عن خريطة مؤتمر الحوار الوطني في سورية

23 فبراير 2025

اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني السوري في جلسة حوارية في ‏حماة (18/2/2025 موقع سانا)

+ الخط -

الحوار آلية أساسية من آليات حل النزاعات في المجتمعات المنقسمة (Divided Societies)، أي المجتمعات التي تمتلك خطوط صراع طائفي أو عرقي أو إثني أو سياسي، كما هو الحال في سورية، حيث هناك نزاع، فاعلاً كان أم خامداً بين الطوائف أو بين الإثنيات (في مقدّمتهم الكرد) والقوى السياسية المختلفة. ولذلك يلعب الحوار بوصفه آلية سياسية – اجتماعية دوراً محورياً في نزع فتيل هذه الصراعات الخامدة، ويمنعها من التحوّل إلى صراعات علنية، مسلحة كانت أم تهديداً سياسياً عبر التظاهرات في الشارع، مع خطورة هذا الشكل من الاحتجاجات التي من شأنها أن تقود إلى انقسامات اجتماعية أكثر حدّة، ثم تأخذ أشكالاً أكثر عنفاً وراديكالية، مثل حمل السلاح ضد الحكومة الشرعية التي يجب أن تحتكر العنف، ويكون لها، في الوقت نفسه، القدرة على استيعاب المكونات السياسية والاجتماعية المختلفة كي لا تدخل البلد في اضطرابات تعيق عملية الاستقرار وتؤخر عملية البناء السياسي والديمقراطي والتنموي.

... منذ اليوم الأول لتشكيلها، قوبلت اللجنة التحضيرية للحوار الوطني السوري بارتياح سياسي ومجتمعي كبير، ولعب الإعلام دوراً رئيسياً في حسن تلقي هذه اللجنة ودورها وأعضائها، فمن المهم التركيز على "وطنية" اللجنة ودورها، كي تكون قادرة على القيام بمهامها ودورها على أحسن وجه وتحقيق الغاية التي يهدف إليها مؤتمر الحوار. لذلك من المهم التركيز على الدور السياسي الوطني الذي تقوم به اللجنة، وليس البعد التقني فقط (يعني استلام قوائم الأسماء واقتراح أسماء الأعضاء)، فكما سبقت الإشارة، الدور السياسي لفكرة الحوار المنظم الذي تقوده الإدارة السورية الجديدة حالياً أهم بكثير من مجرّد عقد مؤتمر للحوار، فهذا الحوار يجب أن يكون حرّاً ومفتوحاً، يشارك فيه كل السوريين على اختلاف طوائفهم وعرقياتهم وميولهم السياسية والاجتماعية، وهو ما يحقق الهدف السياسي المنوط بالحوار، تخفيف الصراعات السياسية ونزع فتيل الخامد منها، في المرحلة الانتقالية، وإشعار السوريين بأن الإدارة السياسية الجديدة ترغب بالاستماع منهم جميعاً، وأنها تهتم بآرائهم، وتهمها مشاركتهم جميعا في المرحلة الانتقالية، بهدف مشاركة الكل السوري في تحقيق الاستقرار والتنمية. وهو ما يعني تثبيت شعار الرئيس الأميركي أبراهام لينكولن

shall have a new birth of freedom and that" government of the people, by the people, for the people، ويعني أن "الحكومة الجديدة تمثل ولادة حرّية جديدة لحكومة من الشعب، يشكلها الشعب، وتهدف إلى خدمة الشعب".

كلما طالت عملية الحوار المجتمعية، حققت الأهداف السياسية المنوطة بها

وتهدف عملية الحوار إلى أكبر مشاركة مجتمعية ممكنة، ولذلك يجب عدم اختصارها أو تقصيرها، فكلما طالت عملية الحوار المجتمعية، حققت الأهداف السياسية المنوطة بها. ولذلك يجب أن يستمر عمل اللجنة ثلاثة أشهر على الأقل، بهدف التأكد من شمول عملية الحوار السياسي والاجتماعي كل الجغرافيا السورية، وشمول كل الفئات العمرية السورية أيضاً، فكما يقال في مبدأ شمولية العملية الانتقالية أن

"The Process is More Important than the Result"، وتعني أن العملية أكثر أهمية من النتيجة ذاتها. والمقصود بهذا المبدأ التأسيس لفكرة الشمولية في المراحل الانتقالية، ما يعني أن شعور المشاركة في عملية الحوار يعطي نتائج سياسية أكثر أهمية من مخرجات العملية نفسها، وهي عقد مؤتمر الحوار.

