6 نقاط ضعف تهدّد الاقتصاد الأميركي بالركود وتقض مضجع إدارة ترامب.. ما علاقة حرب الفائدة مع باول؟
استمع إلى الملخص
- تأثر قطاع العقارات بسياسات نقدية متشددة، حيث تراجعت مبيعات المنازل وارتفعت كلفة التمويل، بينما شهد سوق العمل تباطؤاً في التوظيف وارتفاع البطالة إلى 4.2%.
- تواجه الولايات المتحدة تحديات مالية مع تجاوز الدين العام 34 تريليون دولار، وتوترات جيوسياسية وتجارية تزيد من تكلفة الواردات وتؤثر على التجارة.
رغم صمود الاقتصاد الأميركي نسبياً في وجه التضخم خلال العامين الماضيين، بدأت التحديات البنيوية والمرحلية التي تعصف به تتراكم على نحو يهدد الزخم الاقتصادي، إذ يبدو أن قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الإبقاء على أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة يضع الاقتصاد تحت عبء ثقيل ينعكس على عدة قطاعات حيوية، من سوق العمل إلى العقارات والمالية العامة. والواقع أن السجال المحتدم بين إدارة الرئيس دونالد ترامب من جهة، ورئيس الاحتياطي جيروم باول
في الجهة المقابلة لا يأتي من فراغ، بل من مجموعة نقاط ضعف تعتري الاقتصاد الأميركي المهدد بالركود، مع ما قد يعنيه ذلك من سقوط مدوّ للأحلام الوردية التي يعد بها ترامب ناخبيه.1- كلفة الفائدة المرتفعة: كبح التضخم مقابل تباطؤ النمو
منذ مارس/آذار 2022، رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بشكل متسارع لتصل في منتصف 2025 إلى نطاق يراوح بين 5.25% و5.50%، في محاولة للجم التضخم الذي كان قد بلغ ذروته منتصف 2022. ورغم أن هذه السياسات أدت إلى تراجع ملحوظ في معدل التضخم، بدأت تداعياتها تزداد ثقلاً على النمو الاقتصادي، إذ تراجعت وتيرة الاستهلاك بسبب ارتفاع كلفة الاقتراض على الأفراد والشركات، بحسب شركة "بنكرايت" (Bankrate) المالية الأميركية المتخصصة في تقديم المعلومات والتحليلات حول المنتجات المصرفية والمالية. ووفقاً لتقرير صادر عن شركة الخدمات المالية الأميركية المتخصصة في إدارة الثروات والخدمات المصرفية الاستثمارية والبحوث الاقتصادية والتحليل المالي "رايموند جايمز" (Raymond James) في يوليو/تموز الجاري، فإن هذه الفائدة المرتفعة سبّبت تراجع الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية، كما انعكست سلباً على معنويات الشركات تجاه التوسع والاقتراض.
2- دخول سوق الإسكان دائرة الانكماش
تأثر قطاع العقارات بشكل مباشر بالسياسة النقدية المتشددة. فقد أظهرت بيانات اقتصادية نشرتها "ديلويت" (Deloitte) أن مبيعات المنازل الجديدة تراجعت بنسبة قاربت 15% على أساس سنوي في منتصف 2025، في وقت تشهد فيه كلفة التمويل العقاري ارتفاعاً حادّاً، مما أدى إلى عزوف كثير من الأميركيين عن شراء العقارات. وأفاد تقرير "رايموند جايمز" بأن مديري المشاريع العقارية أبلغوا عن تدهور الثقة، فيما بقيت معدلات الرهن العقاري مرتفعة نتيجة ارتفاع عوائد السندات الحكومية طويلة الأجل، مما زاد من جمود السوق.
