الحرب على "داعش" في الصومال... الخلفيات والنتائج

دورية لقوات الأمن الصومالية في ولاية بونتلاند شمال شرقي الصومال (18/12/2016 فرانس برس)
تخوض القوات المحلّية في ولاية بونتلاند، منذ نحو ثلاثة أسابيع، حرباً ضروساً ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في معقله الرئيس في سلسلة جبال علي مسكاد شمال شرقي الصومال، وتمتدّ تلك المناطق الجبلية 40 كيلومتراً في إقليم بري (أكبر إقليم في الصومال)، وهي منطقة جغرافية صعبة من حيث التضاريس ووعورة الطرق وكثرة المنحدرات الجبلية، وهي أشبه بجبال توربورا، التي احتمى بها تنظيم القاعدة في بداية الحرب على الإرهاب في مطلع الألفية الجديدة، وتستمرّ هذه المعارك ضدّ التنظيم من دون وجود غطاء عسكري جوي من التحالف الدولي في مكافحة التنظيمات الإرهابية، ولا سيّما الولايات المتحدة، التي حذّر مسؤولوها أخيراً من مخاوف من تصاعد قوة "داعش" (فرع الصومال)، واحتمالات تمدّد نفوذه ومخاطره الأمنية إلى بقية دول القرن الأفريقي، ما يضع أمن (وسلامة) قواعد أجنبية عديدة في المنطقة تحت تهديداته، ويحوّلها بنكَ أهدافٍ لتنظيم داعش بنسخته الصومالية.
النشأة والصعود المفاجئ
تأسس تنظيم داعش (فرع الصومال) بيد القيادي المنشقّ عن حركة الشباب الموالية للقاعدة، عبد القادر مؤمن (بريطاني من أصول صومالية)، في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، معلناً ولاءه لتنظيم الدولة الإسلامية، مع نفر من مقاتلي الحركة لا يزيد عددهم عن 30 مسلحاً، في خطوة حملت نواة تشكُّل تنظيم جهادي مسلّح جديد في الصومال. يعدّ هذا الإعلان أوّل خطوة من نوعها، منذ تردّد في الأوساط الإعلامية، في بداية العام 2016، اعتزام الحركة إعلان بيعتها لتنظيم داعش، على غرار ما قامت به "بوكو حرام" النيجيرية، إلا أن القيادة العليا للحركة كما يبدو، بقيت مصمّمةً على بقائها في عباءة تنظيم القاعدة، الذي أعلنت الولاء له عام 2012.
تحاول القوات الأمنية فرض حصار على مداخل جبال علي مسكاد، حيث المقر العسكري والإداري لـ"داعش"
وهكذا، خرج "داعش الصومال" من رحم حركة الشباب، وحقّق استقطاباً ونفوذاً واسعاً في بيئة جغرافية صعبة لا يمكن الوصول إليها بسهولة1.
ولعبت عدة عوامل في تنامي قوة هذا التنظيم، من أهمها: تصاعد وتيرة الانشقاقات الداخلية التي برزت في البداية أزمةً عابرةً في جسد حركة الشباب، إلا أنها تحوّلت تصفيات ميدانية أدّت إلى تآكل دور حركة الشباب العسكري والميداني في المنطقة، إلى جانب العامل القبلي، الذي ساعد أنصار التنظيم اللجوء إلى هذه المنطقة الجبلية التي تقطنها قبيلة زعيم التنظيم عبد القادر مؤمن، ما وفَّر له قبولاً من عشيرته، وحديقةً خلفيةً له لمواجهة مسلّحي حركة الشباب والقوات المحلّية في بونتلاند، كما أن هيمنة التنظيم في مناطق ساحلية ساهمت في جهود استقطاب مقاتلين أجانب، خاصّة بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل عام 2017، وتراجع نفوذه في سورية، وأظهرت صور عرضتها القوات المحلّية في بونتلاند جثث مسلّحين أجانب ينتمون إلى التنظيم، سقطوا في العمليات القتالية أخيراً2.