كما يجب أن تحظى عملية الحوار بالدعم السياسي والإعلامي الكافي والضروري، من أجل تحقيق أهدافها السياسية، التي تخدم الإدارة السياسية الجديدة أكثر بكثير من الاستعجال بعقد المؤتمر بسرعة لتشيع انطباعاً سلبياً بأن "كل الأمور مطبوخة وجاهزة"، فيجب إعطاء عملية الحوار وقتها الضروري والكافي، من أجل تحقيق أهدافها السياسية المتمثلة في الرسالة التي تريد الإدارة الجديدة أن ترسلها إلى الشعب السوري، وهي أن فترة التجاهل والإهمال التي سادت خلال عقود الأسد انتهت، وظيفة الإدارة الجديدة الاستماع والمشاركة، وبذلك يتحقق هدف إطلاق عملية الحوار كلها. وفي الوقت نفسه، تساعد عملية الحوار في تقريب وجهات النظر السياسية المختلفة بين السوريين، ما يسهل التوافق بشأن القضايا السياسية الخلافية التي ستظهر فيما بعد، خاصة في مرحلة كتابة الدستور الدائم، والانتخابات المقبلة وهوية الدولة، وغيرها من ترتيبات المرحلة الانتقالية، فالحوار المبكّر في هذه القضايا يسهل عملية بناء التوافق السياسي، ويخفف من الاستقطاب الذي من شأنه أن يقود إلى نزاع سياسي وانقسامات مجتمعية تفتّت العملية الانتقالية وتدمّرها.

يجب أن تحظى عملية الحوار في سورية بالدعم السياسي والإعلامي الكافي والضروري من أجل تحقيق أهدافها السياسية

إلى ذلك، يجب ألا تكون هناك أية علاقة أبداً أو ربط بين عملية الحوار التي يمكن أن تستمر ثلاثة أشهر وتنتهي بعقد مؤتمر للحوار الوطني ومسار تشكيل المجلس التشريعي الذي تشكله لجنة تحضيرية لم يعلن عن أسماء أعضائها بعد، فهما مساران متوازيان، كما أعلن رئيس الجمهورية أحمد الشرع، في خطابه الثاني بعد خطاب النصر، عن تشكيل لجنتين، واحدة للتحضير لمؤتمر الحوار الوطني وأخرى لتشكيل الهيئة التشريعية المفترض أن يصدر عنها الإعلان الدستوري المؤقت، ولا يجب أن يصدُر هذا الإعلان عن مؤتمر الحوار الوطني، فدستورياً وقانونياً، من يصدر الإعلان الدستوري هي الجهة التشريعية، فهي المخوّلة بهذا، كي يملأ هذا الإعلان الفراغ الدستوري أولاً، وثانياً ليكتمل العمود الثاني في مؤسسات الدولة الحديثة، وهي السلطة التشريعية التي من واجباتها إصدار الإعلان الدستوري وإقراره، ثم أداء الرئيس السوري قسم الجمهورية أمامها، وتوضيح العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وإصدار قانون بتشكيل مجلس القضاء الأعلى، بحيث تستكمل السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، وهي الجهة المخوّلة أيضاً بالمصادقة على موازنة الدولة ومنح الثقة للحكومة الانتقالية المقبلة في الشهر المقبل (مارس/ آذار).

... المرور بخطوات التسلسل الانتقالي كما ذكرت أعلاه بالغ الأهمية، لضمان دستورانية العملية الانتقالية، وفي الوقت نفسه، ضمان سيرها في الخط السياسي الذي يمنحها الشرعية القانونية والداخلية والدولية، وفي الوقت نفسه، العبور بالخطوات نفسها التي ذكرها الرئيس الشرع. ولذلك إذا استمرّت عملية الحوار ثلاثة أشهر وانتهت بعقد مؤتمر الحوار الوطني في نهاية مايو/ أيار المقبل، فإن هذا المؤتمر سيقدّم توصيات للمجلس التشريعي الذي يُفترض تشكيله خلال هذه المدة، ويُصدر الإعلان الدستوري المؤقت. ولذلك يقدّم هذا المؤتمر توصياته إلى المجلس التشريعي الذي يدرسها بعناية، ويقرّ بعضها أو كلها وفقاً للنقاشات داخله ووفقا للمصلحة الوطنية العليا.