أحداث العنف الطائفي في ريفي دمشق والسويداء وتداعياتها على مستقبل سورية

07 مايو 2025

حاجز لفصيل مسلح عند مدخل بلدة صحنايا في ريف دمشق (1/5/2025 Getty)

+ الخط -

شهدت بلدات جرمانا وصحنايا وأشرفية صحنايا في ريف دمشق، أواخر إبريل/ نيسان 2025، صدامات ذات طابع طائفي أسفرت عن عشرات القتلى والجرحى من المدنيين والمسلحين المحليين وقوات الأمن العام. وقد امتدّت الصدامات من أطراف العاصمة إلى ريف محافظة السويداء التي تقطنها أيضاً غالبية من الطائفة الدرزية، على نحو هدّد باشتعال نذر مواجهات أوسع خاصة مع التدخّل الإسرائيلي، بذريعة حماية الطائفة الدرزية من مذابح طائفية. وتعدّ هذه ثاني أعنف مواجهات تشهدها البلاد منذ سقوط نظام بشّار الأسد، في ديسمبر/ كانون الأول 2024، بعد أحداث الساحل الطائفية التي وقعت مطلع مارس/ آذار 2025. وانتهت المواجهات الماضية باستعادة قوات الأمن السيطرة على بلدات ريف دمشق الثلاث، بعد التوصل إلى اتفاق يقضي بتسليم الأسلحة التي كانت بحوزة المجموعات المحلية، بينما تمسكت المجموعات المسلحة في السويداء بسلاحها، رغم التوصّل إلى اتفاقٍ مع الحكومة المركزية يقضي بأن يتولّى أبناء المحافظة مسؤولية حفظ الأمن فيها بعد أن يندمجوا في صفوف قوات الأمن العام.

خلفية الأحداث

تعود شرارة التوترات الأمنية التي شهدتها مناطق الأغلبية الدرزية في ريف دمشق، أواخر إبريل 2025، إلى تسجيل صوتي منسوبٍ إلى أحد رجال الدين من الطائفة الدرزية، تضمّن عبارات مسيئة للنبيّ محمد، ما أثار موجة غضب واسعة، تزامنت مع موجة من التحريض على منصات وسائط التواصل الاجتماعي. ورغم أن الشيخ الذي نُسب إليه التسجيل نفى أيّ علاقة له بالمقطع الصوتي، واعتُبر الأمر مفبركاً، واستنكر عدد من شيوخ الطائفة الدرزية محتواه، ولم يتوافر أيّ دليل على هوية صاحبه، فإنّ هذه المواقف لم تُفلح في احتواء الغضب والتجييش الطائفي ضد الدروز عموماً، ما أدّى إلى صدامات، خصوصاً في المناطق ذات التركيبة السكانية المختلطة طائفيّاً.

تمثل حالة العنف الطائفي بسورية تحدّياً يهدد استقرار الدولة ووحدتها

بدأت التوترات في المدينة الجامعية في حمص، التي شهدت حالةً من الاحتقان الطائفي على خلفية المقطع الصوتي المذكور، تطوّرت إلى اشتباكات بالأيدي بين الطلاب، ما أدّى إلى إجلاء الطلاب الدروز من المدينة. وانتقلت سريعاً إلى السويداء، داخل أحياء البدو خاصة، وأطراف دمشق. وبدأ التصعيد الأمني الأبرز من مدينة جرمانا، الواقعة على طريق المطار إلى الشرق من مدينة دمشق، مساء 28 إبريل 2025، حيث اندلعت اشتباكات في عدة مواقع، بعد أن هاجمت عناصر مسلّحة المدينة، واشتبكت مع مجموعات محلية داخلها. فتدخّل جهاز الأمن العام التابع لوزارة الداخلية، واندلعت مواجهات مباشرة أسفرت، في حصيلةٍ أولية، عن مقتل 14 شخصاً. وامتد نطاق التوتر إلى بلدات صحنايا وأشرفية صحنايا في ريف دمشق الغربي، حيث شنّت مجموعات مسلّحة (وصفتها وزارة الداخلية بأنها "خارجة عن القانون") هجمات استهدفت مواقع أمنية ومقارّ لقوى الأمن الداخلي، ما يشير إلى انزلاق الاحتقان الطائفي إلى مواجهة مفتوحة. بناءً عليه، دفعت الوزارة بتعزيزات أمنية وعسكرية، وفرضت طوقًا أمنيّاً حول محاور الاشتباك، وأغلقت الطرق المؤدية إلى المناطق المتأثرة، في محاولة منها لتستعيد سيطرتها على المنطقة وتلاحق المتورّطين في أعمال العنف. وامتدت الاشتباكات إلى ريف محافظة السويداء الغربي، حيث سقط عشرات القتلى والجرحى في أجواء مشابهة لما حصل في ريف دمشق. وكانت السويداء التي انتفضت على سلطة الأسد منذ سبتمبر/ أيلول 2023، رفضت بعد سقوط نظامه، في ديسمبر 2024، دخول قوات الأمن العام التابعة للإدارة السوريّة الجديدة إليها، ولم تسلّم الفصائل المسلحة فيها سلاحها، وعارض أحد مشايخها، حكمت الهجري، الاعتراف بالسلطة الجديدة في دمشق، وأفادت معلومات أنّ المجلس العسكري في السويداء طلب الحماية من إسرائيل.

