تجنيد الأطفال في السويد... شبكات إجرامية تستهدف أبناء المهاجرين والفقراء

27 يناير 2025
تستقطب العصابات الأطفال الخارجين من دور الرعاية (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تستغل العصابات الإجرامية في السويد الأطفال من خلفيات مهاجرة ومناطق مهمشة، مستغلة الفقر والتمييز، مما يسهل انخراطهم في أنشطة إجرامية مثل نقل الأسلحة والمخدرات.
- يروي حكمت عزيز قصة ابنه الذي تورط مع عصابة إجرامية، مما يعكس تأثير الضغوط الاجتماعية والاقتصادية على الشباب والعائلات، ويزيد من شعورهم بالعجز واللوم الذاتي.
- تقرير الشرطة السويدية يبرز فشل الدولة في مواجهة تجنيد الأطفال، داعيًا لتعاون مجتمعي يشمل الخدمات الاجتماعية والمدارس لمواجهة هذه الظاهرة.

تجنّد شبكات إجرامية سويدية أطفال المهاجرين والفقراء ومن سبق إيداعهم في بيوت الرعاية، وهؤلاء يقطنون في مناطق مهمّشة، ويفتقرون إلى الشعور بالمواطنة، ما يسهل استقطابهم وتوريطهم تدريجياً في أعمال العصابات مقابل المال.

- يتحسر السويدي من أصل سوري، حكمت عزيز، على الحال التي آل إليها ابنه الذي تحول إلى عضو في شبكة جرمية محلية تتبع عصابة "فوكستروت" Foxtrot nätverket، والتي تسعى للسيطرة على سوق المخدرات والجريمة في المملكة، وبسبب تورط نجل عزيز في أنشطة الشبكة، قضت محكمة مقاطعة أتوندا في سولنتونا شمال استكهولم، العام الماضي، بحبسه 5 أعوام بتهمة المشاركة في التحضير لأعمال عنف ونقل مواد متفجرة، بحسب ملف القضية Mål: B1860-23 والتي اطلع عليها "العربي الجديد".

"آخر ما كان يمكن أن يخطر في البال، أن يكون نجلي جزءاً من شبكة جرمية ومنخرطاً بحروبها مع العصابات الأخرى، وعلى رأسها عصابة "دالين" Dalennätverket المتصارعة مع فوكستروت"، يقول عزيز وقد بدت على وجهه علامات الحسرة ولوم الذات، خاصة أنه لدى عودته وزوجته من رحلة إلى لبنان في خريف عام 2023 لاحظا تغيراً في سلوك ابنهم، والذي بدأ يتغيب عن المنزل بشكل متكرر، دون أن يردّ على الهاتف، وانحصر اهتمامه في مظهره الخارجي الذي أصبح غريباً، وكذلك اختار تسريحة شعر لافتة، وزاد استخدامه ألفاظ وتعابير بالسويدية تنتمي إلى لغة الشارع.

لكن ذلك لم يستوقفهم، وفجأة، وجدا نفسيهما تحت الصدمة لدى مداهمة دورية شرطة بلباس مدني للمنزل في 12 يناير/كانون الثاني 2023، وبدأوا بتفتيش دقيق، وصادروا كل ما يملكون من نقود، بالإضافة إلى مصاغ ذهبي لزوجته، وهذه المداهمة كانت جزءاً من عملية أكبر، تمكّنت الشرطة عن طريقها من منع وقوع أعمال عنف خطيرة خططت لها العصابة المحلية التابعة لفوكستروت، وشملت عمليات قتل، ومحاولات تفجير متسلسلة تستهدف منازل أقارب أعضاء عصابة محلية منافسة تتبع شبكة دالين الإجرامية، التي تتصارع مع  فوكستروت، إلا أن الشرطة استبقت المخطط، وأوقفت 24 شخصاً، من بينهم 10 أطفال متورطون في الأنشطة الإجرامية.

