استمع إلى الملخص
- الفيلم يثير تساؤلات حول سبب وجود العائلة على الجزيرة وسر المنارة، ويعتمد على أسلوب سردي شاعري وانطباعي، مما يضفي غموضًا على الأحداث.
- السيناريو كتبه براون بالتعاون مع ياسمين كراجة وهند فخرو، ويتأثر بسينما تيرانس ماليك، ويشابه أعمال نادين لبكي في تناول تجارب الطفولة الصعبة.
عائلة مكوّنة من أربعة أفراد تقطّعت بهم السبل على جزيرة صحراوية، وتحاول البقاء على قيد الحياة في هذا الإنتاج المشترك اللبناني الأميركي (عنوانه الأصلي بالإنكليزية The Sand Castle، وفي العربية "من وراء الموج") الذي يمثّل الظهور الثالث للمخرجة نادين لبكي أمام الكاميرا خلال عام واحد، من إخراج الأميركي ماتي براون، ومعها الفلسطيني زياد بكري، والأخوان السوريان زين وريمان الرافعي، يعرض حالياً في "نتفليكس".
تعيش عائلة نموذجية - أبّ وأمّ وطفلان - على جزيرة صحراوية صغيرة ليس فيها سوى منارة ورمل أبيض وبعض الأسِرّة في مساحة مادية غير مضيافة، ولكنها مريحة. تعيش العائلة الصغيرة على الغذاء والمياه العذبة المتوفرة على اليابسة، أو الماء المحيط بهم. لكن هذه الموارد نادرة، ولن يمرّ وقت طويل قبل أن تبدأ المعاناة مع الجوع والجفاف. إنهم وحدهم ويبحثون عن الإنقاذ عبر جهاز اتصال لاسلكي يعمل متى شاء، لكن الحياة هناك لا تبدو مروّعة للغاية.
مع كل ثانية تمر، تُطرح أسئلة جديدة. في البداية، لماذا توجد هذه العائلة على هذه الجزيرة في المقام الأول؟ من ماذا يفرّون، وإلى أين يذهبون؟ مَن بنى هذه المنارة، المزوّدة بنوع من المولّدات، في منتصف اللامكان؟ إذا لم يكن هناك مصدر للوقود، فما الذي يعمل عليه هذا المولّد؟ هل هناك وحش يحوم حول الجزيرة، كما تدّعي جنى؟ وسرعان ما يتبين أن الأمر برمّته من نسج خيال أحدهم. نرى كل هذا عبر عيون جنى (ريمان الرافعي)، الفتاة التي تبني قلاعاً رملية وتلعب على الشاطئ مع الحشرات والأشياء السائبة التي تجدها هناك. يمكن للمرء أن يرى قلقاً معيّناً لدى والديها، نبيل (زياد بكري) وياسمين (نادين لبكي)، وهما يحاولان تشغيل الراديو، وشقيقها المراهق، آدم (زين الرافعي، شقيق ريمان في الحياة الواقعية)، متجهّم ومنغمس في سماعات الرأس، لكن التجربة التي نشاركها هي تجربة جنى.
في أكثر من نصف الفيلم نرى نسخاً من هذا. حادث صيد، بعض البلاستيك الغريب الذي يظهر تحت الرمال، عاصفة تعرّض كل شيء للخطر، والفتاة تواصل المشي على طول الشاطئ، تلعب، وترسم من وقت لآخر. من الواضح أن هناك شيئاً أكثر في هذا السيناريو (تعاون براون على كتابة النصّ مع ياسمين كراجة وهند فخرو) لكن الفيلم لا يسمح به للمشاهدين، انطلاقاً من فكرة أن منظور السرد هو منظور الفتاة، التي ربما لا تدرك تماماً الواقع المتواري تحت هذا الوضع. طوال بقية الفيلم، سيحاول براون كشف ما هو مخفي حقاً وراء هذا الوضع بأسلوبٍ يقع بين الغامض والشاعري والانطباعي.
يبني براون فيلماً من شظايا، وصورٍ، ومقاطع شعرية متأثراً بسينما تيرانس ماليك؛ بينما تصوّر الكاميرا الألعابَ والرمال والرسومات والمشي والقلاع والمياه التي تصل إليها وتغطّيها أحياناً. عندما يتعلّق الأمر بحلّ اللغز/الغموض، لا يغيّر المخرج نظامه. بصورٍ جميلة ولكنها مروّعة إلى حدّ ما، بطريقة متعسّفة وغير ضرورية لإظهار بعض المصائب والأهوال البشرية، يمزّق "من وراء الموج" هذا البناء، محاولاً تجاوز ما نراه. ورغم أن حلول اللغز قوية ومزعجة - تلك التي تأتي مع نصٍّ توضيحي يضعها في سياقها في شارة النهاية - فالطريقة التي يصل بها المخرج إلى هذه الحلول تبدو غير معقولة ومربكة بشكلٍ مفرط.
هنا، نواجه فيلماً يتعامل مع قضايا صعبة وواقعية من منظورٍ شعري، إن صحّ التعبير، طفولي، منظور يرى ما يريد أو يستطيع أن يراه من خلال فهمه المحدود للعالم وما يحدث له. تحليل أكثر من ذلك سيدخل في منطقة مفسدات الفرجة، لذا من الأفضل لكل متفرّج أن ينغمس في التعقيد السردي الذي يُطلق له العنان في النصف الثاني من الفيلم وتحليله بمفرده. انطباع كاتب هذا المقال أنه بالرغم من تمكّنه (الفيلم) من تطوير أفكار مثيرة للاهتمام مرتبطة بالموضوع الدرامي الذي يتعامل معه، إلا أن الآليات التي يفعل بها ذلك لا ينطبق عليها الوصف ذاته.
تلتقي لبكي في هذا الفيلم مع زين الرافعي، الممثل المراهق الذي شارك في فيلمها الناجح "كفرناحوم" (جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كانّ السينمائي 2018، والمرشّح لنيل جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي لعام 2019). ثمة روابط بين الفيلمين، حتى إن كانت ضعيفة كما يبدو. وبينما لم يصل "من وراء الموج" إلى مستويات القسوة غير المبرّرة لفيلم لبكي إياه، إلا أنه يقترب منها في بعض الأحيان أكثر من اللازم. يمكن أن تكون تجارب الطفولة صعبة ووحشية ومعقّدة، لكن البالغين الذين يصفونها يفعلون ذلك أحياناً بطريقة قاسية لا داعي لها. للأطفال المشاركين في بطولتها، ولمن يشاهدها أيضاً.