احتواء الأزمة

أسفرت مساعي السلطات السورية بالتنسيق مع وجهاء محليين وقيادات دينية درزية عن التوصل إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار في كل من جرمانا وصحنايا وأشرفية صحنايا، نصّ على أن يسلَّم السلاح الثقيل فوراً، أما السلاح الفردي غير المرخّص فيسلَّم خلال مهلة محددة، وأنّ حيازة السلاح تكون حصريّاً بيد مؤسّسات الدولة الرسمية، وعلى أن يزيد انتشار قوات الأمن العام داخل المدينة بهدف ترسيخ الاستقرار وضمان عودة الحياة الطبيعية. ويذكر نص الاتفاق أنّ من يحتفظ بأيّ نوع من الأسلحة بعد انتهاء المهلة سيُعدّ خارجاً عن القانون.

وعقدت الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز، في السويداء، ووجهاء من المحافظة وممثلين عن الفصائل العسكرية، اجتماعًا جرى الاتفاق فيه على توجيه مطالبهم إلى الحكومة في دمشق، وتتمثّل في:

(1): تفعيل قوى الأمن الداخلي (الشرطة) من أفراد سلك الأمن الداخلي سابقًا، وتفعيل الضابطة العدلية من كوادر أبناء محافظة السويداء حصرًا، وعلى الفور.

(2): رفع الحصار عن مناطق السويداء، جرمانا، صحنايا، وأشرفية صحنايا، وإعادة الحياة إلى طبيعتها فورًا.

تستغل إسرائيل التوتر الطائفي الذي تشهده سورية لتعيد رسم المشهد في الجنوب السوري

(3): تأمين طريق دمشق – السويداء وضمان سلامته وأمنه، تحت مسؤولية السلطة، وعلى الفور.

(4): وقف إطلاق النار في جميع المناطق. وقد وافقت الإدارة السورية في دمشق على بنود المبادرة التي توصلت إليها قيادات المحافظة؛ آملةً في احتواء التصعيد وإنهاء الأزمة.

تداعيات الاحتقان الطائفي ومخاطره

مثّلت الصدامات الطائفية التي شملت المناطق ذات الأغلبية الدرزية في محيط دمشق والسويداء، استمراراً للعنف الطائفي الذي بات يتنقّل، منذ سقوط النظام، من منطقة سوريّة إلى أخرى، وغدا يشكّل تهديداً حقيقيّاً لوحدة البلاد الترابية والمجتمعية، فحتى الحوادث البسيطة يمكن أن تؤدّي إلى مواجهات طائفية واسعة تشمل محافظات بأكملها. ويتفاقم هذا الوضع؛ بسبب انتشار السلاح بين الأفراد والجماعات المحلية، في غياب موقف واضح وحاسم من السلطة تجاه التجييش الطائفي والخطاب الديني المذهبي الذي يُستخدم غطاءً له. أضف إلى ذلك أن السلطة لم تتمكن من ضبط الفصائل المسلحة التي تتصرف باسمها أو ترتبط بها. ورغم أنّ أعمال عنفٍ طائفي جرت على نطاق واسع في منطقة الساحل السوري في مارس 2025، وسقط فيها أكثر من 1700 بين قوات الأمن والمدنيين، وفقًا للتحديث الأخير الذي أجرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان، من بينهم أطفال ونساء، في أعمالٍ انتقامية قامت بها جماعات محسوبة على السلطة وصفتها الحكومة بأنها منفلتة، ردّاً على هجمات مجموعات لها ارتباط بالنظام السابق، فإنّ الصدامات الطائفية الأخيرة تزداد تعقيداً وخطورة، بعد أن تدخّلت إسرائيل؛ بدافع الرغبة في الهيمنة على الجنوب السوري وتحويله إلى منطقة نفوذ إسرائيلي، موظّفةً الامتداد المذهبي الدرزي بين جنوب سورية وشمال فلسطين.

