ترامب ينهي عصر "الدعم الناعم"... وكالة التنمية الأميركية نحو الإغلاق ومشروعات في 130 دولة ستتوقف

04 فبراير 2025
ترامب يوقع سلسلة من الأوامر التنفيذية في البيت الأبيض بواشنطن في 20 يناير 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يسعى الرئيس ترامب لإغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) للسيطرة على "المال السياسي" وتقليص الإنفاق، مما أثار جدلاً واسعاً ووصفها بأنها تُدار من "مجانين متطرفين".
- تأسست الوكالة في 1961 وتعمل في 130 دولة بميزانية 40 مليار دولار لتمويل مشاريع تنموية وصحية، وتجميد تمويلها يهدد برامج حيوية في مناطق النزاع والفقر.
- قرار الإغلاق يثير مخاوف من تراجع النفوذ الأميركي عالمياً، بينما يرى مؤيدو ترامب أنها تحمل أجندة يسارية لا تتماشى مع سياسة "أميركا أولاً".

بدا الرئيس الأميركي دونالد ترامب عازما على السيطرة على كل ما يندرج تحت قائمة "المال السياسي" في إطار بسط نفوذه داخلياً وخارجياً، إذ يتجه لإغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) المسؤولة عن تمويل مشروعات تنموية وصحية وإغاثية في نحو 130 دولة، وينظر إليها على أنها ذراع سياسية ناعمة لأميركا، بينما يرفع ترامب شعار "أميركا أولاً" غير مكترث للتحذيرات من تداعيات هذه الخطوة على مكانة أميركا عالمياً وتضاؤل حضورها "الناعم" في مواجهة تمدد الصين.

على مدار الأيام الماضية، شنّ ترامب والملياردير إيلون ماسك، الذي يقود جهود الرئيس الأميركي لتقليص حجم إنفاق الحكومة الاتحادية، هجوماً عنيفاً، على الوكالة المعنية بالمساعدات الخارجية، والتي شهدت بالفعل تجميد معظم تمويلها ضمن أوامر تنفيذية صادرة عن ترامب بعد نحو أسبوع واحد من توليه الرئاسة في العشرين من يناير/ كانون الثاني الماضي. وقال الرئيس الجمهوري إن هذه الوكالة الرسمية للمساعدات الإنمائية التي تبلغ ميزانيتها نحو 40 مليار دولار سنوياً "يُديرها مجانين متطرفون".

وردا على سؤال بشأن ما يحدث في الوكالة التي جرى منح كثير من مسؤوليها إجازات إجبارية، برر ترامب ذلك بالقول، يوم الأحد، إن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية "يديرها متطرفون مجانين ونحن في صدد طردهم.. ثم سنتخذ قراراً" بشأن أنشطة الوكالة. في وقت سابق من اليوم نفسه، أدلى ماسك الذي كلفه ترامب بخفض الإنفاق الفيدرالي الأميركي، عبر منصته "إكس" بسلسلة تعليقات لاذعة حول الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، واصفا إياها بأنها "منظمة إجرامية". ثم قال رئيس شركة تسلا للسيارات الكهربائية و"سبيس إكس" لتقنيات استكشاف الفضاء، لمشتركي منصته البالغ عددهم 215 مليوناً "هل تعلمون أنه بأموال دافعي الضرائب، موّلت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أبحاثا حول الأسلحة البيولوجية، بما في ذلك كوفيد-19 الذي قتل ملايين الأشخاص؟".

وقد تم تعليق حساب الوكالة على منصة "إكس"، وتعطل موقعها الإلكتروني. وأفادت وسائل إعلام أميركية، بأنه تم إيقاف اثنين من كبار المسؤولين الأمنيين في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية عن العمل، مساء السبت، بعد اعتراضهم على دخول عملاء مكلفين من ماسك إلى معلومات حساسة تحتفظ بها الوكالة. لكن مدير التواصل في البيت الأبيض ستيفن تشيونغ نفى هذه المعلومات وقال على منصة إكس "إنه خبر كاذب".

وفي ساعة مبكرة من صباح، أمس الاثنين، قال ماسك إن العمل جار على إغلاق الوكالة بمباركة ترامب. وأضاف عبر منصة "إكس" أنها مؤسسة "لا يمكن إصلاحها. وأوضح: "لقد ناقشت الأمر معه بالتفصيل، واتفق معنا على أنه يجب علينا إغلاقها.. لقد راجعت الأمر معه عدة مرات.. قلت له: هل أنت متأكد؟ قال نعم". وتابع ماسك: "لذا فإننا نغلقها".

أوكرانيا وإثيوبيا والأردن والصومال بين الدول المدعومة

الوكالة الأميركية للتنمية هي أكبر جهة مانحة منفردة في العالم، وموجودة في 130 دولة من أوكرانيا إلى بيرو ويعمل بها نحو 10 آلاف موظف غالبيتهم في الخارج. وفي عام 2023، تمكنت من إدارة مخصصات بقيمة 40 مليار دولار، وفقًا لخدمة أبحاث الكونغرس. وهذه الأموال جاءت لتمويل مساعدات ومشروعات في مجالات واسعة مثل صحة المرأة في مناطق الصراعات وتوفير المياه النظيفة وأمن الطاقة ومكافحة الفساد، وغيرها.

وأحدث تجميد تمويل معظم المساعدات الخارجية الأميركية خلال الأيام الماضية صدمة بالفعل ترددت أصداؤها في أنحاء العالم. ومن بين البرامج المعرضة لخطر الإلغاء المستشفيات الميدانية في مخيمات اللاجئين في تايلاند وإزالة الألغام الأرضية في مناطق الحروب والأدوية لعلاج الملايين الذين يعانون من أمراض مثل فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، بينما ينذر إغلاق الوكالة بتوقف كل هذه الأعمال تماماً.