ومنذ نحو تسع سنوات، كان التنظيم في الصومال يكافح من أجل إيجاد مصادر تمويل محلّية، وتمكّن من فرض الأتاوات وجمع الضرائب من التجار في عموم الصومال، تحت تهديد السلاح، ونفّذ هجمات بالقنابل وبأسلحة نارية ضدّ رافضي دفع الأتاوات، ما بثَّ الرعب في أوساط التجار في ولاية بونتلاند، الأمر الذي أدى إلى نمو إيرادات "داعش" الصومالي من حوالي 70 ألف دولار شهرياً في عام 2018، إلى 2.5 مليون دولار عام 2021، وأكثر من مليونَي دولار في النصف الأول من عام 2022. وبحسب تقرير صادر من فريق المراقبة الأممي في فبراير/ شباط 2023، كان مكتب الكرار للتنسيق الإقليمي لتنظيم الدولة في أفريقيا، الذي يتّخذ الصومال مقرّاً له، يُرسل أموالاً إلى "ولاية خراسان" الإسلامية في أفغانستان، بقيمة 25 ألف دولار شهرياً بالعملة المشفّرة.
عملياتياً، انحصر نطاق تنفيذ هجماته الأمنية ضدّ الأجهزة الأمنية الصومالية في مناطق محدودة، نتيجة عدم وجود أتباع له في الجنوب الصومالي، بالإضافة إلى محدودية العنصر البشري للتنظيم. ويشكّل الأجانب رقماً لا يُستهان به إن لم يكونوا الأكثرية، إذ لا يتجاوز أعداد مقاتليه أكثر من 800 مقاتل، ما يحُدّ من قدراته في تنفيذ هجمات نوعية ومميتة ضدّ الجيش الصومالي والقوات المحلّية في بونتلاند، وكان الهجوم الذي نفذه 12 انتحارياً من عناصر التنظيم، الذين ينتمون إلى جنسيات أجنبية من المغرب واليمن والجزائر وتونس وإثيوبيا وتنزانيا، في ديسيمبر/ كانون الأول 2024، على مقرّ للقوات المحلّية في بونتلاند، هو الأول من نوعه منذ تأسيس هذا التنظيم، وأدَّى إلى مقتل عدة جنود حكوميين (20 جندياً)، وفُسر هذا الهجوم ردّاً استباقياً لوقف الحملة الأمنية التي أطلقتها ولاية بونتلاند أواخر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ضدّ التنظيم، بعد تزايد المخاوف من احتمالية تصاعد هجماته في الولاية، خاصّة مدينة بوصاصو التي تعدّ العصب الاقتصادي للولاية التي تأسست عام 1998.
الحرب على التنظيم: الأسباب والاستراتيجيا
مع دخول الحرب ضدّ تنظيم داعش في سلسلة جبال علي مسكاد أسبوعها الثالث على التوالي، أعلنت الإدارة المحلية في بونتلاند، في مطلع شهر فبراير/ شباط الجاري، تخريج دفعة جديدة من قوات النخبة الخاصّة، المدرّبة خصّيصاً لمكافحة الإرهاب، قوامها 500 مقاتل، وتلقّت مدّة أشهر تدريبات عالية في مكافحة الإرهاب والمشاركة في العمليات القتالية، لفرض الأمن والاستقرار على الإقليم، الذي شهد تراجعاً أمنياً منذ بروز التنظيم وتزايد نشاطه في الفترة الماضية3. وتأتي هذه الحرب المعلنة من ولاية بونتلاند ضدّ "داعش" الصومالي في سياق أسباب عدة، أبرزها:
1- احتواء خطر تنظيم داعش، الذي اتسعت رقعة وجوده في المناطق الصومالية الجبلية الشاسعة، خاصّة بعد أن تمكّن من إلحاق هزيمة بحركة الشباب الموالية لـ"القاعدة"، التي واجهت منذ عام 2023 ضغطاً عسكرياً من الحكومة الصومالية، واستعادت السيطرة على معظم البلدات والمدن الرئيسة في الأقاليم الوسطى من البلاد، ما أتاح للتنظيم فرصةً للانقضاض على عناصر حركة الشباب في إقليم بونتلاند، وتمكّنت من طرد مقاتلي الحركة من هذه المناطق المتنازع عليها بين التنظيمَين. كما أن تقرير مجموعة الأزمات الدولية سلّط الضوء على خطر تصاعد "داعش" في بونتلاند، ما دفع القيادات المحلّية إلى التفكير جدّياً لمواجهة التنظيم، والحدّ من نفوذه الآخذ في الاتساع طولاً وعرضاً.
2- توحيد الجبهة الداخلية في بونتلاند لمكافحة التنظيمات الإرهابية، وهي سياسة يبني عليها الرئيس الحالي لولاية بونتلاند، سعيد عبد الله دني، آمالاً كبيرة لرفع مكانته الشعبية في أوساط المجتمع، وتحويل الأنظار من الصراعات السياسية الداخلية إلى مكافحة داعش الصومالي، أمر من شأنه أن يكتسب تأييد القاعدة الشعبية في بونتلاند، واستقطاب العشائر في المنطقة، للاصطفاف وراءه في القضايا السياسية والأمنية.