 

تزايد تجنيد الأطفال في العصابات

تكشف مراجعة أجراها معد التحقيق للأحكام القضائية المنشورة على الموقع الرسمي لهيئة المحاكم في السويد تزايداً قياسياً في عدد الأطفال الذين جرت محاكمتهم عام 2023، إذ جرى توجيه التهم إلى 22 طفلاً منذ بداية العام الماضي، وحتى سبتمبر/أيلول 2023، وهؤلاء كانوا يبلغون 15 عاماً وقت ارتكاب الجريمة، بينما كان العدد يتراوح بين 5 و9 أطفال فقط سنوياً، خلال السنوات الخمس السابقة، كما جرى توجيه 84 تهمة لمراهقين، تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاماً في الفترة ذاتها من عام 2023، بينما وُجهت 53 تهمة لمراهقين في عام 2022، ولم يتجاوز عددهم ثمانية قُصّر سنويا قبل عشر سنوات.

22 طفلاً ارتكبوا جرائم في عمر الخامسة عشرة خلال العام الماضي

وخلال الفترة ذاتها من عام 2023، كان هناك 30 مشتبهاً به في عمر 14 عاماً أو أقل، أي دون السن القانونية، ولا يخضع للمحاكمة، وهذا العدد مرتفع مقارنة بـ 23 حالة في عام 2022 بأكمله.

وتجند الشبكات الإجرامية الطفل لأسباب كثيرة، أهمها أنه صغير السن، وبالتالي لا يمكن معاقبته، خاصة إن قل عمره عن 15 عاماً، بالإضافة إلى ذلك، "يسهل على المجرمين أن يستقطبوا الأطفال والمراهقين بالملابس الجميلة والمال والطعام، أو إعطائهم المزيد من الرعاية والانتباه الذي يفتقدونه، وهذه مغريات من الصعب عليهم مقاومتها، ويبدأ الأمر حين تُقدم لهم هذه الأشياء مقابل أداء مهمة قد تُعتبر في بعض الأحيان بريئة وغير ضارة، لكن طبيعة تلك المهام ستتطور بسرعة، على سبيل المثال يبدأ عملهم من المراقبة، وتحذير المجرمين من مداهمات الشرطة، ثم استلام وتسليم أموال للمجرمين، وإرسال الأموال غير القانونية، ليصل الأمر إلى نقل الأسلحة والمخدرات، أو إخفائها، أو حملها نيابة عن المجرمين، للوصول إلى بيع وترويج المخدرات والقتل"، بحسب الرد المكتوب الذي تلقاه "العربي الجديد" من جهاز الشرطة الوطنية.

ويجري تجنيد وتوظيف الطفل في العصابة بعد سحبه تدريجياً وعزله عن المجتمع وإغراقه بالعطايا والمكافآت، وفي بعض الحالات قد يكون هناك تهديد أو إكراه لتنفيذ أوامر العصابة، بحسب توضيح ماني غيريل، الأستاذ في جامعة مالمو جنوب السويد، والباحث في جغرافية الجريمة وعنف العصابات والمناطق الضعيفة.

الفقر والتمييز السكاني يفاقمان الظاهرة

"لم تكن علاقة ابني مع محيطه مستقرة، سيطر عليه شعور دائم بالرغبة في إثبات أنه شاب يمكن الاعتماد عليه، فحاول إطلاق متجر إلكتروني، ولاحقاً حاول فتح تجارة لاستيراد الألبسة من تركيا، بمساعدة من والدته، لكن في الوقت نفسه، كانت لديه نزعة استهلاكية جامحة، ويحاول دائماً أن يجاري أقرانه السويديين، الذي يملكون الموارد اللازمة لتأمين كل ما يحتاجونه"، وفق عزيز الذي أضاف "شخصان يعيشان على المساعدات الحكومية مثلي وزوجتي ما الذي يمكننا تقديمه لشاب مراهق يحلم بحياة مترفة؟"، وهذا الحلم للحصول على المال بطريقة سريعة وسهلة، دون التفكير في العواقب، تقاطع مع شبكة "فوكستروت" الإجرامية التي وفرت له كل ما يحتاجه فغرق في وحلها. لذلك يصر عزيز على براءة ابنه، ويرى أنه جرى إيهامه واستدراجه، عن طريق إغرائه بالمال والهدايا والوعود بحياة فارهة، بالإضافة إلى تعزيز شعوره بأنه أصبح رجلاً يمكن الاعتماد عليه.