ومن بين الدول المتلقية الرئيسية لتمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أوكرانيا وإثيوبيا والأردن وجمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال والسودان. وتضمنت مشاريع الوكالة توفير الكتب المدرسية لأطفال المدارس النازحين في أوكرانيا وتدريب العاملين الصحيين في رواندا، وفقا لنسخة أرشيفية من موقعها على الإنترنت.

تم إنشاء الوكالة في عام 1961 في عهد الرئيس جون كينيدي من خلال قانون المساعدات الخارجية. ونشأ نهج الحكومة الأميركية تجاه المساعدات الإنمائية الدولية في أربعينيات القرن العشرين مع خطة مارشال، التي قدمت مساعدات لدعم الدول الأوروبية في إعادة بناء المنطقة واستقرارها بعد الحرب العالمية الثانية، وفقاً لموقع الوكالة على الإنترنت. وفي العقود اللاحقة، تحولت الوكالة إلى تقديم مساعدات إضافية لدعم التنمية الصحية والتعليمية وتعزيز الحكومات الديمقراطية والأسواق الحرة.

وكانت برامج الصحة أكبر قطاع في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية من حيث التمويل منذ أوائل التسعينيات، وتعززت في عام 2004 بمليارات الدولارات من جهود وزارة الخارجية الأميركية لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز). واستمرت الصحة في الهيمنة على مشاريع الوكالة خلال جائحة فيروس كورنا التي تفشت عالمياً في 2020 قبل انحسارها في 2022، فضلا عن مساعدات الحوكمة في عام 2023، نتيجة للدعم الأميركي لأوكرانيا.

تراجع أميركي وحضور صيني

ويحذر مسؤولون ومحللون، وفق مجلة "بوليتيكو" الأميركية، من أن أي تغيير في الوكالة قد يقوض الجهود الإنسانية العالمية، ويضر بسمعة الولايات المتحدة، خاصة في ظل التنافس مع دول مثل الصين. ويؤكد مؤيدوها، أنها ذراع لا غنى عنها للسياسة الخارجية الأميركية، التي تظهر حسن النية الأميركية، وتستقر في مناطق الكوارث وتفتح أسواقًا جديدة للتجارة الدولية.

وقال جيريمي كونينديك، رئيس منظمة اللاجئين الدولية، وهي مجموعة مساعدات لا تتلقى تمويلًا أميركياً، لصحيفة واشنطن بوست: "إنها مجموعة أدوات للأمن القومي تم تطويرها على مدار 60 عاماً.. وإذا تم تدميرها، فلا يمكن إعادة بنائها بسهولة". وكتب السناتور تشارلز إي شومر (ديمقراطي من نيويورك) على منصة "إكس"، الجمعة الماضي، أن أي تحرك لحل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية سيكون غير قانوني.

وفي رسالة مشتركة يوم الجمعة، كتب السناتوران جين شاهين (ديمقراطية من ولاية نيو هامبشاير) وبريان شاتز (ديمقراطي من هاواي) والنائبان غريغوري دبليو ميكس (ديمقراطي من نيويورك) ولويس فرانكل (ديمقراطية من فلوريدا) أن التجميد يعرض مساعدات الطاقة لأوكرانيا للخطر ويساعد خصوم أميركا مثل روسيا والصين.

لكن حلفاء ترامب وأبرزهم ماسك، هاجموا الوكالة بعنف باعتباره مؤسسة "فاسدة ومبذرة وتحمل أجندة يسارية"، ولا تتماشى مع "أجندة أميركا أولاً" التي يحملها ترامب. وأعرب الجمهوريون في الكونغرس عن اهتمامهم بتقليص الوكالة أو إغلاقها. وقال النائب بريان ماست (جمهوري من فلوريدا)، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، لبرنامج "Face the Nation" على شبكة "سي بي إس نيوز"، يوم الأحد، إنه "سيدعم بالتأكيد" تغيير وضع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.

ولكنه لم يجب عن سؤال حول ما إذا كان من الضروري الحصول على موافقة الكونغرس لإغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بصفتها وكالة مستقلة، كما قد يقتضي القانون. وبدلاً من ذلك، قال إن المؤسسة تحتاج إلى إعادة هيكلة و"تطهير" وزارة الخارجية والوكالات الأخرى، فضلاً عن تجميد المساعدات الخارجية، كلها "خطوات مهمة وضرورية للغاية للتأكد من أننا نؤمن أميركا".

وعلى مر السنوات الماضية، فكرت إدارات ديمقراطية وجمهورية في دمج الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ضمن وزارة الخارجية، إلا أن هذه الخطط لم تُنفذ، إذ دافع داعمو الوكالة في الكونغرس عن استقلالها، مؤكدين أن لديها مهمة مختلفة كلياً عن وزارة الخارجية، إذ تركز على حل مشكلات التنمية، بينما تتولى الوزارة ملف الدبلوماسية. ولطالما كانت هناك توترات بين الجهتين حول إدارة مليارات الدولارات المخصصة للمساعدات الخارجية، بغض النظر عن الحزب الحاكم. وكانت إدارة ترامب الأولى (2017 ـ 2021) قد وضعت في عام 2017 خططاً لدمج الوكالة ضمن وزارة الخارجية، إلا أن هذه الجهود أُجهضت بسبب المعارضة الحزبية الواسعة داخل الكونغرس.

المساهمون