ابتكار يعيد الرؤية لمرضى الضمور البقعي الجغرافي

04 نوفمبر 2025   |  آخر تحديث: 13:48 (توقيت القدس)
التجربة شملت 38 مريضاً في خمس دول أوروبية (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تم تطوير منظومة رؤية اصطناعية تتضمن شريحة تُزرع تحت شبكية العين ونظارات معززة بكاميرا، مما أعاد الأمل لمرضى الضمور البقعي الجغرافي، حيث تمكن 84% من المشاركين من قراءة الحروف والأرقام.

- الجهاز "بريما" هو غرسة لاسلكية تحول الضوء إلى إشارات كهربائية تُرسل للدماغ، وتعمل النظارات على إسقاط ضوء قريب من تحت الأحمر على الغرسة. تتضمن الجراحة إجراءً روتينياً في طب الشبكية.

- يعتمد نجاح التقنية على التأهيل البصري المكثف، ولم تُظهر الدراسة تدهوراً في الرؤية الطرفية، مما يعزز سلامة التقنية وإمكانية إتاحتها على نطاق واسع.

أعاد ابتكار طبي جديد الأمل إلى أشخاص فقدوا الرؤية بالكامل بسبب مرض الضمور البقعي الجغرافي المصاحب للضمور البقعي الجاف المرتبط بالتقدم في العمر، وهو مرض يسبب موت خلايا شبكية العين، ويؤدي إلى ظهور بقع عمياء في الرؤية المركزية. ويُسمّى "الجغرافي" لأن مناطق الضمور تبدو على شكل بقع تشبه الخريطة عند فحص الشبكية.

بفضل منظومة رؤية اصطناعية تجمع بين شريحة إلكترونية تُزرع تحت شبكية العين ونظارات واقع معزّز مزودة بكاميرا، وحاسوب صغير محمول على الخصر، تمكن مرضى الضمور البقعي الجغرافي من قراءة الحروف والأرقام والكلمات من جديد، وفقاً لنتائج دراسة جديدة نُشرت يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي في مجلة New England Journal of Medicine.

أظهرت نتائج التجربة السريرية أن 84% من المشاركين تمكنوا من القراءة عبر العين المعالجة مستخدمين الرؤية الاصطناعية. وبحسب الفريق البحثي، حقق المرضى متوسطاً يقارب خمسة سطور إضافية على لوحة فحص البصر القياسية، رغم أن بعضهم لم يكن قادراً على رؤية اللوحة أصلاً قبل الجراحة. شملت التجربة 38 مريضاً في 17 مركزاً طبياً عبر خمس دول هي ألمانيا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وإيطاليا، وهولندا. جميع المشاركين كانوا قد فقدوا الرؤية المركزية كلياً في العين موضوع الدراسة بسبب الضمور البقعي الجغرافي ولم يبق لديهم سوى قدر محدود من الرؤية الطرفية.

يوضح الباحث المشارك في الدراسة، ماهي مقيت (Mahi Muqit)، الأستاذ المشارك في معهد طب العيون في جامعة لندن، أن هذا الضمور البقعي الجغرافي يحدث حين تتلاشى الخلايا الحساسة للضوء في مركز الشبكية عبر سنوات، فيفقد المريض القدرة على القراءة والكتابة والتعرف إلى الوجوه ومتابعة التفاصيل الدقيقة. ورغم العبء الكبير عالمياً، إذ تُقدّر الإصابة بالضمور البقعي الجغرافي بنحو خمسة ملايين شخص، لا يوجد حتى الآن علاج معتمد يوقف فقدان الرؤية المركزية أو يعيدها.

يضيف مقيت في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن الجهاز المستخدم يُدعى "بريما"، وهو غرسة لاسلكية رفيعة للغاية تشبه شريحة هاتف صغيرة بحجم 2×2 مليمتر وبسماكة تقارب 30 ميكرون، أي أقل من نصف سمك شعرة إنسان. تُزرع الغرسة في الطبقة تحت الشبكية أسفل المنطقة البقعية المتضررة، إذ تقع تحت الخلايا التي فقدت وظيفتها. "يعمل النظام بالاقتران مع نظارات مزودة بكاميرا فيديو مرتبطة بحاسوب جيبي صغير. تُسقط النظارات ضوءاً قريباً من تحت الأحمر على الغرسة التي تعمل مثل لوح شمسي مصغّر يحوّل نمط الضوء إلى إشارات كهربائية تنتقل عبر ما تبقى من الخلايا الشبكية، ثم عبر العصب البصري إلى الدماغ حيث تُفسّر بوصفها صورة. يتولى الحاسوب تشغيل خوارزميات ذكاء اصطناعي لمعالجة المشهد وتحسين التباين، كما تتيح ميزة التقريب تكبير الحروف والكلمات لتسهيل القراءة"، يقول الباحث.

تعتمد الجراحة إجراءً روتينياً في طب الشبكية هو استئصال الجسم الزجاجي لإخلاء الحيز خلف العدسة، ثم يصنع الجراح فتحة صغيرة أشبه بباب منزلق تحت مركز الشبكية لتمرير الشريحة الرقيقة وتثبيتها في موضعها، وفقاً لمقيت، الذي يشرح أنه بعد نحو شهر، وبعد استقرار العين وتعافي الأنسجة، تُفعّل الشريحة ويبدأ برنامج تأهيل بصري مكثّف يتعلم خلاله المريض كيفية استخدام الرؤية الاصطناعية الجديدة، والقيام بحركات مسح بالنظارات، وضبط التقريب والتركيز على النصوص والأهداف.

يؤكد الفريق البحثي أن النجاح يعتمد بدرجة كبيرة على هذا التأهيل، فالفكرة ليست زرع شريحة ثم استعادة الرؤية تلقائياً، بل تعلم نمط جديد من الإحساس البصري يتطلب ساعات تدريب منتظمة. ومن النقاط المهمة التي رصدتها التجربة عدم حدوث تراجع يُذكر في الرؤية الطرفية الموجودة مسبقاً لدى المشاركين.

يعتقد مقيت أن النتائج تمثل بداية عصر جديد في تاريخ الرؤية الاصطناعية، لافتاً إلى أن مرضى كانوا يعيشون في ظلام الرؤية المركزية باتوا يمتلكون قدرة وظيفية حقيقية، وهو أمر غير مسبوق. وأضاف أن جراحة زرع شريحة "بريما" يمكن إجراؤها في أقل من ساعتين على يد جراح مدرّب، ما يعد عاملاً حاسماً لإتاحة العلاج على نطاق واسع في حال الحصول على الموافقات التنظيمية.

من ناحية السلامة، لم ترصد الدراسة تدهوراً ملحوظاً في الرؤية الطرفية، ما يبدّد مخاوف التدخل في عين حساسة. وفاعليةً، تُعد نسبة 84% التي تمكنت من القراءة مؤشراً قوياً على جدوى التقنية في فئة مرضى فقدوا مركز الرؤية بالكامل.

"ورغم أن اختبارات القراءة تمت غالباً على تباين بسيط مثل حروف سوداء على خلفية بيضاء، يمثل التحسن في القدرة على تمييز الحروف والأرقام والكلمات قفزةً نوعيةً في جودة الحياة، إذ تُظهر الأبحاث أن القراءة من أكثر القدرات افتقاداً لدى من يتدهور بصرهم تدريجياً"، يقول مقيت.

المساهمون