3- تباطؤ التوظيف وسوق العمل
رغم أن سوق العمل الأميركي ما زال يظهر بعض القوة، تشير المؤشرات الأخيرة إلى تباطؤ ملحوظ. ووفق ما نقلته المنصة التعليمية والإعلامية المتخصصة في المجال المالي والاقتصادي "إنفستوبيديا" (Investopedia) في يوليو/تموز الجاري، فإن الاقتصاد الأميركي أضاف فقط نحو 100 ألف وظيفة خلال يوليو، مقارنة بـ 147 ألفاً في يونيو/حزيران، ما يعكس تراجعاً في زخم التوظيف. وترافق ذلك مع ارتفاع معدل البطالة إلى 4.2%، في ظل موجات تسريح لافتة في قطاعي التكنولوجيا والنقل، وتراجع معدل نمو الأجور، خاصة في الولايات الغربية.
4- تفاقم الاختلالات المالية وخطر "الهيمنة المالية"
تواجه الولايات المتحدة تحدياً كبيراً على صعيد المالية العامة. فقد تجاوز الدين العام الأميركي 34 تريليون دولار، في وقت يتجاوز العجز السنوي تريليون دولار، بحسب تحليل صادر عن المؤسسة البحثية المستقلة "بروكينغز إنستيتيوشن" (Brookings Institution). ويؤدي ارتفاع الفائدة إلى تضاعف كلفة خدمة هذا الدين، مما يفاقم الضغط على الموازنة الفيدرالية، وسط تحذيرات من تحوّل الوضع إلى ما يُعرف بـ"الهيمنة المالية" (Fiscal Dominance)، حيث تؤثر قيود العجز والدين على استقلالية السياسة النقدية.
5- منحنى العائدات يُدق ناقوس خط ركود الاقتصاد الأميركي
من أبرز المؤشرات التحذيرية التي بدأت تُقلق المستثمرين هو انقلاب منحنى العائدات، أي إن العائد على السندات قصيرة الأجل بات أعلى من العائد على السندات طويلة الأجل. وهو مؤشر تقليدي يُعتبر تاريخياً نذيراً للركود الاقتصادي في الولايات المتحدة. ففي يوليو 2025، بلغ العائد على سندات الخزانة الأميركية لمدة 10 سنوات نحو 4.40%، بينما بلغ عائد سندات 3 أشهر نحو 4.41%، أي إن الفرق بينهما أصبح –0.01%، وهو ما يسمى "منحنى مقلوباً" (Inverted Yield Curve). ورغم أن هذا الانعكاس طفيف نسبياً، يبقى إشارة قوية على تراجع ثقة السوق في النمو الاقتصادي المستقبلي، ويعيد إلى الأذهان أن كل حالات الركود الكبرى في أميركا منذ السبعينيات سبقتها ظاهرة مشابهة.
عندما تكون الفائدة على القروض القصيرة الأجل أعلى من الطويلة، يعني هذا أن المستثمرين لا يثقون بالمستقبل القريب. مثلاً: لماذا يقبل الأميركي أو الأجنبي أن يقرض الحكومة 10 سنوات بفائدة أقل من 3 أشهر؟ لأنه يتوقع أن الوضع الاقتصادي سيتدهور، والفائدة ستنخفض لاحقاً. وهذه الظاهرة حدثت الآن بالفعل. فالفائدة على سندات 3 أشهر أعلى من 10 سنوات، وهو ما يُسمى "انعكاس منحنى العائدات"، وقد سبق كل ركود اقتصادي كبير في تاريخ أميركا الحديث.
6- ضغوط خارجية: توترات تجارية وسياسية
في موازاة الضغوط الداخلية، تزداد تأثيرات التوترات الجيوسياسية والتجارية. فقد أعاد الرئيس السابق دونالد ترامب طرح مسألة الرسوم الجمركية على السلع المستوردة في برنامجه الانتخابي، ما أثار قلق الأسواق من جولة جديدة من الحروب التجارية، بحسب تقرير جديد صادر عن خدمة "ياهو فاينانس" (Yahoo Finance). كما أن استمرار التوتر في البحر الأحمر وأوكرانيا، إضافة إلى توترات سلسلة التوريد، يزيد من تكلفة الواردات ويؤثر سلباً في التجارة الأميركية. وهو ما يحاول ترامب تداركه من خلال سياسة حمائية ترفع الرسوم الجمركية على الشركاء التجاريين، حلفاء كانوا أم خصوماً أم أعداء.