استمع إلى الملخص
- قد تضطر آبل لإيقاف خدمة التخزين المشفر في المملكة المتحدة لتجنب كسر وعودها الأمنية، لكن هذا لن يلبي طلب الحكومة للوصول إلى البيانات في بلدان أخرى.
- نجاح المملكة المتحدة في هذا الطلب قد يشجع دولاً أخرى مثل الصين، مما يثير قلق شركات التكنولوجيا مثل غوغل وميتا التي ترفض توفير أبواب خلفية.
طالب مسؤولون في مجال الأمن في المملكة المتحدة شركة آبل بتأمين "باب خلفي" يسمح لهم بالوصول إلى كل المحتوى الذي قام أي مستخدم لأجهزة الشركة في جميع أنحاء العالم بتحميله إلى السحابة، وفقاً لما كشفته صحيفة واشنطن بوست اليوم الجمعة، نقلاً عن أشخاص مطلعين على المسألة.
هذا الأمر الذي أصدرته الحكومة البريطانية الشهر الماضي، والذي لم يكشف عنه رسمياً بعد، يتطلب من "آبل" تزويد المسؤولين بالقدرة الشاملة على عرض المواد المشفرة بالكامل، وليس مجرد المساعدة في اختراق حساب معين، وهذا الأمر ليس له سابقة معروفة في الديمقراطيات الكبرى. وقال الأشخاص الذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم لـ"واشنطن بوست" إن تطبيقه سيمثل هزيمة كبيرة لشركات التكنولوجيا في معركتها التي استمرت عقوداً من أجل تجنب استخدامها أدواتٍ في أيدي الحكومات ضد مستخدميها.
من جهة ثانية، رجحت المصادر نفسها توقف "آبل" عن تقديم خدمة التخزين المشفر في المملكة المتحدة بدلاً من كسر الوعود الأمنية التي قطعتها لمستخدميها حول العالم. ومع ذلك، فإن هذا التنازل لن يفي بطلب المملكة المتحدة الحصول على باب خلفي للوصول إلى الخدمة في بلدان أخرى، بينها الولايات المتحدة.
"ميثاق المتلصصين"
وفقاً لمصادر "واشنطن بوست"، فإن مكتب وزير الداخلية في المملكة المتحدة قدّم وثيقة لشركة آبل تسمى إشعار القدرة الفنية، وأمرها بتوفير الوصول بموجب قانون سلطات التحقيق الشامل في المملكة المتحدة (U.K. Investigatory Powers Act) لعام 2016، والذي يخول جهات إنفاذ القانون إجبار الشركات على المساعدة عند حاجتها لجمع الأدلة.
القانون، المعروف بين المنتقدين باسم "ميثاق المتلصّصين"، يجعل مجرد الكشف عن تقدم الحكومة بمثل هذا الطلب جريمة جنائية، ورفض متحدث باسم شركة آبل التعليق على المسألة للصحيفة الأميركية. في المقابل، قال متحدث باسم وزارة الداخلية في المملكة المتحدة لـ"واشنطن بوست" الخميس: "نحن لا نعلق على المسائل التشغيلية، بما في ذلك على سبيل المثال تأكيد أو نفي وجود أي إشعارات من هذا القبيل".
تستطيع "آبل" استئناف إخطار المملكة المتحدة أمام لجنة فنية سرية ستنظر في الحجج حول تكلفة هذا المطلب، وأمام قاضٍ سيزن ما إذا كان الطلب متناسباً مع احتياجات الحكومة، لكن القانون لا يسمح للشركة بتأخير الامتثال أثناء الاستئناف.
وفي مارس/آذار الماضي، أُخطرت الشركة باحتمال فرض مثل هذا المطلب، فصرحت للبرلمان بأنه "لا سبب يجعل حكومة المملكة المتحدة تتمتع بالسلطة في اتخاذ القرار نيابة عن مواطني العالم بشأن ما إذا كانوا يستطيعون الاستفادة من الفوائد الأمنية المثبتة التي تنبع من التشفير من البداية إلى النهاية end-to-end encryption". وكان كبار مسؤولي الأمن القومي في إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن يتابعون هذه المسألة منذ أبلغت المملكة المتحدة الشركة لأول مرة أنها قد تطلب الوصول إلى محتوى المستخدمين، وردت "آبل" حينها بأنها سترفض. ولفتت "واشنطن بوست" إلى أنه لم يكن من الممكن تحديد ما إذا كان المسؤولون الأميركيون قد عبروا عن اعتراضاتهم لبريطانيا، فيما رفض مسؤولو البيت الأبيض والاستخبارات في عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب التعليق.
