استمع إلى الملخص
- تُعد كاليفورنيا من أكبر محركات الاقتصاد الأميركي بناتج محلي إجمالي 4.2 تريليونات دولار في 2024، وتتميز بقطاعات قوية مثل التكنولوجيا والزراعة والترفيه.
- تواجه كاليفورنيا تحديات مثل أزمة الإسكان والكوارث البيئية، وتبرز النقاشات حول "كاليكست" التوترات الأيديولوجية والاقتصادية مع الإدارة الفيدرالية.
اعتاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أن يهدّد ويبتزّ الدول الغنية والفقيرة على السواء، حليفة كانت أو خصمة أو عدوّة، لتحقيق مكاسب يتوخى حصدها منذ البداية. رجل الأعمال الساعي إلى "عقد الصفقات تحت تأثير القوّة" يبدو أنه بعيد حتى اللحظة عن تسوية الأوضاع في ولاية كاليفورنيا التي تدفع الآن ثمن سياساته الجامحة المتصلة بالهجرة. والسبب في قوة موقف هذه الولاية أنها تُعد إحدى أهم "الولايات المانحة" لسلطة واشنطن المركزية. فالولايات المتحدة التي لطالما كانت في طليعة الدول المانحة عالمياً، تجد نفسها في الداخل "تستعطي" كاليفورنيا وبعض الولايات الأُخرى لدعم موازنتها الفيدرالية.
التصعيد بين ترامب وحاكم كاليفورنيا غافن نيوسوم بلغ ذروته خلال الأيام الثلاثة الماضية، ولا سيما بعدما كتب الرئيس على منصة "تروث سوشال" (Truth Social) السبت الفائت، أنه "إذا لم يتمكن حاكم كاليفورنيا، غافن نيوسوم، ورئيسة بلدية لوس أنجليس، كارين باس، من القيام بعملهما، فإن الحكومة الفيدرالية ستتدخل وتحل مشكلة أعمال الشغب والنهب بالطريقة التي ينبغي حلها!".
وبعد نشر الحرس الوطني في لوس أنجليس، أشار ترامب إلى أن "المظاهرات اليسارية المتطرفة" لن يُسمح بها، ووجّه الشكر للحرس الوطني على ما سمّاه "العمل الممتاز"، داعياً إلى حظر ارتداء الكمامات في التظاهرات. كما شدّد ترامب، وفق تقرير أوردته صحيفة فايننشال تايمز، على أن نشر 2000 جندي في لوس أنجليس بدون إذن من الولاية هو خطوة لتحدي سلطات الولاية الديمقراطية ومعالجة ما وصفه بـ"اضطرابات مرتبطة بالهجرة".
وفي المقابل، وصف حاكم كاليفورنيا نشر الحرس الوطني بأنه "استفزاز متعمّد" وانتهاك لسيادة الولاية، وطالب بسحب القوات فوراً. كما اتهم ترامب بإساءات سلطوية، ويستخدم هذا الواقع لصالحه بحملة مالية تحذيرية تهدّد بتجميد المساهمات الضريبية الفيدرالية للولاية، وهي مبادرة صادمة نظراً لحجم الأموال التي تموّل بها كاليفورنيا الخزينة الفيدرالية. ووصف خطوة ترامب بـ"الاستفزاز الخطير الذي سيزيد التوتر"، محذراً من استخدامها أداةً سياسية ضد الولاية. وعبر منصة "إكس" (X)، رد نيوسوم على تهديدات ترامب بتجميد التمويل، فكتب في تغريدة له أن "سكان كاليفورنيا يدفعون فواتير الحكومة الفيدرالية. ندفع ضرائب تزيد بأكثر من 80 مليار دولار عما نتلقاه. ربما حان الوقت لإيقاف هذه الضرائب".
Californians pay the bills for the federal government.
— Gavin Newsom (@GavinNewsom) June 6, 2025
We pay over $80 BILLION more in taxes than we get back.
Maybe it’s time to cut that off, @realDonaldTrump. pic.twitter.com/lwFHFSgSyJ
عناصر القوة الاقتصادية التي تتميز بها كاليفورنيا
منذ نشأة الولايات المتحدة، شكّلت كاليفورنيا أحد أبرز محركات الاقتصاد الأميركي. لكنها الآن، باتت أكثر من مجرد ولاية مزدهرة، فهي عملاق اقتصادي مستقل يرفد الموازنة الفيدرالية بمليارات الدولارات، ويتحكم فعلياً في معادلة الإنفاق والإيرادات. ومع تصاعد التوترات السياسية بين الحكومة الفيدرالية برئاسة دونالد ترامب وحاكم الولاية الديمقراطي غافن نيوسوم، طفت إلى السطح مجدداً أسئلة جوهرية حول موقع كاليفورنيا في الاقتصاد الفيدرالي، وحدود علاقتها بواشنطن، وهل يمكن للولاية فعلاً أن تلوّح بسلاحها الضريبي إذا اشتد الخلاف السياسي. ومع أنّ تصريحات نيوسوم ليست جديدة من حيث المضمون، لكنها تلوّح للمرة الأولى بسلاح الامتناع عن تمويل الخزينة الفيدرالية، وهو ما يعتبر سابقة سياسية خطيرة تمس بوحدة دولة اتحادية تمثل أكبر اقتصاد في العالم.