3- فرض الأمن ومكافحة الإرهاب العابر للقارّات، المتمثّل في خلايا تنظيم الدولة، التي تنتقل كالرمال المتحرّكة من اليمن وشمال أفريقيا إلى وسطها وشرقها، هذا فضلاً عن عبور المئات من أفراده إلى القرن الأفريقي عبر سواحل الصومال المفتوحة، نتيجة غياب قوات خفر السواحل التي تكافح جرائم التهريب والهجرة غير الشرعية، ما كان يقلق السلطات المحلّية في بونتلاند، وأصدرت قراراً بشأن منع دخول الأجانب بصفة غير شرعية إلى أقاليم بونتلاند، كما حظرت التسوّل والأكشاك الصغيرة الجائلة غير المرخّصة، وذلك بعد اعتقال أجنبي من أصول عربية كان يملك كشكاً صغيراً، وينتمي إلى التنظيمات الإرهابية.
أعلنت قيادة القوات الأميركية في أفريقيا سقوط قتلى وجرحى من "داعش" بغارة جوية هي الأولى بفترة رئاسة ترامب الثانية
ووفقاً للسلطات المحلّية في بونتلاند، تنتشر القوات الأمنية بشكل واسع في المناطق الجبلية، بغية تعقّب فلول أتباع التنظيم؛ إذ يخلون مراكزهم العسكرية تدريجياً، وأعلنت الأجهزة الأمنية تجهيز وحدات جديدة للانضمام إلى الحملة العسكرية ضدّ التنظيم، لترجيح كفّة القتال لصالحها، وتبدو الحرب بين الجانبَين راهناً غير متكافئة، مع مسلّحي التنظيم الذين يجيدون حرب العصابات ومعارك الكرّ والفرّ والتموضع في الأدوية وشعاب الجبال، وعرضت القوات الأمنية استعدادها العسكري التامّ، سعياً إلى احتواء خطر التنظيم، وتحييد نفوذه في إقليم بري شمال شرقي الصومال.
وتحاول القوات الأمنية فرض حصار عسكري على مداخل جبال علي مسكاد، التي يتّخذ منها تنظيم داعش مقرّاً عسكرياً وإدارياً له، بهدف منع تسلّم المؤن، واستقبال مزيد من المقاتلين، ما يضع التنظيم أمام خطر حقيقي، ويؤدّي إلى عدم صموده طويلاً أمام المعارك الراهنة، التي يتوقّع أن تسفر عن خسائر بشرية ومادّية في صفوف الجانبَين.
نتائج الحرب المتوقّعة ومآلاتها
وفي سياق المعركة الطاحنة ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال، دخلت القوات الأميركية في خطّ المواجهات ضدّ "داعش"، ونفّذت ست ضربات جوية، استهدفت كهوفاً للتنظيم في المناطق الجبلية التي يتمركز فيها، وأعلنت قيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) سقوط قتلى وجرحى في صفوف التنظيم، من بينهم قيادي في قسم التخطيط والعمليات للتنظيم، من دون أن تفصح المزيد من التفاصيل حول طبيعة العملية، وجنسيات المستهدفين في الغارة الجوية الأميركية، التي تُعدّ الأولى في فترة رئاسة ترامب الثانية، في وسط توقّعات بأن يسحب البيت الأبيض القوات الأميركية من الصومال، التي يصل قوامها 700 جندي أميركي، وتشارك في العمليات القتالية ضدّ حركة الشباب الموالية للقاعدة في الجنوب الصومالي، منذ عام 42022.
وفي ميدان المواجهات العسكرية، أعلنت ولاية بونتلاند تحقيقها تقدّماً عسكرياً في غضون أسبوعين وكبّدت التنظيم خسائر في الأرواح والمعدّات، وأشارت تقارير صحافية إلى مصرع نحو 30 من مسلّحي التنظيم في المواجهات الماضية، بينما اعتقل أكثر من 300 مسلّح من حملة الجنسيات الأجنبية، وإلى تدمير عشرات المواقع التي كان يتمركز فيها التنظيم، هذا إلى جانب استمرار العمليات العسكرية ضدّه، التي تمثّل تحدّياً وجودياً للتنظيم، الذي لا يقدر على دخول معارك طويلة الأمد ضدّ القوات الأمنية، التي تجد دعماً شعبياً ومادّياً من المجتمع المحلّي5.
