مسار وقف إطلاق النار

10 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 13:24 (توقيت القدس)

فلسطينيون يحتفلون باتفاق وقف إطلاق النار في خان يونس جنوب قطاع غزة (9/10/2025 فرانس برس)

+ الخط -

استمع إلى المقال:

لا يزال الخبر غير قابل للتصديق. "اتفاق على وقف الحرب في قطاع غزّة". أربع وعشرون ساعة على هذا الإعلان لم تلغ الحذر مما قد تحمله الأيام المقبلة، خصوصاً مع مواظبة إسرائيل على خرق الاتفاق بقصفٍ هنا وغارةٍ هناك، والتدخّل في تقييد حركة الفلسطينيين في قطاع غزّة. ... لكن بعيداً عن هذا القلق أو "التشاؤل"، من حقّ من تبقى من أهل غزّة اليوم، ومجمل الفلسطينيين والعرب، أن يحتفلوا بنهاية المعاناة بعد عامين من حرب الإبادة التي شنّتها قوات الاحتلال. فرح ما كان ليحصل لولا مجموعة من العوامل الضاغطة على إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، والذي ليس راغباً، حتى اللحظة، في وقف العدوان، وكان يخطط لمزيد من الاحتلال والسيطرة الكاملة على القطاع.

لعل أول هذه العوامل تصاعد الغضب الدولي من المجازر التي ترتكبها إسرائيل في القطاع، وهو ما انعكس في خطابات الجمعية العامة للأمم المتحدة والمقاطعة الكبيرة لكلمة نتنياهو، والتي وصفتها وسائل الإعلام الإسرائيلية "بصقة في وجه إسرائيل"، وليس نتنياهو.

سبق ذلك تتابع الاعتراف الغربي بالدولة الفلسطينية، والذي جاء ردّاً على التعنّت الإسرائيلي في رفض وقف الحرب. ورغم أن لا ترجمة لهذا الاعتراف فعلياً على الأرض، يمثل انتصاراً سياسياً للقضية الفلسطينية، ويزيد العزلة الإسرائيلية عالمياً.

كانت هذه الحالة من العزلة حاضرة في اللقاء أخيراً بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي. وخلاله تم التداول أن ترامب أبلغ نتنياهو أن إسرائيل "لا تستطيع أن تحارب العالم وحدها". وعلى أساس هذا اللقاء، أو الحوار، أعلن نتنياهو موافقته على خطة ترامب لإنهاء الحرب في غزة، بعد إفراغها من التعديلات التي وضعتها الدول العربية على الخطة للقبول بها.

رغم ذلك، سارعت الدول العربية إلى الترحيب بالخطة، لقطع الطريق على ما كان يريده نتنياهو، وهو رمي الكرة في ملعب "حماس" والدول العربية، وترقب الرفض منهما. وبعد القبول العربي، بقي انتظار موقف "حماس"، والذي جاء مفاجئاً وخارج كل التوقعات، إذ كانت المؤشّرات، قبل ساعات من إصدار بيان الحركة، كانت تميل إلى أن "حماس" سترفض الخطة، لكن ما حصل فعلاً كان مختلفاً كلياً.

هنا يأتي المعطى الثاني، والمهم جداً في مسار التوصل إلى اتفاق. فأكثر المتفائلين لم يكن يتوقع أن تخرج "حماس" بهذا البيان، والذي يحمل الكثير من الدهاء السياسي، إذ إنها قدمت للرئيس الأميركي دونالد ترامب كل ما يريد أن يسمعه، سواء لجهة الموافقة على تسليم الأسرى لديها أو الاستعداد للتخلّي عن حكم القطاع، لتنقل الكرة مرة أخرى إلى ملعب نتنياهو، ولينقلب السحر على الساحر. وحصلت "حماس" فعلاً على ما أرادت خلال أقل من ساعة من صدور البيان، ليخرج ترامب معلناً الترحيب بموقف الحركة، معتبراً أنه طريق إلى السلام، بعدما كان قبل ساعة يرغي ويزبد ويهدد بفتح أبواب الجحيم على "حماس". موقف ترامب وضع نتنياهو في مأزق، وهو الذي حاول التواصل مع الإدارة الأميركية قبل إطلاق موقف من بيان "حماس" غير أنه لم يلق من مجيب، ومن ثم لم يعد أمامه إلا السير على هدي الخطة الأميركية.

هذا المسار من التحولات والمعطيات أوصل اليوم إلى اتفاق وقف إطلاق النار، من دون أن يكون ضامناً لإنهاء الحرب، خصوصاً أن فخاخاً كثيرة لا تزال في طريق التطبيق، فالمرحلة الأولى من الاتفاق قد تكون الأسهل، قبل الانتقال إلى المرحلة الأعقد الخاصة بـ"إلقاء" حركة حماس السلاح أو تشكيل الهيئة التي ستكون مسؤولة عن إدارة قطاع غزّة، مع الأخذ في الاعتبار أن نتنياهو وحكومته اليمينية لن يوفّرا ذريعة، مهما صغرت، لإسقاط الاتفاق واستئناف العدوان.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".