ما سبق، يفسر لماذا تسعى العصابات إلى توظيف نسبة كبيرة من الأطفال المنحدرين من أسر ذات أصول مهاجرة، وفق تأكيد توربيورن فوركبي Torbjörn Forkby، الأستاذ المشارك في جامعة لينيوس بمدينة فاكسجو جنوباً، الذي بحث بالتعاون مع زملائه في ثقافة العصابات لعدة سنوات في مدينة غوتنبرغ، غرب السويد، "وتبين أن هؤلاء لا يحصلون على كل ما يحتاجونه في حياتهم الطبيعية، فالعديد من المراهقين الذين يدخلون في عالم الجريمة كما رأينا في الفترة الأخيرة جاؤوا أو ولدوا ونشأوا في بيئات تعاني من مشاكل اقتصادية في غالب الأحيان، بمناطق سكنية في الضواحي المهمشة، حيث يطغى شعور عام لدى المقيمين فيها بأنهم لا ينتمون إلى المجتمع، وغير محسوبين مواطنين، أو أنهم ليسوا في المكانة الاجتماعية نفسها مع السويديين ما يولّد شعوراً لديهم بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وبالتالي الفصل السكاني بين الأحياء المستقرة والغنية وتلك الفقيرة والمليئة بالقلق، عامل حاسم في زيادة معدلات الانخراط في الجريمة بين الأطفال والمراهقين".

ويتفق معه عزيز قائلاً إن " قوانين الرعاية الاجتماعية، وسياسة الإسكان تميزان بشكل تلقائي بين السويديين والمهاجرين الذين يعيشون في شقق صغيرة وضيقة بالضواحي، بينما يقيم السويديون في منازل وأحياء نموذجية، وينسحب ذلك على المدارس والخدمات وحتى النشاطات المصممة لأوقات الفراغ للأطفال والمراهقين الذين يعيشون في هذه الأحياء، على عكس مناطق المهاجرين التي تتولى في الأغلب الجمعيات ذات الطابع الديني ترتيب نشاطات موجهة للأطفال، أو في أحسن الأحوال تحاول البلديات تصميم النشاطات المسائية التي لا تلقى أي قبول، لأنها غير مدروسة بشكل جيد، ولا تتقاطع مع احتياجات أبنائنا، إلى جانب تراجع دور الأسرة في حياة الأبناء، بسبب قواعد وقوانين السويد التي تمنح الأطفال خيار رفض سلطة الآباء، ما يسهل انسياقهم إلى الجريمة".

 

من دور الرعاية إلى عالم العصابات

في 26 يناير 2023، قبضت الشرطة على العشريني سوران ميرزاي، المنحدر من أصول إيرانية، أثناء نقل شحنة مخدرات كبيرة في مدينة سوندسفال، بمقاطعة فسترنورلاند، شمال السويد، وتبين خلال التحقيق معه أن له دوراً قيادياً في شبكة جرائم محلية على صلة بشبكة عصابة فوكستروت، وخططت لجرائم قتل نيابة عنها، بحسب محضر التحقيقات في القضية رقم mål: B228-23 الذي اطلع عليه "العربي الجديد".

المال والهدايا أداتا تجنيد الأطفال في عصابات الجريمة المنظمة

ولم تكن تلك المرة الأولى التي يتورط فيها بجرائم مخدرات، إذ وصل ميرزاي السويد عندما كان يبلغ من العمر 15 عاماً، وخلال سنوات مراهقته، أُلحق بالعديد من منازل رعاية الشباب HVB بعد ثبوت تورطه في جرائم مخدرات، وكذلك جرى إيداعه في منزل عائلة مضيفة كان عليها رعايته، وفقاً لقرار مجلس الرعاية الاجتماعية في البلدية الذي يحدد الشكل الذي يجب أن تبدو عليه رعاية الطفل ومكان إقامته خلال فترة الرعاية بموجب قانون LVU رقم 52: 1990 (يتضمن أحكاماً خاصة برعاية الشباب دون 18 عاماً)، لكن موظفي مجلس الرعاية كانوا يسجلون دائماً أثناء قيامهم بجولاتهم الرقابية اختفاء ميرزاي بشكل متكرر عن أماكن الإقامة، وتبين استمرار نشاطه في تهريب المخدرات، وانتقاله إلى مدار أوسع بالتهريب خارج السويد.