ويرجّح أن تنتهي مآلات الحملة العسكرية، التي سمّيت بـ"حملة البرق" في واحد من السيناريوهات التالية:
1- الحدّ من قدرات تنظيم الدولة الصومالي، وهو السيناريو الراجح من دون أن تقدر القوات المحلية على تحقيق نصر عسكري مطلق ضدّ التنظيم، الذي يتألف من نحو 800 مقاتل، يستطيعون المراوغة والتكيّف مع العمليات القتالية الشرسة، التي تستهدفه في هذه المرحلة، وهي معركة تُعدّ عند أتباع التنظيم اختباراً صعباً لمدى كفاءته وقدراته في الصمود والثبات في مواجهة الحكومة الفيدرالية، وولاية بونتلاند.
2- هزيمة "داعش" (فرع الصومال)، ويمكن أن يتحقّق هذا السيناريو إذا استمرّت العمليات القتالية ضدّ التنظيم فترة طويلة، ولم تنكسر إرادة وشوكة الإدارة المحلّية، التي تحاول حالياً اجتثات جذور التنظيم واحتوائه والتغلّب عليه نهائياً.
3- تراجع العمليات العسكرية، وعودة تموضع "داعش" من جديد، وهو السيناريو الأقل رجوحاً في هذه المرحلة، نظراً إلى الاستعداد العسكري للقوات المحلّية في بونتلاند، ومدى رغبة الرئيس المحلّي سعيد عبد الله دني لإنهاء نفوذ داعش والقضاء عليها نهائياً، لكن هذا السيناريو ممكن إذا بلغ اليأس مداه في صفوف قيادات الأجهزة الأمنية، في ما يتعلق بصعوبة القضاء على التنظيم نهائياً.
يمكن هزيمة "داعش" إذا لم تنكسر إرادة الإدارة المحلية في اجتثاث التنظيم
خاتمة
تشكّل "حملة البرق"، التي أطلقتها ولاية بونتلاند الفيدرالية، أوّل حملة عسكرية ضدّ تنظيم داعش في الصومال، أتت بنتائج إيجابية، وقضت على قدرات التنظيم في الصمود ومواجهة القوات المحلّية، التي تنتشر في جبال علي مسكاد، حيث يستولون على القرى والبلدات القريبة من هذه الجبال الشاسعة، التي كانت موطناً للمسلّحين المنتمين إلى "داعش"، وتُعدّ هذه المعركة استجابةً فعليةً للتحذيرات التي صدرت من مؤسّسات أمنية عالمية، ومن دول غربية، تحذّر من خطر صعود التنظيم، وإمكانية أن يتحوّل من قلق محلّي إلى إقليمي وعالمي، بعد استقطابه مزيداً من المقاتلين الأجانب وتحقيقه إيرادات مالية فاقت الملايين من الدولارات في غضون أعوام قليلة.
وتأتي هذه الحملة العسكرية ضدّ التنظيم في ظلّ استمرار العمليات القتالية ضدّ حركة الشباب في وسط البلاد، والتي يخوضها الجيش الصومالي ضدّ مسلحي الحركة، ما يجعل التنظيمات الإرهابية أمام مرحلة جديدة من التحدّيات الأمنية والمعارك الطاحنة التي تستهدف وجودها، وإذا تغلّب الصومال على المعضلة الأمنية المتمثلة في تلك التنظيمات، فإنه سيتمكّن من تذليل باقي الصعوبات السياسية، وحلّ الخلافات المتعلّقة بالانتخابات وتوزيع الثروات ولجم فوّهات الرصاص بين العشائر الصومالية.
المراجع والمصادر
(1) تنظيم داعش في الصومال: التوسع والقدرات، بوابة الحركات الإسلامية، 23 ديسيمبر/ كانون الأول 2024: https://bit.ly/3Q0nsws
(2) تحولات التيارات الإسلامية الصومالية: المشاركة في الدولة ومناهضتها، مركز الجزيرة للدراسات، 27 أكتوبر/تشرين الأول 2024: https://bit.ly/42Dtf2B
(3) Puntland Commandos Deployed for Decisive 500 Showdown Against ISIS, thesomalidigest, January 30, 2025: https://bit.ly/4aGy8tI
(4) U.S. Forces Conduct Strike Targeting ISIS-Somalia, Africom, Feb 01, 2025: https://bit.ly/40F5ynR
(5) PUNTLAND oo howlgal kusoo qabatay 300 oo ajaaniib ah, Caasimadda, January 29, 2025: https://bit.ly/3WL2lSF