كاليفورنيا اقتصادياً بالوقائع والأرقام
وفقاً لبيانات "مكتب التحليل الاقتصادي" الأميركي (BEA)، ناهز الناتج المحلي الإجمالي لكاليفورنيا 4.2 تريليونات دولار عام 2024، ما يجعلها الولاية صاحبة أكبر اقتصاد في البلاد، والرابعة عالمياً إذا ما قورنت بالدول. وبفارق واضح، تتجاوز كاليفورنيا اقتصادات المملكة المتحدة والهند من حيث حجم الناتج المحلي، وتقترب من ألمانيا. كما يقطن في الولاية أكثر من 39 مليون نسمة، وتُعد مركزاً عالمياً لصناعات التكنولوجيا (وادي السيليكون) والسينما (هوليوود) والزراعة والطاقة المتجددة والبحث العلمي. وتتخذ من كاليفورنيا مقراً أكثر من 50 شركة من الشركات المدرجة على لائحة مجلة "فورتشن" (Fortune 500) وأبرزها "إنتل" (Intel) و"ميتا" (Meta) وغوغل" (Google) و"آبل" (Apple) و"ديزني" (Disney). وفي تفاصيل أبرزها المكتب في تقريره:
1 - وادي السيليكون
يمثل الوادي الممتد من سان خوسيه إلى سان فرانسيسكو، قلب الابتكار الرقمي العالمي. إذ تصدّر الشركات التقنية الكبرى من هناك منتجات وخدمات تجذب تريليونات من العائدات سنوياً وتُدر ضرائب ضخمة للحكومة الفيدرالية.
2 - الزراعة
تمتلك كاليفورنيا أكبر قطاع زراعي في البلاد، بإنتاج سنوي يتجاوز 50 مليار دولار. وتصدّر منتجاتها إلى جميع الولايات وإلى أكثر من 150 دولة. وتشكل الزراعة، إلى جانب الصناعات الغذائية، مصدراً مهماً للضرائب والعمالة.
3 - الترفيه والإعلام
هوليوود ليست فقط رمزاً للثقافة الشعبية، بل تمثل صناعة بمليارات الدولارات تُغذي السياحة والإعلام، وتسهم في تعزيز "القوة الناعمة" الأميركية.
4 - البحث العلمي والتعليم العالي
تخرّج جامعات مثل "ستانفورد" (Stanford) و"يو سي بيركلي" (UC Berkeley) و"كالتيك" (Caltech) الآلاف من الباحثين والعلماء، وتستقطب تمويلاً فيدرالياً ضخماً للأبحاث، لكنها في المقابل تولّد عائدات اقتصادية عالية.
كاليفورنيا مموّل رئيسي للخزينة الأميركية
إلى ذلك، تُظهر بيانات "مركز الميزانية وأولويات السياسات" (CBPP) أن كاليفورنيا تساهم بأكثر من 480 مليار دولار سنوياً في الإيرادات الفيدرالية، بينما تتلقى فقط نحو 400 مليار دولار على شكل إنفاق فيدرالي، بما يجعلها "ولاية مانحة" (Donor State) بامتياز، حيث تدفع أكثر مما تستلم. وبحسب دراسة حديثة لمعهد "روكفلر"، كل دولار يدفعه سكان كاليفورنيا للحكومة الفيدرالية يعود إليهم بـ 74 سنتاً فقط. في المقابل، ولايات مثل كنتاكي أو ميسيسيبي تحصل على ما بين 1.3 دولار إلى دولارين عن كل دولار تدفعه. وهذا الفائض الضريبي يُستخدم عادة لتمويل برامج فيدرالية مثل "ميديك أيد" (Medicaid) والدفاع والبنية التحتية والمساعدات الاجتماعية في ولايات أخرى.
ماذا لو انفصلت كاليفورنيا عن الولايات المتحدة؟
بقيادتها الديمقراطية، تمثل كاليفورنيا نموذجاً مضاداً للإدارة الجمهورية بقيادة ترامب، سواء في سياسات الضرائب والمناخ والهجرة أو الحقوق المدنية. وبالتالي، فإن الصراع بين واشنطن وساكرامنتو ليس مجرد خلاف إداري، بل مواجهة أيديولوجية لها تبعات اقتصادية. من ذلك أن الولاية اتخذت الولاية خطوات مستقلة في حماية البيئة تتجاوز المعايير الفيدرالية، مما دفع إدارة ترامب سابقاً إلى الطعن في "استقلالية كاليفورنيا التنظيمية"، وهدّد بسحب التمويل الفيدرالي عن برامج النقل والبنية التحتية.
ورغم أن فكرة انفصال كاليفورنيا غير دستورية وغير واقعية عملياً، فإن النقاشات النظرية حول "كاليكست" "Calexit" تعكس الشعور المتصاعد بأن الولاية قد تعيش فعلياً بمنطق "دولة داخل الدولة". وفي حال توقفت كاليفورنيا عن تحويل ضرائبها الفيدرالية حتى جزئياً، فإن ذلك يؤدي إلى عجز فوري في الموازنة الفيدرالية، انخفاض في قدرة الحكومة على تمويل البرامج الاجتماعية، توترات قانونية حول دستورية الإجراء. لكن بالمقابل، قد تواجه كاليفورنيا عقوبات أو تخفيضات حادة في التمويل الفيدرالي المتعلق بالبنية التحتية، التعليم، والصحة.
ورغم قوتها الاقتصادية، تواجه الولاية عدداً من التحديات التي قد تؤثر في قدرتها التمويلية. ومن ذلك أزمة الإسكان والتشرد التي تضاعفت في العقد الأخير، بما يضغط على الميزانية المحلية. وتُضاف إلى ذلك الكوارث البيئية كالحرائق والجفاف، والتي تكلفها المليارات سنوياً. وكذلك الهجرة غير النظامية التي تستنزف الموارد والخدمات، وهجرة الشركات بسبب الضرائب المرتفعة.