العراق ومفاوضات مسقط

15 ابريل 2025

أخبار مفاوضات مسقط بين واشنطن وظهران في الصفحة الأولى لصحيفة إيرانية (12/4/2025 الأناضول)

+ الخط -

 جوٌّ من الترقّب والانتظار يسود الأجواء في العراق تجاه ما ستفضي إليه المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران في عُمان، فهاتان الدولتان صاحبتا التأثير الأكبر في العراق منذ أكثر من عقدَين. ولكن، لدى كلّ طرف في العراق حساباته الخاصّة، وقراءته المختلفة لمجريات جولة المفاوضات الأولى هذه، والتي ما زالت تمضي بهدوء حتى الساعة.
يتمنّى الجناح الموالي لإيران، من الطبقة السياسية العراقية وجمهورهم، أن تؤدّي هذه المفاوضات إلى مكاسبَ أكثر لإيران، وألا تضع إيران أذرعها العراقية على الطاولة للمساومة في سبيل الدفاع عن برنامجها النووي، خصوصاً أن الشواهد المتوفّرة من أحداث العام الماضي توحي بأن إيران تخلّت عن حلفائها العرب في المنطقة ممّن يندرجون في "محور المقاومة"، لصالح حماية "المصالح الوطنية الإيرانية العُليا"، فما الذي يمنع إيران من بيع حلفائها العراقيين لحماية مصالحها الآن؟
أمّا المعارضون لسياسة إيران في العراق فينقسمون الى قسمَين: الأول يتمنّى أن تفشل المفاوضات، وأن تضرب أميركا المقدرات العسكرية لإيران، لأنّ نجاح تسوية الخلاف بين إيران وأميركا، ولو في ملفّات جزئية، سيؤدّي الى تقوية إيران، وبالتالي إلى الزيادة المحتملة لنفوذها داخل العراق، خصوصاً أنّ أميركا الجالسة في الطرف الآخر من الطاولة، لا تمثّل مصالح العراق بالدرجة الأساس، وإنما مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة. ومن الوارد أن تترك العراق لإيران، إن هي كسبت من إيران شيئاً في مكان آخر. يرى القسم الثاني من المعارضين أن هذه المفاوضات تأتي في أعقاب تراجع دور إيران، وتردّي أوضاعها في أكثر من جانب، وأيّاً كانت نتائج المفاوضات، فشلاً أو نجاحاً، من الواضح أن إيران لن تعود إلى سابق عهدها في المنطقة. وهنا تأتي الفرصة التاريخية للطرف العراقي الباحث عن استقلال أكثرَ للعراق في دوامة المحاور في المنطقة، والذي يضع المصلحة الوطنية العُليا للعراق في مقدّمة أهدافه، كي يتحرّك ويجهز نفسه لـ"فراغ" قوّة يمكن أن يتشكّل في العراق، وبدلاً من أن يمتلئ هذا الفراغ بالفوضى والارتباك، يملأه الكيان المعنوي والمادّي لمؤسّسات الدولة العراقية.
ربّما كانت سياسة الاتكاء على القوى الأجنبية، الإقليمية أو الدولية، والاستفادة من اللعب على الحبلَين، ما بين أميركا وإيران، نافعةً في فترات سابقة، لكنّها ليست وصفةً صالحةً على الدوام. والعراق الذي يحتاج القدرات العسكرية الأميركية في مراقبة الحدود المشتركة مع سورية، ويحتاج الحماية الفيدرالية لأموال عائدات النفط، هو عراق ضعيف، ويعيش وضعاً لا تشاركه فيه أيّ دولة أخرى في المنطقة مثلاً، وبالتأكيد، يحتاج إلى مسافة أكبر من الابتعاد عن أميركا، بالقدر نفسه الذي نريد له أن يبتعد عن الحضن الإيراني السامّ.
شقّ الطريق ما بين هذين الطرفَين، وإعادة ضبط العلاقات وفق العرف الدولي السائد بين الدول وتخادمها في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة وغيرها، هو ما يجب أن يفكّر فيه الفاعل السياسي العراقي اليوم، لا أن يعوّل على "انتصار" إيران في المفاوضات مع أميركا، أو ضرب أميركا إيران وسحقها. فحتى لو جرى تدمير القدرات العسكرية الإيرانية، وضعفت إمكانات تأثيرها في المنطقة، فإن لم تتوفّر الإرادة السياسية داخل العراق للتحرّر من إيران، فإن هذا المطلب لن يتحقّق.
كما أن لأذرع إيران السياسية والعسكرية في العراق كيانها الخاصّ الممتدّ (والمتغلغل) في مؤسّسات الدولة كلّها، ومشكلة العراقيين مع هذه الأذرع ليس في أنها متّصلة بإيران تحديداً، فهي لا تتلقّى تمويلاً من إيران، ويمكن لها أن تقطع صلتها تماماً مع إيران، ومع ذلك تبقى مشكلة وجودها الموازي لكيان الدولة قائمة.
المشكلة هي في غياب الإرادة السياسية لمواجهة هذا الوجود المختلّ وغير الطبيعي، إن كانت له صلة بإيران أو بموزمبيق أو يتغذّى من عوامل داخلية لا علاقة لها بأيّ قوّة خارجية.