يرون في هذا الحلّ فرصةً حقيقيةً لتحسين ظروف حياتهم، أو أنّهم سيستمرون في النظر إليه على أنّه محاولةٌ لإضعاف الهوية القومية الفلسطينية، وتقويض حقّ الفلسطينيين في تقرير المصير؟