التزييف العميق سلاح لتشويه سمعة الباكستانيات العاملات في المجال العام

03 ديسمبر 2024
وزيرة الإعلام في مقاطعة البنجاب عظمة بخاري (مرتاض علي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه السياسية الباكستانية عظمة بخاري تحديات بعد انتشار فيديو مفبرك بتقنية التزييف العميق، مما أثر على حالتها النفسية، وقررت مواجهة الموقف قانونياً.
- تقنية التزييف العميق تُستخدم لتشويه سمعة النساء في باكستان، خاصة العاملات في السياسة، مما يهدد مكانتهن ويعرضهن للعنف الأسري والاجتماعي.
- رغم وجود قوانين لمكافحة التزييف العميق، تواجه الحكومة انتقادات لاستخدامها لقمع المعارضة، مما يثير قلق الناشطين حول حرية التعبير وحق الوصول إلى المعلومات.

يطارد السياسية الباكستانية عظمة بخاري مقطع فيديو مفبرك بتقنية التزييف العميق "ذو طابع جنسي" نشر بهدف تشويه سمعتها بصفتها واحدة من النساء القلة اللواتي يشغلن مناصب قيادية في البلاد. وقالت بخاري، البالغة من العمر 48 عاماً وتشغل منصب وزيرة الإعلام لمقاطعة البنجاب الأكثر اكتظاظاً في البلاد: "شعرت بالانهيار عندما علمت بالأمر"، وفقاً لما نقلته وكالة فرانس برس.

تقنية التزييف العميق (Deepfake)، التي تُمكِّن من التلاعب بالصوت أو الصور أو الفيديوهات الأصلية، وسيلة تكنولوجية باتت أكثر إقناعاً وأسهل إنتاجاً مع انتشار الذكاء الاصطناعي واستخدامه بشكل واسع. وفي باكستان حيث المعرفة الإعلامية ضعيفة، تُستخدم تقنية التزييف العميق سلاحاً لتشويه سمعة النساء في المجال العام من خلال إيحاءات جنسية تلحق ضرراً بالغاً بسمعتهن في مجتمع يتميز بمعاييره المحافظة.

تتذكر بخاري، التي تظهر بانتظام على شاشات التلفزيون، كيف صمتت لعدة أيام بعد أن شاهدت الفيديو الذي يظهر وجهها مركباً على جسد ممثلة هندية في مشهد ذي طابع جنسي، والذي انتشر بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي. "لقد كان الأمر صعباً للغاية. شعرت بالاكتئاب"، لكن "ابنتي احتضنتني وقالت: أمي، عليكِ أن تقاومي"، وفقاً لـ"فرانس برس". لذا، قررت بخاري مواجهة الموقف قانونياً، وهي الآن تسعى لرفع قضية في المحكمة العليا في مدينة لاهور، لمحاسبة المسؤولين عن نشر هذا الفيديو الزائف، لكنها عندما تذهب إلى المحكمة "تجد نفسها مضطرة إلى تكرار وتأكيد أن الفيديو الذي يتم الحديث عنه مفبرك تماماً".

التزييف العميق سلاح قاتل

في باكستان، الدولة التي يبلغ عدد سكانها 240 مليون نسمة، شهد استخدام الإنترنت ارتفاعاً بارزاً أخيراً بفضل توفر الإنترنت المحمول بأسعار زهيدة. فوفقاً لموقع DataReportal، هناك نحو 110 ملايين باكستاني متصل بالإنترنت في يناير/كانون الثاني الماضي، أي بزيادة قدرها 24 مليون مستخدم مقارنة ببداية عام 2023. وفي انتخابات هذا العام، كانت تقنية التزييف العميق في صلب النقاشات الرقمية. ففي حين كان رئيس الوزراء السابق عمران خان قابعاً في السجن، استخدم فريقه أداة ذكاء اصطناعي لإنشاء خطب بصوته ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، مما أتاح له مواصلة حملته الانتخابية من خلف القضبان.

