استمع إلى الملخص
- تسلط قضية كادح صباح عبد المهدي الضوء على فشل النظام القضائي، حيث لا يزال محتجزاً رغم تبرئته من تهمة القتل، مما يثير مخاوف من صدور حكم آخر ضده.
- تواجه المحاكمات في العراق انتقادات دولية لغياب معايير العدالة، حيث تُبنى الأحكام على اعترافات منتزعة تحت التعذيب، مما يهدد مسيرة العدالة ويثير تساؤلات حول استخدام عقوبة الإعدام لأغراض سياسية.
ينتظر ثمانية آلاف عراقي تنفيذ حكم الإعدام، ويعاني بعضهم فشل منظومة العدالة في تطبيق القوانين المحلية والمواثيق الدولية التي تحمي حياتهم وحرياتهم، إذ أثبتوا تعرضهم للتعذيب وانتراع الاعترافات بالإكراه من دون فائدة.
- ما يزال العراقي كادح صباح عبد المهدي، في سجنه رغم تبرئته في 27 فبراير/شباط 2024، من تهمة القتل بدوافع إرهابية، لعدم تطابق الأدلة مع اعترافاته التي جاءت متناقضة مع كيفية حصول الجريمة، إذ قال إنه خنق المجني عليها زهور تقي، في حين أنها قتلت عن طريق إطلاق الرصاص.
لذا توصلت المحكمة إلى أنّ الأدلة المطروحة عليها موضع شك، وهو ما يفسر لصالح المتهم وفقاً للقاعدة القانونية المستقرة، ومن هنا جاء قرارها بإلغاء التهم الموجهة إليه، استناداً لأحكام المادة 259/أ/1 من تشريع أصول المحاكمات الجزائية، بحسب ملف القضية التي أعادت سبب عدم إخلاء سبيل عبد المهدي، إلى كونه "مطلوب في دعوى أخرى"، دون أن تحدّد ما هي، كما يقول والده، الذي لا يعرف حتى اليوم سبب عدم الإفراج عن نجله، ولا يخفي خشيته من صدور حكم آخر ضده، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "صدر حكم على ابني بالإعدام شنقاً في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2008 وفق قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة 2005، وفي الثالث من يوليو/تموز 2023 قرّرت محكمة التمييز الاتحادية، قبول طلب إعادة محاكمة عبد المهدي، وفق قانون العفو العام رقم 27 لسنة 2016، ورغم تبرئته مؤخراً لا نعرف ماذا سيجري مستقبلاً".
ولخشية والد كادح ما يبرّرها من وقائع، إذ "نفذت إدارة سجن الناصرية 4 عمليات إعدام جماعية في سبتمبر/أيلول الماضي، بحق 21 معتقلاً، جرى سحبهم من قاعات السجن فجراً، ومنها إلى الوحدة الخاصة التي تقع بها منصات الإعدام، ليجري رفع ستة معتقلين في كل مرة وشنقهم"، وفق ما وثقه مرصد أفاد الحقوقي (عراقي مستقل) في الثاني عشر من أكتوبر الماضي، موضحاً أن هذه الانتهاكات، تبدأ من وشايات ما يعرف بالمخبر السري وتذكيها دوافع انتقامية وطائفية، مروراً بأجهزة التحقيق التي تدون إفادات السجناء تحت التعذيب وهو ما رصده تحقيق "العربي الجديد" عبر ملفات القضايا التي يستعرضها.
ثمانية آلاف محكوم بالإعدام
"ينتظر ثمانية آلاف سجين عراقي تنفيذ حكم الإعدام"، وفق ما وثقه مُعدُّ التحقيق عبر الموقع الرسمي للأمم المتحدة والذي أحصى "400 عملية إعدام أبلغ عنها خلال الفترة بين عام 2016 وحتى منتصف العام الماضي"، بحسب ما جاء في تقرير صدر في السابع والعشرين من يونيو/حزيران 2024، بعنوان "المقرّرون الخاصون: نطاق واستمرار حملات الإعدام التعسفي في العراق قد تشكل جريمة ضد الإنسانية".
إعدام جماعي لـ 21 موقوفاً ومعتقلاً في شهر سبتمبر الماضي
وانطلاقاً من تصاعد تنفيذ الأحكام، يحذر عضو مجلس النواب رعد الدهلكي، رئيس تحالف العزم في ديالي (ائتلاف سياسي أُعلن عن تأسيسه في ديسمبر/كانون الأول 2021)، من تبعات الأمر على تماسك البلاد، قائلاً لـ"العربي الجديد": "يوجد اعتراف داخل البرلمان بوجود مظلومين خلف القضبان نتيجة لبلاغات من المخبرين السريين وكذلك الدعاوى الكيدية"، والاستعجال في إصدار المراسيم الجمهورية لتنفيذ أحكام الإعدام، يثير العديد من التساؤلات حول مدى شفافيتها وعدالتها.