وتثبت بيانات المراجعة التي أجرتها منصة Acta Publica (قاعدة بيانات تتيح الوصول إلى الوثائق والبيانات الرسمية) والصادرة بتاريخ 4 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وشملت 439 شاباً، معظمهم من الذكور، ممن خضعوا لإجراءات قانون LVU في الفترة بين عامي 2015 و2022، أن 70% من هؤلاء اليافعين (أقل من 18 عاماً)، الذين جرى إيداعهم في دور الرعاية المغلقة للشباب، يعودون إلى ارتكاب الجرائم بعد انتهاء فترة إقامتهم، وفيما يتعلق بالشباب المنخرطين في عصابات الجريمة، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و21 عاماً، كشفت المراجعة أن معدل عودتهم إلى الجريمة يتجاوز 90%، ما يبرز الحاجة إلى إعادة النظر في فعالية هذه التدابير الإصلاحية، وهو ما حصل مع ميرزاي الذي بات معتاداً على ارتكاب الجرائم حتى أصبح سجله حافلاً، ونتيجة لذلك، رفضت دائرة الهجرة السويدية طلبه للحصول على إقامة عام 2019 وقررت ترحيله إلى إيران، لكن لم يجر تنفيذ قرار الترحيل، نتيجة مخاوف الجهات السويدية من تعرّضه للإعدام إذا جرى إبعاده.

 

مسؤولية الدولة والشرطة إزاء تفاقم الجريمة

يظهر تقرير بعنوان: عصابات الإجرام النشطة في السويد، الذي أعدّه جهاز الشرطة الوطنية بتكليف من الحكومة وصدر في 23 فبراير/شباط عام 2024، أن 62 ألف شخص على صلة بشبكات إجرامية في السويد، ومن بين هؤلاء حوالي 14 ألف يصنفون نشطين في العصابات، أي يمارسون أنشطة جرمية فعلا كالاتجار بالمخدرات بشكل رئيسي.

"انضمام أعداد كبيرة للشبكات الجرمية، مردّها فشل مؤسسات الدولة كالشرطة وبيوت الرعاية الاجتماعية، لتقصيرها في مهمة خلقَ مجتمع متماسك، وبيئة تنصهر فيها مختلف المجموعات التي تعيش في هذا البلد لتشعر بالانتماء بغض النظر عن الخلفية الجغرافية، أو الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الفرد"، بحسب فوركبي مؤكدا بالقول: "أرى أن من مهام السياسيين بناء مجتمع موحد، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه ستكون دائماً لدى كل مجموعة ظروف خاصة مختلفة، لكنهم أخفقوا في ذلك وعززوا شعور اللاانتماء لدى أبناء الطبقات المهاجرة والفقيرة، وقصروا في تطبيق سياسات الاندماج وسوق العمل، وبرامج تحسين مخرجات التعليم في المدارس بالمناطق المهمشة، بالإضافة إلى خلل واضح في عمل جهاز الشرطة الوطنية، ما دفع أبناء تلك المناطق إلى التفكير بالخيارات البديلة، وتشكيل العصابات الإجرامية كجزء من هذه الخيارات".

الصورة
تراجع دور الأسرة في حياة الأبناء
تستقطب العصابات الأطفال في عمر 14 عاماً أو أقل، أي دون السن القانونية، كونهم لا يخضعون للمحاكمة (Getty)

ويرد باستر ميرو إميتسلوف (Buster Mirow Emitslöf)، السكرتير الصحافي لدى جهاز الشرطة الوطنية، في حديثه مع "العربي الجديد"، بأن الشرطة تتخذ إجراءات لتعزيز الأمن في المناطق المعرضة للعنف، وتلجأ لإنشاء مناطق آمنة في حال وجود خطر ما، وهذا يتطلب تقديرًا دقيقًا للأوضاع الأمنية لاتخاذ التدابير الملائمة، لكنه في ذات الوقت يقرّ أن الشرطة تواجه تحديات كبيرة في التعامل مع تجنيد العصابات الإجرامية للأطفال، الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا، إذ يقابل عناصر الشرطة أطفالًا في سن 8 و9 أعوام متورطين في المخدرات والأسلحة، وهذا الوضع يتطلب تعاونًا مجتمعيًا يشمل الخدمات الاجتماعية والمدارس والمجتمع المدني، لتقديم الدعم والأدوات اللازمة لمساعدة الأسر والأطفال على الانفصال عن العصابات.

"العمل يبدأ بتعاون الجهات الاجتماعية الفاعلة لمنع الشباب من الانجراف نحو حياة الجريمة، والعمل على تحفيزهم وتقديم بدائل إيجابية تعالج سوء المعاملة والصدمات"، يختم إميتسلوف.