ينبغي أن يستعيد السوريون الثقة بقدرة حكومتهم على حمايتهم، وأن تمثلهم جميعاً من دون أن تنحاز إلى تيّار سياسي أو مذهبي معيّن

وتستغل إسرائيل التوتر الطائفي الذي تشهده سورية لتعيد رسم المشهد في الجنوب السوري، حيث تفرض نوعًا من الحظر على دخول قوات الحكومة السورية إلى المنطقة، وتسعى بذلك إلى تحقيق هدفها المتمثل بتفتيت سورية إلى كانتونات طائفية، وهو سيناريو ربما تتجاوز تداعياته الحدود السورية لتشمل كل منطقة المشرق العربي، وبصورة خاصة لبنان والأردن. وفي هذا السياق، تقدّم إسرائيل نفسها باعتبارها حاميةً للطائفة الدرزية، وتحاول أن تستميلها، بوساطة مغريات مالية، وتقديم خدمات البنية التحتية والصحة، التي تعجز الحكومة السورية عن تقديمها في الظرف الراهن. وفي ترجمةٍ عملية لهذه السياسات، نفّذ سلاح الجوّ الإسرائيلي غارات استهدفت محيط بلدة صحنايا في ريف دمشق، تزامنت مع تحليقٍ مكثّفٍ للطيران الحربي في الأجواء السوريّة، وقد سبق هذه الغارات قصفٌ بطائرات مسيّرة استهدف موقعًا لقوات الأمن السورية على أطراف المدينة، زعمت إسرائيل إنّ عناصره كانوا يخططون لشنّ هجمات ضد السكان الدروز، وأسفرت الغارات عن مقتل عنصر أمني وإصابة عدد من الأفراد. وقد ربط الجيش الإسرائيلي هذه العمليات بتطورات الوضع الداخلي في سورية، حيث صرّح الناطق باسمه إنّ رئيس هيئة الأركان أصدر تعليماتٍ تقضي باستهداف مواقع تابعة للحكومة السورية، في حال استمرار ما وصفها بـ "أعمال العنف ضد أبناء الطائفة الدرزية". وأصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن يسرائيل كاتس، بياناً مشتركاً جاء فيه أنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي نفّذ "عملية تحذيرية" استهدفت مجموعةً زعم إنها كانت تستعدّ لمهاجمة الدروز السوريين في أشرفية صحنايا، وأنّ ذلك يعدّ بمنزلة رسالة إلى حكومة دمشق لمنع أيّ أذىً ربما يلحق بالدروز. ولم يقتصر التدخّل الإسرائيلي على هذه الغارات، بل تصاعد إلى قصف جوي واسع، في إطار محاولات توظيف الاشتباكات لفرض الهيمنة على الجنوب السوري، وقد بلغت الاعتداءات مرحلةً غير مسبوقة تمثلت بتنفيذ غارات استهدفت محيط القصر الرئاسي في دمشق، إلى جانب مناطق سوريّة أخرى.

خاتمة

أصبحت حالة العنف الطائفي المتفاقم في سورية تمثّل تحدّيّاً كبيراً يهدّد استقرار الدولة ووحدة البلاد وقدرتها على التعافي من أزمتها الداخلية المستمرة منذ 14 عاماً. هذه مسألة وطنية وجودية تتطلب معالجة جذرية؛ إذ إنّ اتفاقيات التهدئة المحلية المرحلية في هذه المنطقة أو تلك لا تعدّ حلًّا ناجعًا، فالوضع يحتاج إلى حلّ شامل يقطع الطريق على مشاريع تقسيم البلاد التي تقودها إسرائيل، ويواجه التدخّل في شؤونها الداخلية بذريعة حماية الأقليات، التي عبّرت عنها مواقف بعض الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي تضع حماية الأقليات شرطاً رئيساً لرفع العقوبات عن سورية.

ما زالت الإدارة السورية الجديدة عاجزة عن التعامل مع جذور المشكلة الطائفية وتراها بعض الأوساط القريبة منها أمراً طبيعيّاً. وتتحمل هذه الإدارة مسؤولية رئيسة في رأب الشروخ بين فئات المجتمع السوري. ويتطلب هذا الأمر أن يستعيد السوريون الثقة بقدرة حكومتهم على حمايتهم، وأن تمثّلهم جميعاً من دون أن تنحاز إلى تيار سياسي أو مذهبي معيّن. ولتحقيق ذلك، على الحكومة أن تتّخذ خطوات إضافية مهمّة، في مقدمتها إشراك كلّ فئات المجتمع السوري في العملية السياسية، وتفعيل المادة السابعة من نص الإعلان الدستوري التي تحظر "إثارة النعرات والتحريض على العنف" من خلال تجريم التجييش المذهبي والطائفي العلني في سورية، خصوصاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومنع قوات الأمن من التمييز بين المواطنين بناءً على انتمائهم الطائفي، والتعامل مع جميع السوريين باعتبارهم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، بغضّ النظر عن انتماءاتهم الطائفية والدينية والإثنية، أضف إلى ذلك المبادرة إلى إطلاق مسارٍ للعدالة الانتقالية يضمن محاسبة المجرمين ويحدّ من عمليات الانتقام خارج إطار القانون. بهذه الإجراءات، يمكن أن تنهض سورية وتخرُج من أزمتها الراهنة، وتفوّت على إسرائيل فرصة تنفيذ مخطّطاتها التي تهدف إلى تفكيك البلاد وتحويلها إلى كانتونات طائفية متناحرة.