وفي هذا السياق، قال أحد الأشخاص الذين اطلعوا على الموقف، وهو يقدم المشورة للولايات المتحدة بشأن مسائل التشفير، إن شركة آبل ستُمنع من تحذير مستخدميها من أن تشفيرها الأكثر تقدماً لم يعد يوفر الأمان الكامل، ورأى الشخص أنه "من المذهل أن تطلب حكومة المملكة المتحدة مساعدة شركة أبل في التجسس على المستخدمين غير البريطانيين من دون علم حكوماتهم". وأكد مستشار أمني سابق للبيت الأبيض وجود الأمر البريطاني.
الأمر البريطاني يستهدف التخزين السحابي من "آبل"
أوضحت "واشنطن بوست" أن القضية المطروحة تتعلق بالتخزين السحابي الذي لا يمكن فتحه إلا مِن المستخدم، وليس شركة آبل. بدأت "آبل" بطرح هذا الخيار الذي أطلقت عليه اسم "الحماية المتقدمة للبيانات" Advanced Data Protection عام 2022. وكانت قد سعت إلى تقديمه قبل ذلك التاريخ بسنوات، ولكنها تراجعت بعد اعتراضات من مكتب التحقيقات الفيدرالي خلال الولاية الأولى لترامب الذي انتقد الشركة لعدم مساعدتها في اعتقال "القتلة وتجار المخدرات وغيرهم من العناصر الإجرامية العنيفة".
والخدمة هي خيار أمني متاح لمستخدمي "آبل" في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، وفي حين أن معظم مستخدمي أجهزة "آيفون" و"ماك" لا يتبعون الخطوات اللازمة لتفعيل هذه الخدمة، إلا أنها توفر حماية معززة من الاختراق وتقطع الطريق على طريقة روتينية تستخدمها سلطات إنفاذ القانون للوصول إلى الصور والرسائل وغيرها من المواد، فما يخزن على "آيكلاود" والنسخ الاحتياطية تعد أهدافاً بارزة ومعتادة لأوامر التفتيش الأميركية، والتي يمكن تقديمها إلى "آبل" من دون علم المستخدم.
وقد اشتكت سلطات إنفاذ القانون حول العالم من زيادة استخدام التشفير في وسائل الاتصال التي تتجاوز حركة الهاتف البسيطة، والتي يمكن مراقبتها في الولايات المتحدة بإذن من المحكمة، وزعمت المملكة المتحدة ومكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي تحديداً بأن التشفير يسمح للإرهابيين ومرتكبي الاعتداءات على الأطفال بالاختباء بسهولة أكبر، وردت شركات التكنولوجيا، مؤكدة على الحق في الخصوصية في الاتصالات الشخصية، وجادلت بأن الأبواب الخلفية غالباً ما يستغلها المجرمون ويمكن إساءة استخدامها من قبل الأنظمة الاستبدادية.
تشفّر معظم الاتصالات الإلكترونية إلى حد ما أثناء مرورها عبر أنظمة مملوكة للقطاع الخاص قبل الوصول إلى وجهتها، وعادة ما يمكن للوسطاء، مثل مزودي البريد الإلكتروني وشركات الوصول إلى الإنترنت، الحصول على النص العادي الذي يوجهه مستخدم ما إذا طلبت الشرطة ذلك، لكن عدداً متزايداً من الخدمات تشفر من البداية إلى النهاية، مما يعني أنه لا يوجد وسيط لديه حق الوصول إلى المفاتيح الرقمية التي من شأنها فتح المحتوى، ويشمل ذلك رسائل "سيغنال" و"واتساب" و"ماسينجر" ومكالمات "آي مسجز" و"فيستايم" من "آبل"، وغالباً ما يفقد هذا المحتوى الحماية الشاملة التي يتمتع بها عند نسخه احتياطياً للتخزين في السحابة، لكن هذا لا يحدث مع خيار الحماية المتقدمة للبيانات من "آبل".
