سورية الجديدة بين تركيا والعرب
![شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد](/sites/default/files/styles/small_1_1/public/2024-07/%D8%A8%D8%B4%D9%8A%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%83%D8%B1.jpeg?itok=OA6_0bUq)
علاقات تركيا بسورية الجديدة متميّزة، لأسباب كثيرة في رأسها أن أنقرة وقفت ضدّ النظام السوري منذ بداية الثورة السورية، وساندت الشعب السوري، ولم تتخلَّ عنه في أصعب الظروف، ولا يعني ذلك أن العرب لم يتحمّلوا مسؤولياتهم تجاه الشعب الشقيق، بل قدّموا مساعدات كثيرة، وساندت أغلب الدول العربية الثورة في بدايتها، ويحكم سلوكَ أغلبها اليوم حرصٌ على عدم تكرار التجارب العربية السابقة في ترك مصير بلد عربي بين أيدي أطراف أجنبية، وأن الفرصة سانحة أمام العرب من أجل مساعدة سورية، التي تعاني من انهيار شبه كامل للدولة، فهي بلا اقتصاد ولا جيش ولا أمن، وتحتاج إلى من يقف في جانبها من أجل إعادة بناء المؤسّسات من الصفر.
حتى اليوم، يبدو أن العديد من الدول العربية تجاوزت التحفّظات تجاه التحوّل في سورية، وباتت تتعامل على أساس أن ما حصل هو شأن داخلي يحظى بالتفاف الغالبية السورية، ولذلك يجب احترام خيارات الشعب السوري. وقد تردّد في إعلام بعض الدول العربية أن من أكثر إيجابيات إسقاط نظام بشّار الأسد أهميةً هو أنه أطاح النفوذ الإيراني، لكن لا أحد يؤيّد أن تنتقل سورية إلى النفوذ التركي، مع الفارق الكبير بين ما يمثّله حضور البلدَين من مخاطر على المنطقة ككل. وتبدو المرحلة أمام سؤالَي التنافس والتعاون بين تركيا والدول العربية في سورية. وحسب ما هو واضح من خطوات، فإن الاتجاه العام يسير نحو التعاون، وهذا ما بدا ملموساً من زيارات بعض المسؤولين العرب إلى أنقرة، كما هو حال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، وزيارات بعض المسؤولين الاتراك بعض الدول العربية، ومن ذلك زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أبوظبي.
وممّا يساعد على تقارب العرب مع تركيا أن العلاقات بين أنقرة والرياض وأبوظبي والقاهرة تحسّنت بشكل كبير في الأعوام الأخيرة، واتجهت من التصادم إلى التفاهم، وهناك مؤشّرات إلى تشكّل محور تركي قطري سعودي أردني منفتح على سورية، من أجل دعمها اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، الأمر الذي شجّع أوروبا على إيفاد وزيرَي خارجية فرنسا وألمانيا للقاء قائد الإدارة السياسية الجديدة أحمد الشرع، وتجري اتصالات عربية تركية دولية من أجل رفع العقوبات، ووضع تفاهمات تستهدف التعافي السريع، وإطلاق عمليات (وخدمات) إسعافية لحلّ مشكلة التيّار الكهربائي التي تعانيها سورية. وحسب التصريحات ستباشر كلّ من تركيا والأردن ذلك في القريب العاجل، بفضل عاملَي الجوار الجغرافي والبنية التحتية، المتمثّلة بسهولة ربط الشبكات بعضها ببعض.
ما يتردّد في التصريحات العربية (وغير العربية) أن هناك عقلانية سياسية ملحوظة في توجّه الحكم الجديد في دمشق، وما هو منشود منه يتمثّل في أمرَين. الأول البعد عن سياسات النظام البائد، التي قامت على ابتزاز الدول العربية والدخول في المحور الإيراني، الذي سيطر على القرار في أربع دولة عربية، وبات يُهدّد أمن الخليج العربي، وإلحاق ضرر من خلال تهريب الكبتاغون إلى دول الجوار وأوروبا. والأمر الثاني هو أن تثبت هيئة تحرير الشام أنها غادرت كلّياً ماضيها الأيديولوجي، وانسلخت عن تنظيم القاعدة، وأن ما تتّجه إليه هو علاقات مبنية على قواعد جديدة، تقوم على التعاون في المجالات السياسية والأمنية، لا تتدخّل في شؤون الدول الأخرى.
وما يبعث على طمأنينة الأطراف العربية والدولية، هو الإشارات إلى نموذج سوري جديد سوف يجري العمل له، قريب من النموذج التركي، القائم على الفصل بين الدولة والدين، وكسر الاستقطاب بين الإسلام والعلمانية، وهو نموذج مقبول، لأنه لا يفرض دولةً إسلاميةً، ومتصالح مع بقيّة الأديان.
![شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد](/sites/default/files/styles/small_1_1/public/2024-07/%D8%A8%D8%B4%D9%8A%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%83%D8%B1.jpeg?itok=OA6_0bUq)
![شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد](/sites/default/files/styles/small_1_1/public/2024-07/%D8%A8%D8%B4%D9%8A%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%83%D8%B1.jpeg?itok=OA6_0bUq)