ما قصده النائب الدهلكي، يؤكده مرصد أفاد، الذي قال في 12 أكتوبر الماضي، إن رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، وقّع على إعدام محكومين، بعد توصيات وضغوطات سياسية طائفية، رغم وجود أدلة وعرائض قدمها المحامون وذوو المعتقلين والموقوفين، تؤكد تعرضهم للتعذيب وانتزاع المعلومات تحت الإكراه وتوقيعهم على أوراق مكتوبة مسبقاً.
و"يصعب مواجهة الأمر بصورة خاصة في قضايا الإرهاب تحديداً بسبب الضغوط السياسية، ومع ذلك شكلياً يجري استكمال الإجراءات القضائية والإدارية عبر إصدار مرسوم من رئيس الجمهورية، في خطوة لمواجهة ضغوط دولية وداخلية لإيقاف تنفيذ العقوبة بالعراق"، كما يقول لـ"العربي الجديد"، الرئيس السابق لهيئة النزاهة الاتحادية (مختصة بمكافحة الفساد ومراقبة الشفافية في إدارة شؤون الحكم)، القاضي المتقاعد رحيم العكيلي (تقلّد منصبه خلال الفترة بين 2008 و2011)، الذي أصدر أربعة مؤلفات قانونية، من بينها كتاب "إعادة المحاكمة في قانون المرافعات".
اعترافات تحت التعذيب
تجري عمليات إصدار أحكام الإعدام بالعراق بناءً على انتزاع اعترافات بالإكراه، كما يقول القاضي العكيلي، موضحاً أن التعذيب أداة تستخدم ضد المتهمين في مختلف القضايا الجنائية، وأهمها الإرهاب، وهو ما تعرض له ثلاثة عراقيين، ومنهم عبد الستار عبد الجبار خليل، الذي أصيب بكدمات على الظهر والكتف والعضد وأسفل الفخذ الأيسر خلال التعذيب، نتيجة استخدام آلة معدنية، كما يقول والده، مضيفاً أن اللجنة الطبية المشكّلة بالأمر الإداري رقم 5296 في 11 يوليو 2012، والخاصة بفحص الموقوفين، اجتمعت في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2014، وأكدت أن ابنه تعرض للتعذيب منذ 4 أو 6 أسابيع اعتباراً من تاريخ فحصه، بحسب الشكوى التي قدمها لمجلس الوزراء ومجلس القضاء الأعلى ووزير العدل، وأشار فيها إلى توقيف ابنه وهو بعمر 16 عاماً في 26 يوليو 2014 من دورية الشرطة التابعة لمركز شرطة الحبانية دون أمر إلقاء قبض، وبعدها تعرض للتعذيب من منتسبي الشرطة وضباط التحقيق وجرى تهديده لانتزاع اعترافات بالإكراه.
والمؤسف، كما يقول والد عبد الستار لـ"العربي الجديد"، أنّ قاضي التحقيق لم يأخذ نتيجة التقرير الطبي (حصلت عليه "العربي الجديد") الخاص بتعرضه لتعذيب خلال فترة توقيفه، بعين الاعتبار، ورغم إحالة قاضي محكمة تحقيق الكرخ الثالثة، الأوراق التحقيقية الخاصة بنجله إلى قاضي محكمة تحقيق الرمادي المختصة بحقوق الإنسان، في 18 أكتوبر 2023 بصفة مشتكٍ، لإكمال التحقيق فيها، إلا أنه لم يتغير شيء، وفق تأكيد الأب.
وفي محاولة لإنقاذه تقدم المحامي أحمد الظفيري في السابع من فبراير 2024، بمذكرة إلى قاضي محكمة الرمادي المختصة بحقوق الإنسان، طالب فيها بالتحقيق مع عناصر الأمن، الذين ارتكبوا واقعة التعذيب بحق موكله عبد الستار، وفق ما جاء في الشكوى التي حصلت عليها "العربي الجديد"، لكن حتى اليوم "لم تجرِ مساءلة ولا محاسبة المسؤولين"، يقول والد المتهم.
