الأدوية السورية... غلاء فاحش ومفعول دون الحد الأدنى
تضاعفت أسعار الأدوية السورية والمستحضرات الطبية عدة مرات خلال الأشهر القليلة الماضية بما لا يتناسب مع الحد المتوسط لدخل المواطن وبالذات شريحة الموظفين التي تشكل نسبة كبيرة من السوريين، حتى باتت تكلفة الأدوية لأصحاب الأمراض المزمنة مثل السكري والضغط والأمراض العصبية وغيرها، تزيد عن نصف راتب الموظف أو تعادله.
ورغم الغلاء الكبير لأسعار الدواء، فإن معظم المرضى بدؤوا يستشعرون تراجع المفعول العلاجي لمعظمها وهذا بات واضحاً في الأدوية المسكنة للآلام التي تُعد الأكثر حاجة واستهلاكا للأمراض الموسمية والآنية، حيث أصبح بيع معظم الأدوية والتي كانت تتصف بمفعولها القوي المصنعة محلياً دون وصفة طبية مثل "الترامادول" و"السيتاكودائين"، وبات معظم المرضى يُعانون من عدم نجاعة الأدوية المسكنة والعلاجية، والعديد من الصيادلة ينصح بمضاعفة كمية العلاج تلقائياً، ودون مراجعة الطبيب.
ويؤكد الصيدلاني أدهم عزيز لـ"العربي الجديد" أن جودة معظم الأدوية المصنعة محلياً اختلفت عمّا كانت عليه من قبل، وبات واضحاً تراجع مفعولها لأكثر من نصف المعدل السابق، والأدوية التي حافظت نسبياً على جودتها قللت عدد الكبسولات داخل العلبة إلى النصف بالرغم من تضاعف أسعارها.
أما غالبية المرضى فباتت تسأل عن الدواء الأجنبي وتقارن بين سعر وجبة واحدة من الأجنبي مع وجبتين من المصنّع محلياً وتشتري على هذا الأساس، خاصة مضادات الالتهاب والضغط والسكري والفيتامينات بأنواعها.
وكانت صحيفة "الوطن" المقربة من النظام السوري قد نقلت عن عدد من الصيادلة قولهم في 26 مارس/آذار، إن معظم مصانع الأدوية يصنع من كل دواء "طبختين"، الأولى للاستخدام المحلي وهي ضعيفة الفاعلية، والثانية معدة للتصدير بمعايير دولية وذات فاعلية جيدة.
وأكد الصيادلة وضوح الفارق بين الدواء المصدر والمعد للاستخدام المحلي من خلال تدوين عبارة "للاستخدام أو الاستعمال المحلي" على علب الدواء.
من جهته، برر رئيس المجلس العلمي للصناعات الدوائية نبيل القصير قلة فاعلية الدواء السوري بأسباب أهمها رفض الشركات الدوائية الدولية تقديم الخبرات والتركيبات الدوائية للشركات السورية نتيجة العقوبات المفروضة على سورية، إضافة إلى ضعف الاستهلاك الدوائي محلياً وعدم وجود أسواق خارجية.
وأشار القصير في حديثه للصحيفة نفسها إلى أن الارتفاع الأخير لأسعار الأدوية الذي تراوح بين 50 و70% من قيمة الأدوية غير مجد لأصحاب الشركات والمصانع وخاصة بأنها تلتزم بإشراف ومراقبة شركات أجنبية ذات خبرة عالية أثناء التصنيع، وتدفع هذه الزيادات للشركات.
وكانت وزارة الصحة قد قدمت تسهيلات كبيرة لشركات الأدوية من أجل تشجيع الإنتاج المحلي النوعي وتخفيف تكاليف الاستيراد على "الدولة" والمواطن، فكانت النتائج الأولية للتصنيع السوري ارتفاعا كبيرا في الأسعار ورداءة في الجودة باتت واضحة في ضعف الفاعلية، مما دفع لمطالبات كبيرة من الصيادلة والمواطنين بالسماح باستيراد أنواع عديدة من الأدوية وخاصة الأدوية السرطانية والتصلب اللويحي وأمراض الدم وأدوية الضغط والأعصاب والمسكنات.
وفي هذا الصدد، يقول الصيدلاني منير الغجري لـ"العربي الجديد" إنه رغم الغلاء الكبير لأسعار جميع الأدوية إلا أنها فقدت بمعظمها الجودة والمفعول العلاجي المناسب لوصف وتقديرات الطبيب، وهذا أثر سلباً على زمن العلاج وساهم في حالات تمنّع من الاستجابة للعلاج، بالإضافة إلى فقد الثقة بين المريض والطبيب.
تزامناً، منعت وزارة الصحة الاستيراد وحاصرت طرق تهريب الدواء حتى لكميات قليلة ونادرة منه، وهذا ما ضاعف أسعار الدواء الأجنبي في حال وجوده وأصبح لسان حال المرضى يقول: "رضينا بالهم والهم ما رضي فينا".
ويضيف الغجري: "إلى جانب ضعف فاعلية الأدوية والذي يسبب خطورة على حياة العديد من المرضى مثل مرضى الضغط، نعاني من انقطاعات في بعض أنواع الأدوية النوعية مثل أدوية القلب والسرطان والضغط والسكري، وهذه تسبب أزمات بين حين وآخر".
ويتساءل أخيراً: كيف تقف العقوبات الدولية في وجه الدواء المعد للاستخدام المحلي ولا تقف في وجه الدواء المعد للتصدير؟
أحد مرضى السرطان الذي فضل عدم الكشف عن اسمه قال لـ"العربي الجديد" إنه "بعدما قرر الطبيب المختص إحالتي إلى مشفى البيروني في دمشق لأخذ عدد من الجرعات، توجهت إلى المشفى وأخذت الجرعة الأولى، وفي الموعد التالي توقفت إدارة المشفى عن إعطائي الجرعات وقالوا لي إنهم يعانون من نقص في الأدوية السرطانية وإن حالتي ليست خطيرة وتتحمل المزيد من الوقت، وما زلت أنتظر دورا جديدا منذ أكثر من شهر دون أن أحصل على جرعة".
هذا في حين قال أحد الممرضين في مشفى البيروني إن إدارة المشفى قد أصبحت تتبع لزوجة الرئيس السوري وقد بدأت بنظام عمل جديد للمشفى، وهذا ما أدى إلى إعادة ترتيب في جدول العمل والمواعيد.
بدوره، أحد مرضى السرطان ويُدعى ك. ن. قال لـ"العربي الجديد" إنه تمت إحالته من الطبيب الخاص إلى مشفى المواساة فقدموا له إبرتين من أصل 9 إبر، فاضطره الأمر لشراء بقية الجرعات صناعة هندية من خارج المشفى بمبلغ 773 الف ليرة، وما لبث أن انقطع من الأسواق، فلجأ للجرعات ذات المصدر التركي بمبلغ 3 ملايين و200 ألف ليرة، فيما المشافي لا تقدم أدنى خدمات، بينما هو يحتاج كل 21 يوماً إلى جرعة بمثل هذا المبلغ أو يزيد، بحسب مصدر الدواء وطريقة الحصول عليه.