جعلت شركة آبل الخصوصية نقطةَ بيع لهواتفها لسنوات، وهو الموقف الذي عززته عام 2016 عندما نجحت في مقاومة أمر أميركي بإلغاء قفل هاتف آيفون لإرهابي ميت في سان برناردينو، في كاليفورنيا، وقد سعت منذ ذلك الحين للتوصل إلى حل وسط، مثل تطوير خطة لمسح أجهزة المستخدم بحثاً عن مواد غير قانونية، وأُجّلت هذه المبادرة بعد انتقادات حادة من الناشطين في مجال الخصوصية وخبراء الأمن الذين قالوا إنها ستقلب التكنولوجيا ضدّ العملاء بطرق لا يمكن التنبؤ بها.
إذا نجحت المملكة المتحدة في تأمين الوصول إلى البيانات المشفرة، فقد تضطر الدول الأخرى التي سمحت بالتخزين المشفر، مثل الصين، إلى المطالبة بالوصول إلى الباب الخلفي أيضاً، من باب المعاملة بالمثل، وهو ما قد يدفع "آبل" إلى سحب الخدمة بالكامل بدلاً من الامتثال.
لا يمكن القول إن تصاعد المعركة حول خصوصية التخزين في بريطانيا غير متوقع تماماً؛ عام 2022، أدان المسؤولون في المملكة المتحدة خطط "آبل" لتقديم تشفير قوي للتخزين. وقال متحدث باسم الحكومة لـ"ذا غارديان" حينها، في إشارة خاصة إلى قوانين سلامة الأطفال: "لا يمكن السماح للتشفير الشامل بإعاقة الجهود المبذولة للقبض على مرتكبي أخطر الجرائم".
وبعد تقديم وزارة الداخلية لـ"آبل" مسودة لما سيصبح أمر الحصول على الباب الخلفي، أعطت الشركة المشرعين والجمهور نظرة إلى ما قد ينتظرهم. خلال مناقشة في البرلمان، حذرت "آبل"، في مارس/ آذار الماضي، من أن القانون يسمح للحكومة بالمطالبة بأبواب خلفية يمكن توفيرها في أنحاء العالم كافة. وأضافت الشركة في مذكرة مكتوبة: "يمكن استخدام هذه الأحكام لإجبار شركة مثل آبل، التي لن تقوم أبداً ببناء باب خلفي في خدماتها، على سحب ميزات أمنية بالغة الأهمية علناً من السوق البريطانية، ما يحرم المستخدمين في المملكة المتحدة من هذه الحماية". وحاججت "آبل" آنذاك بأن استخدام هذا القانون ضد التشفير القوي يتعارض مع حكم أصدرته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، يقضي بأن أي قانون يلزم الشركات بإنتاج اتصالات مشفرة من البداية إلى النهاية "يهدد بفرض متطلبات على مقدمي مثل هذه الخدمات لإضعاف آلية التشفير لجميع المستخدمين" وينتهك الحق الأوروبي في الخصوصية.
ماذا يعني الأمر البريطاني لـ"غوغل" و"ميتا"؟
"غوغل" ستكون هدفاً أكبر لمسؤولي المملكة المتحدة، لأنها جعلت النسخ الاحتياطية لهواتف أندرويد مشفرة افتراضياً منذ عام 2018، رفض المتحدث باسم "غوغل"، إد فرنانديز، الكشف لـ"واشنطن بوست" عما إذا كانت أي حكومة قد سعت إلى الحصول على باب خلفي، لكنه ألمح إلى أنه لم ينفذ أي طلب مشابه. وقال: "لا يمكن لشركة غوغل الوصول إلى بيانات النسخ الاحتياطي المشفرة من البداية إلى النهاية لنظام أندرويد، حتى مع وجود أمر قانوني". وتقدم شركة ميتا أيضاً نسخاً احتياطية مشفرة لتطبيق واتساب، ورفض متحدث باسم "ميتا" التعليق على طلبات الحكومة، لكنه أشار إلى بيان شفافية على موقعها الإلكتروني يؤكد التزام الشركة بعدم توفير أي أبواب خلفية أو بنية ضعيفة.