قاعدة بيانات الإرهاب
يواجه محكومون صعوبات جمة تمنعهم من تقديم أدلة تثبت تعرضهم للإكراه أو التعذيب أثناء التحقيق، خاصة أنه لا تُجرى عادة تحقيقات مستقلة فور الإبلاغ عن تلك الادعاءات، وفق ما رصده المحامي محمد حنتوش، الذي يعمل في مكتبه الخاص بمدينة بغداد، مشيراً إلى أن التأخر في إجراء الفحوص الطبية للمتهمين قد يؤدي إلى فقدان الأدلة التي تثبت تعرضهم للتعذيب، كما أن المحاكم لا تقوم بإجراء تحقيقات دقيقة للتيقن من صحة أو كذب ادعاءات الإكراه، وتقبل الاعترافات كأدلة رئيسية وبموجبها تصدر الأحكام، وهو ما يتناقض مع القوانين الوطنية والتزامات العراق الدولية في مجال حقوق الإنسان، مضيفاً أن الاعتراف تحت الإكراه أو التعذيب يعد باطلاً قانوناً ولا يجوز للمحاكم الاعتماد عليه لإدانة المتهمين.
يواجه المحكومون صعوبات جمّة تمنعهم من تقديم أدلة تعرضهم للتعذيب
وما يدعم انتهاك حقوق العراقيين كون "السلطات العراقية تعتمد على قاعدة بيانات غير دقيقة حدّدت من خلالها المحكومين بالإعدام في قضايا الإرهاب بتهم الانتماء إلى تنظيم داعش"، حسب ما يقول الخبير القانوني أمير كريم الدعمي، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "القوائم وإلى جانبها بالطبع المخبر السري والمعلومات والتحريات الأمنية كلّها عوامل قد لا تكن دقيقة إذ تغذيها أغراض الثأر وتصفية الحسابات".
لذا ترى الأمم المتحدة إن "الاستخدام السياسي المزعوم لأحكام الإعدام، أمر مثير للقلق العميق"، وفق ما نشره موقعها في السابع والعشرين من يونيو/حزيران 2024، مشيرة في تقريرها إلى أنّ "الإعدامات المنهجية التي تنفذها الحكومة العراقية ضد السجناء المحكوم عليهم بناءً على اعترافات مشوبة بالتعذيب، وبموجب قانون غامض لمكافحة الإرهاب، ترقى إلى مستوى الحرمان التعسفي من الحياة، وقد ترقى إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية".
و"لا تُعفى الدول التي أبقت عقوبة الإعدام، مثل العراق، من التزاماتها بموجب القانون الدولي، الذي يقصر تطبيق عقوبة الإعدام على "أشد الجرائم خطورة، أي القتل العمد"، لكن "معظم الجرائم المفصلة في المادتين (2) و(3) من قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة 2005، التي يحكم على أساسها الأشخاص بالإعدام، لا ترقى إلى مستوى "الجرائم الأشد خطورة" ما يجعل عمليات الإعدام هذه تعسفية بطبيعتها" تقول الأمم المتحدة.
تغييب معايير المحاكمات العادلة
وقع العراق على المواثيق والمعاهدات الدولية والإقليمية المتعلقة بحقوق الإنسان، وأهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، والمتوافق مع مضامين الدستور العراقي، كما يوضح المحامي حنتوش، مشيراً إلى أن العراق انضم إلى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية في 1984 الهادفة إلى القضاء على التعذيب في الظروف كافة، سواء في السجون أو خلال التحقيقات أو أي مواقف أخرى، وتلزم الدول الأعضاء باتخاذ التدابير القانونية والإجرائية لمنع التعذيب ومعاقبة مرتكبيه، فضلاً عن التوقيع على الميثاق العربي لحقوق الإنسان 2004 الذي وُضع تحت مظلة جامعة الدول العربية، ويتضمن مجموعة من المبادئ والحقوق الأساسية مثل الحق في الحياة، والحرية، والمساواة.
لكن كل تلك القوانين والمواثيق لا تحمي حقوق العراقيين، كما تؤكد الانتقادات الدولية بسبب عدم توفير معايير المحاكمات العادلة للمتهمين، فضلاً عن عدم التعامل بجدية مع ادعاءاتهم بانتزاع اعترافاتهم بالإكراه أو التعذيب وفق ما تتطلبه وتفرضه المعايير الدولية، بحسب القاضي العكيلي، الذي يقول:" غالباً تبنى أحكام الإدانة على اعترافات يدعي المتهمون بأنها انتزعت بالتعذيب دون التحقق من مدى صدق ادعاءاتهم ما يهدد مسيرة العدالة في البلاد".