- يقترح الخبراء إصلاحات تشمل استعادة استقلالية المصرف المركزي، تطبيق معايير "بازل"، وفصل المصارف عن النفوذ السياسي، بالإضافة إلى إنشاء هيئة لمحاسبة الفاسدين وتفعيل مكافحة غسيل الأموال.
- تتضمن الإصلاحات تثبيت سعر الصرف، وقف التمويل النقدي للعجز، وإعادة هيكلة المصارف الحكومية، مع ضمان الودائع والتحالف مع دول غير خاضعة للعقوبات.
يحتاج القطاع المالي والمصرفي في سورية إلى إصلاحات كثيرة ومهمة لإعادة إحيائه وبناء الثقة به، وخاصة بعد السياسات الكارثية التي اتخذها النظام السابق، والتي أدت إلى تدمير القطاع الحيوي وانهيار قيمة الليرة السورية وغير ذلك من الآثار السلبية، أما اليوم، فإن هذا القطاع يحتاج تشخيصاً كاملاً لوضع الخطة الأنسب.
وهو ما عبر عنه وزير المالية محمد يسر برنية الذي أكد، خلال اجتماعه مع مدير إدارة الأسواق النقدية والرأسمالية في صندوق النقد الدولي أدريان توبياس وفريقه يوم 27 إبريل/نيسان، أن البلاد ستكون ورشة عمل كاملة للإصلاح المالي والاقتصادي في كافة المسارات والمجالات خلال الفترة المقبلة.
نظام مركزي فاسد
عن الإصلاحات المتوقعة، يشير الخبير الاقتصادي والمصرفي إبراهيم قوشجي إلى أن الاقتصاد السوري يواجه أزمات هيكلية عميقة نتيجة سياسات النظام السابق، التي أدت إلى تدمير المنظومة النقدية والمصرفية، وانهيار قيمة العملة، وانتشار الفساد، فخلال العقود الخمسة الماضية، اعتمد الاقتصاد السوري على نظام مركزي فاسد، حوَّل المؤسسات المالية إلى أدوات لتمويل السلطة ورجالها بدلاً من دعم التنمية. ما أدى إلى تشويه دور المصارف، وتعطيل السياسات النقدية، وانهيار سعر صرف الليرة، وتفشي الاقتصاد الموازي.
معتبراً في تصريحه لـ"العربي الجديد" أن السياسات الاقتصادية التي أسسها النظام البائد غير مستدامة، إذ تمثلت في تمويل النفقات الحكومية من دون اعتبار للتوازنات الماكرواقتصادية، وتشويه القطاع المصرفي بتحويل البنوك من مؤسسات تمويل تنموي إلى قنوات للفساد والتهريب، وعدم تطوير مصرف سورية المركزي أدى إلى فقدانه السيطرة على السياسة النقدية، وعدم القدرة على معالجة التضخم أو إدارة سعر الصرف، ما جعل المناخ الاستثماري طارداً للاستثمارات.
وحول مظاهر الأزمة النقدية للسياسات التي اتبعها النظام السابق، يستذكر قوشجي منها: انهيار العملة، حيث فقدت الليرة السورية أكثر من 90% من قيمتها، مع عجز المصرف المركزي عن كبح المضاربات، إضافة إلى انتشار السوق الموازية، إذ تحكمت شبكات الفساد بتداول العملات الأجنبية، ما زاد من حالة عدم الاستقرار. كما أشار قوشجي إلى أن هذه المظاهر تتمثل أيضاً في تآكل التحويلات الخارجية بسبب فقدان الثقة بالنظام المصرفي ما قلص مصادر النقد الأجنبي، وانهيار الاستثمار نتيجة غياب البيئة التشريعية الآمنة وانتشار الفساد.
فصل المصارف عن النفوذ
واقترح قوشجي عدة آليات يمكن تنفيذها لإعادة بناء النظام النقدي، منها الإصلاح الهيكلي للمصرف المركزي من خلال استعادة استقلاليته في وضع السياسات النقدية، واعتماد الشفافية في إصدار التقارير المالية، وتطوير أدوات مراقبة تدفق العملات الأجنبية. ومن تلك الآليات أيضاً، إصلاح القطاع المصرفي بالمجمل من خلال تطبيق معايير "بازل" للرقابة المصرفية، ومكافحة غسل الأموال عبر رقمنة العمليات المصرفية، وفصل المصارف عن النفوذ السياسي لضمان نزاهتها.
كما اقترح الخبير المصرفي ضرورة معالجة الفساد الهيكلي عن طريق إنشاء هيئة مستقلة لمحاسبة الفاسدين واسترداد الأموال المهربة، وتفعيل هيئة مكافحة غسيل الأموال، وإصلاح النظام الضريبي لزيادة الإيرادات الحكومية، وإعادة دخل الدولة من أملاكها إلى الخزينة العامة للدولة.
سياسات غير مرنة
ويتفق الخبير الاقتصادي عبد الرحمن محمد مع قوشجي بأن السياسات الاقتصادية الخاطئة للنظام السابق أدت إلى خلق أزمة اقتصادية ونقدية في سورية، معتبراً في تصريحه لـ"العربي الجديد" أن نظام الأسد اعتمد سياسات مركزية غير مرنة، مثل التمويل بالعجز عبر الطباعة النقدية (التوسع النقدي غير المدعوم)، ما أدى إلى تضخم جامح وانهيار قيمة الليرة السورية (من حوال 50 ليرة للدولار عام 2011 إلى 15 ألف ليرة في نهاية عام 2024).
وأشار محمد إلى أن العقوبات الاقتصادية الدولية أدت إلى عزل النظام المصرفي السوري عن النظام المالي العالمي، ما أفقد المصارف القدرة على التعامل بالعملات الأجنبية وأدى إلى تفشي الاقتصاد الموازي، كما كان للفساد المالي والإداري دور كبير في تفاقم تلك الأزمة.
اقتراحات إصلاحية
واقترح محمد خطوات متدرجة لإصلاح النظام النقدي والمصرفي، أولها: إصلاح السياسة النقدية: وذلك من خلال تثبيت سعر الصرف عبر إنشاء صندوق نقدي، حيث يمكن للمصرف المركزي إنشاء صندوق مدعوم باحتياطيات من الذهب أو العملات الأجنبية (حتى لو كانت محدودة) لضبط تذبذب الليرة السورية، ووقف التمويل النقدي للعجز الحكومي، إذ يجب فصل السياسة النقدية عن المالية العامة والحد من طباعة الليرة غير المدعومة، أما ثاني الخطوات فهي إصلاح الجهاز المصرفي عن طريق إعادة هيكلة المصارف الحكومية من خلال إجراء خصخصة جزئية للمصارف مع ضوابط شفافة، وتعزيز الرقابة المستقلة.
ولاستعادة الثقة، يشير محمد إلى ضرورة ضمان الودائع من خلال إنشاء صندوق مخصص لذلك لطمأنه المودعين، كما تجب مكافحة غسيل الأموال من خلال تعزيز التشريعات والرقابة على التحويلات المالية المشبوهة. وأكد محمد أنه يمكن إنعاش العمل المصرفي من دون رفع العقوبات من خلال حلول بديلة تتمثل في الاعتماد على التحالفات الإقليمية، كالتعامل مع مصارف من دول غير خاضعة للعقوبات (مثل روسيا، الصين، وتركيا أو بعض الدول العربية).