الاحتلال يتلاعب بمساعدات غزة... إغراق الأسواق بالعصائر والمسلّيات وتقليص السلع الضرورية
استمع إلى الملخص
- السياسات الإسرائيلية وتأثيرها: تتحكم السياسات الإسرائيلية في الأسواق عبر التعطيش والإغراق، مما يسمح بدخول سلع غير أساسية ويزيد من الأزمة الإنسانية في غزة، داعيًا لتدخل دولي لضمان وصول الدعم اللازم.
- الاحتياجات الأساسية مقابل الكماليات: رغم النشاط في الأسواق، تظل السلع الأساسية نادرة وغالية، مما يضطر الفلسطينيين للاعتماد على السوق السوداء وتقليل استهلاكهم، مما يبرز الحاجة لتوفير السلع الأساسية.
تمر أسواق قطاع غزة بحالة من الإغراق في البضائع غير الضرورية منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في التاسع عشر من شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، حيث تشهد تكدسا بهذه النوعية في الوقت الذي تفتقد فيه العديد من السلع المهمة واللازمة لحياة الفلسطينيين اليومية، ومنها الأساسيات كالوقود وغاز الطهو ومستلزمات البناء البسيطة والسريعة.
وتفاقم حالة التناقض التي تشهدها الأسواق من الحالة الإنسانية الصعبة للفلسطينيين العائدين إلى بيوتهم المدمرة بعد رحلة نزوح قاسية مروا خلالها بمختلف أشكال الحرمان، في ظل انعدام مقومات الحياة وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، في الوقت الذي تفاقمت فيه نسب الفقر والبطالة ووصلت إلى مستويات كارثية بفعل تدمير مختلف مكونات الاقتصاد الفلسطيني، وخسارة مئات الآلاف لمصادر دخلهم.
توفر العصائر والشوكولاتة والمسلّيات
منذ بدء وقف إطلاق النار أخذ الحرمان منعطفا جديدا، توفرت فيه البضائع الثانوية مثل العصائر والمشروبات الغازية والشوكولاتة والمسلّيات والبسكويت والحلويات والنسكافيه والإندومي بكميات كبيرة وبأسعار منخفضة، بينما تشهد حرمانا من المتطلبات الأساسية مثل غاز الطهي وأنابيب الغاز ومشتقات البترول والماء ومتطلبات الكهرباء البديلة مثل ألواح الطاقة الشمسية والبطاريات والأسلاك والمولدات الكهربائية التي تعتبر بديلا أوليا عن الكهرباء المقطوعة بشكل تام.
علاوة على قطع خطوط المياه والإنترنت، وبالتالي ارتفعت أسعار الأدوية والدقيق والزيت والسكر والأرز والخضار والفواكه وباقي السلع المهمة.
زيادة الخناق والتضييق
وتتحكم الأوضاع السياسية والأهواء الإسرائيلية بالحالة المتقلبة للأسواق، بين سياسة التعطيش الممنهجة والتي تستهدف سلعا ضرورية يحتاجها الناس بهدف زيادة الخناق والتضييق عليهم، وسياسة إغراق الأسواق بسلع غير مهمة، عبر السماح بأنواع محددة من البضائع على حساب أصناف أخرى أكثر أهمية وجدوى للفلسطينيين الذين لا يزالون يتجرعون الآثار الكارثية للعدوان منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في آخر متابعة له إن الأزمة الإنسانية في قطاع غزة تتفاقم، كما أنها لم تشهد أي تغيير منذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، بفعل استمرار تجاهل إدخال الاحتياجات الضرورية، الأمر الذي من شأنه زيادة معاناة المدنيين الفلسطينيين وتعميق أزماتهم الإنسانية.
وأشار المرصد إلى أن الشاحنات الواردة إلى قطاع غزة، ورغم زيادة أعدادها، نسبة منها مرتبطة ببضائع تجارية لسلع غير أساسية، ولا تمثل أولوية بالنسبة للفلسطينيين، ما يستدعي تحرك المجتمع الدولي واتخاذ إجراءات عاجلة لضمان وصول الدعم للمحتاجين من دون تأخير.
