الشرع في الإليزيه
الرئيس السوري أحمد الشرع في باريس (7/5/2025 فرانس بر س)
من قصر الأليزيه، تحدّث أحمد الشرع، بعد أن صار الرئيس السوري أحمد الشرع، عن مفاوضات مع الكيان الصهيوني تدور عبر وسطاء من أجل وقف التدخّلات الإسرائيلية في الشأن الداخلي السوري، وسئُل كذلك عما جرى في الساحل السوري من مجازر بحقّ مواطنين (كان السؤالان من مراسلة التلفزيون العربي) فردّ بأنه شُكّلت لجان تحقيق.
لم يتوقّف جمهور الشرع عند كارثية الإعلان عن التفاوض مع العدو الذي كان أول من احتفل بسقوط بشّار الأسد، الطاغية القاتل مرتكب الجرائم ضدّ الإنسانية، قل ما شئت فيه، لكن لا تنسى أن الصهاينة لا يكفّون عن ادّعاء أنهم أطاحوا بشّار، الصهاينة الذين وسّعوا احتلالهم الأراضي السورية في زخم الاحتفالات بصعود الشرع/ سقوط بشار. لم يصدم أحد من وصف رئيس سورية الجديد العدوان العسكري لاحتلال مزيد من الأرض وقصف قصر الرئيس بأنه مجرّد تدخّل في الشؤون السورية، ولم ينزعج أحدٌ من اقتراب دخول دمشق نادي التطبيع وأرضها محتلّة، إذ تبدأ المسألة عادة باتصالات سرّية، ثمّ سرعان ما تصير علنيةً، عبر وسطاء، ثمّ تتطوّر إلى اللقاءات المباشرة.
انزعج جمهور الشرع وأرعد وأبرق وأرغى وأزبد منتفضاً ضدّ مراسلة التلفزيون العربي، وسبّها وسبّ المؤسّسة التي تعمل بها لأنها استخدمت تعبير"مجزرة" في وصف مقتلةٍ أسفرت عن جريان الدم السوري بالسلاح السوري في اشتباكاتٍ طائفيةٍ مجنونةٍ في منطقة الساحل، التي يواجه أهلها اتهاماتٍ من مؤيّدي الرئيس الجديد بأنهم فلول النظام السابق، ويتحمّلون المسؤولية عن سقوط هذا العدد كلّه من الضحايا.
مثير للدهشة والأسى أن يحاول أحد اختراع وصفٍ آخر غير المجزرة أو المذبحة لإزهاق أرواح عدّة مئات من البشر، قتلاً على الهُويَّة، مهما كانت الأسباب التي أدّت إلى سقوط هذا العدد من الضحايا، فإذا لم تكن هذه مجزرة، فليتفضل رافضو التسمية أن يقدّموا وصفاً آخر لما جرى، يحترم العقل ويتوخّى الإنصاف والعدل، ويتحدّث عن الوقائع كما جرت.
فكرة استخدام فزّاعة الحنين للنظام الساقط في وجه كلّ من يأسى على وقوف الحكومة السورية الحالية عاجزةً أمام الاعتداءات الإسرائيلية المُهينة، ثمّ ذهابها في اتجاه التطبيع، وكذلك في كل وجه من يعبّر عن حزنٍ أو غضبٍ من دوّامة القتل على الهُويَّة واعتبارها جريمةً، هي واحدةٌ من أسوأ الأفكار اللصيقة بتاريخ نشوء الاستبداد وتمدّده، حتى يستفحل وينسف القيم والمعاني كلّها، التي فجّرت ثورات شعبية تحوّلت مع الوقت ديكتاتوريةً جديدةً لا تختلف كثيراً عما ثارت عليه.
إن أحداً لا يتمنّى للتجربة السورية أن تتعثّر أو تفشل، غير أن النجاح لن يأتي بالسكوت عن الأخطاء أو التغاضي عن انتهاكاتٍ بحجّة رخاوة الأوضاع المستجدّة، والأخطر أن تسلّم ثورة نفسها لنظام رسمي عربي يستدرجها إلى كهوف التطبيع مع الاحتلال، وما يستتبعه ذلك من تطبيعٍ مع حزمة القيم التي تعتنقها هذه الأنظمة، وتعتبرها الضمانة الأولى للبقاء والاحتفاظ بالسلطة، وفي صدارة هذه القيم التحوّل إلى الاستبداد بحجّة حماية الوطن من الخطر الخارجي.
مرّة أخرى، ليس معنى أن سورية كانت مستباحةً من العدو الصهيوني في ظلّ حكم الطاغية المخلوع بشّار الأسد، أن يصبح إبداء القلق من استمرار الاستباحة ذاتها في ظلّ الإدارة السورية الجديدة تربّصاً بهذه الإدارة، أو طعناً فيها، أو حنيناً لزمن الطاغية الهارب، على نحو ما تفعل مجموعات هستيريا الابتزاز والاستقطاب التي كانت المسمار الأول في نعش تجارب سابقة، ساهم في إفشالها مؤيّدوها بالقدر ذاته الذي فعله خصومها.
وبالقياس ذاته، ليس انحياز النظام الساقط لطائفة وقمعه باقي مكوّنات الشعب مبرّراً لتكرار القمع نفسه في الاتجاه العكسي، ذلك أن ما كان يحلم به محبّو سورية هو القطيعة مع إرث نظام أذاق شعبها الويلات، غير أن هذه القطيعة لا ينبغي أن تمتدّ لتشمل التغيير في التعاطي مع العدو التاريخي لسورية، سواء سورية الأسد أو سورية الشرع.