يستهدف الرجال العاملين في مجال السياسة في باكستان بسبب قضايا تتعلق بالفساد أو أيديولوجياتهم أو مكانتهم، لكن استهداف النساء الباكستانيات العاملات في السياسة يركز على حياتهن الشخصية والجوانب المتعلقة بالجنس، حيث يعتبر التزييف العميق أداة تسهل مثل هذه الاتهامات. ويقول الخبير الأميركي في الذكاء الاصطناعي هنري أجدر لوكالة فرانس برس:  "عندما يتم اتهام النساء، فإن الاتهامات تدور عادة حول حياتهن الجنسية أو الشخصية، مثل ما إذا كن أمهات صالحات أو زوجات مثاليات". ويضيف: "لهذا السبب، تُعد تقنية التزييف العميق سلاحاً ضاراً للغاية".

فمكانة المرأة عادة ما ترتبط بـ"الشرف"، حيث تُقتل مئات النساء سنوياً، غالباً على أيدي أفراد من أسرهن، بسبب ما يُعتبر إهانة لهذا الشرف. تصف بخاري الفيديو الذي استهدفها بأنه "إباحي"، مشيرة إلى أن مجرد الإيحاء بوجود عناق أو تفاعل اجتماعي غير مناسب مع الرجال يمكن أن يُستخدم لإلحاق الضرر بسمعة النساء في بلد يُعاقب فيه على العلاقات الجنسية والمعاشرة خارج إطار الزواج.

في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، دحضت وكالة فرانس برس مقطع فيديو زائفاً يظهر النائبة الإقليمية مينا مجيد وهي تعانق رئيس وزراء إقليم بلوشستان، ووصفت التعليقات المرافقة له على وسائل التواصل الاجتماعي المشهد بأنه "تجاوز للحدود، وإهانة لثقافة بلوش". كما أشارت بخاري إلى أن صوراً لها مع زوجها وابنها تم التلاعب بها أيضاً لتظهر وكأنها خرجت علناً مع أصدقاء رجال خارج إطار الزواج. ويتم تداول مقاطع فيديو مزيفة بشكل منتظم لرئيسة وزراء البنجاب مريم نواز شريف وكأنها ترقص مع زعماء المعارضة. وتقول صدف خان من منظمة غير حكومية باكستانية تُدعى "الإعلام من أجل الديمقراطية" لـ"فرانس برس": "عندما تُستهدف النساء بالتزييف العميق، تُعتبر صورهن غير أخلاقية، مما يُفقد أسرهن بأكملها شرفها". وتابعت: "هذا قد يضعهن في خطر".

مكافحة التزييف العميق

على الرغم من أن التزييف العميق أصبح منتشراً على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، فإن باكستان تمتلك قوانين تهدف إلى مكافحة استخدامه في حملات التضليل الإعلامي. وعام 2016، أقر حزب بخاري قانوناً "لمنع الجرائم الإلكترونية"، حيث تضمن نصوصاً ضد "التتبع الإلكتروني" ومنع نشر الصور أو مقاطع الفيديو من دون موافقة أصحابها "بطريقة تسبب الأذى". تؤكد بخاري ضرورة تعزيز هذا القانون ودعم تنفيذه عبر تدريب وحدات الجريمة الإلكترونية. وتقول: "بناء قدرات وحدة الجرائم الإلكترونية لدينا أمر بالغ الأهمية".

لكن الناشطين في حقوق الإنترنت انتقدوا الحكومة لاستخدام هذه التشريعات لقمع الأصوات المعارضة. فقد سبق أن حجبت السلطات منصات مثل "يوتيوب" و"تيك توك"، كما أن حظر منصة إكس (تويتر سابقاً) لا يزال قائماً منذ انتخابات فبراير/ شباط الماضي، عندما انتشرت ادعاءات بتزوير الأصوات على الموقع. وتقول الناشطة الرقمية نِغات داد، المقيمة في باكستان: "حجب هذه المواقع ليس سوى حل سريع للحكومة". وتضيف لـ"فرانس برس": "هذا الإجراء ينتهك حقوقاً أساسية أخرى، مثل حرية التعبير وحق الوصول إلى المعلومات".

المساهمون