وأوضح وصول نحو 8500 شاحنة منذ دخول اتفاق النار حيز التنفيذ، وصل منها نحو 35% فقط إلى المحافظات الشمالية لقطاع غزة، كما وصلت 9500 خيمة من الأصناف الرديئة، على الرغم من تقدير الاحتياج الأولي بنحو 120 ألف خيمة، وهي نسبة لا تلبي سوى 8% من الاحتياج الفعلي، وفي ما يتعلق بالوقود والغاز الخاص بدعم الخدمات الطارئة يسجل دخول 14 شاحنة يوميا، فيما تقدر كمية الاحتياج العاجل بنحو 30 شاحنة يوميا.
حركة نشيطة بأسواق غزة
ويقول الفلسطيني محمد أبو ريدة وهو صاحب بسطة في سوق الثلاثيني جنوبي مدينة غزة إن حركة الزبائن باتت نشطة بعد دخول وقف إطلاق حيز التنفيذ وعودة النازحين إلى المحافظات الشمالية، إلا أن الأزمة لا تزال قائمة بفعل عدم توفر المواد الأساسية، على الرغم من دخول بعض الشاحنات التي لا تكفي لتلبية الطلب المتزايد.
ويوضح أبو ريدة أن الأسواق تشهد تحسنا في كمية البضائع المتاحة، إلا أن معظمها بضائع غير ضرورية بالدرجة الأولى، أو يمكن الاكتفاء بنسبة قليلة منها مثل الملابس والأحذية والألعاب والمسلّيات بمختلف أنواعها والعصائر والمشروبات الساخنة والباردة، ويقول: "هذه سلع جيدة للترفيه عن النفس بعد فترة طويلة من التوتر والحرمان، لكن هناك سلعا أكثر أهمية مثل الغاز والوقود والمواد الغذائية الأساسية".
في الإطار، يلفت الفلسطيني عمار البلتاجي إلى حالة العشوائية والانفلات التي تمر فيها الأسواق منذ اليوم الأول للعدوان، حيث تختفي الأصناف الأساسية بشكل مفاجئ، وتظهر أصناف أخرى في وقت واحد وبكميات كبيرة على الرغم من عدم الحاجة لكل تلك الكميات، في الوقت الذي يحتاج الفلسطينيون إلى السلع الأساسية التي من شأنها تخفيف الأعباء التي أثقلتهم بها الحرب.
ويشير البلتاجي لـ "العربي الجديد" إلى أن الإغراق والتعطيش أصبحا المتحكم الرئيسي في الأسواق، إلى جانب نظرية العرض والطلب، حيث باتت الأسواق غارقة في الأصناف الثانوية والتي يمكن الاستغناء عنها، بينما تختفي السلع الأكثر أهمية، وفي حال وجودها تباع في السوق السوداء بأسعار مرتفعة للغاية.
ويقول: "بدلا من حجز الشاحنات لتوفير كل هذه الكميات من البسكويت والشوكولاتة والشيبس والعصائر، كان ينبغي توفير كميات من الغاز حتى نتمكن من التخلص من الطهي على نار الحطب التي أرهقتنا وأصابتنا بالأمراض، أو كميات من الوقود اللازم لتحريك السيارات بدلا من أن نقطع مسافات طويلة مشيا على الأقدام، أو على الأقل تحريك الآليات لإزالة أكوام الركام التي تسد الطرق، وبدلا من توفير النسكافيه والعصائر بكميات مهولة، كان الأولى أن تتم تعبئة الشاحنات بالمواد الغذائية والأدوية وألواح الطاقة الشمسية للتخفيف من أزمة الانقطاع التام للكهرباء".
وبعدما فقدت عائلتها مصدر دخلها الوحيد إثر توقف زوجها عن العمل، تقول الفلسطينية فاطمة أبو العيس إنّ الأوضاع الاقتصادية صعبة للغاية وأسعار السلع الأساسية مثل الطحين والأرز والزيت لا تزال مرتفعة على الرغم من وقف إطلاق النار، ما يضطرها إلى شراء كميات أقل مما تحتاجه.
وتوضح أبو العيس لـ "العربي الجديد" أن أوضاع الأسواق تغيرت بعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ، حيث ظهر العديد من السلع المختفية، مثل الملابس والألعاب وحلويات الأطفال، مضيفة: "لكنني أحتاج إلى الطعام والدواء أكثر من أي شيء آخر لسد رمق أطفالي، أحيانا أشعر بأن الأسواق ليست موجهة لقضاء احتياجاتنا الأساسية بل كماليات ورفاهيات يراد لنا أن نغرق فيها".