مسارح العراق... عروض بلا دعم وخشبات للأحزاب

14 ابريل 2025
من عرض "بنات بغداد" في "المسرح الوطني" ببغداد، 7 يناير/كانون الثاني 2019 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعاني المسرحيون في محافظة ذي قار من نقص حاد في البنية التحتية المسرحية، حيث توقفت الأنشطة بسبب تدهور المسارح المتاحة، مما يعكس إهمال السلطات للفنون منذ عام 2003، باستثناء بعض المشاريع المحدودة.

- تواجه مدن عراقية أخرى مثل البصرة وميسان والنجف تحديات مشابهة، حيث تفتقر إلى مسارح مجهزة تقنياً، مما يضطر المسرحيين لاستخدام قاعات غير مخصصة أو منتديات رياضية وثقافية.

- في بغداد، توجد ثلاثة مسارح رئيسية تعاني من الإهمال وتحتاج إلى تأهيل مستمر، ورغم ذلك يظل المسرح العراقي نشطاً عربياً، مما يبرز الحاجة لبناء مسارح جديدة وتطوير البنية التحتية الثقافية.

توقّف أحمد حسان، وهو كاتب ومخرج مسرحي بمحافظة ذي قار (350 كلم جنوب بغداد)، عن تدريب الممثلين على المسرح منذ أكثر من عامين، بعد أن قضى سنوات طويلة يقيم دورات تدريبية للشباب والفتيان لتعليمهم المسرح. جاء ذلك بعد أن أخبرته إدارة المنتدى الذي يتدرب فيه بأن خشبة المسرح انتهت صلاحيتها.

يعاني حسان وعدد كبير من المسرحيين في عموم محافظة ذي قار المشكلة ذاتها، وهي عدم توفّر قاعات أو صالات مسرحيّة يمكنهم تطوير مهاراتهم الفنية والمسرحية أو التدريب عليها من أجل تقديم عروض مسرحية أو المشاركة في المهرجانات المحلية أو العربية.


مسرح المدن... بلا مسرح

ورغم الحراك المسرحي المعروف في ذي قار على مستوى العراق، تبقى مسارح الأنشطة المدرسية ومنتديات وزارة الشباب والرياضة هي الملجأ الوحيد للمسرحيين بالمحافظة. يوجد وسط الناصرية قاعة مسرحية تسمى "البهو"، لكنّها آيلة إلى السقوط.

يقول الكاتب والمخرج المسرحي أحمد حسان لـ"العربي الجديد": "أنا ضحيّة غياب الأبنية المسرحية، لو كان هناك مبنى مسرحيّ لنا لما كنتُ قد توقّفت عن تدريبات الشباب والفتيان على المسرح. قبل عامين فقط، أخبرتنا إدارة المنتدى الذي نتدرّب فيه، وهو تابع لوزارة الشباب والرياضة، بالتوقّف خشيةً على حياتنا، لأن القاعة آيلة إلى السقوط".

ويرى حسان أنَّ الفنّ والمسرح بشكل خاص تعرّضا لإهمال متعمّد، وقد تعدّى الأمر استثمار القاعات الكبيرة في المسرح والسينما، فالسلطة لا تفكّر في المسرح ولا في الفن، لذلك نرى أن ما يحصل هو تهميش واضح.

بدوره، يؤكّد الكاتب المسرحي علي عبد النبي الزيدي أنَّ الدولة لم تلتفت منذ 2003 إلى دعم قطاع الثقافة، ومنها المسارح، بشكل صحيح ومخطّط له. باستثناء مدينة الناصرية، فقد بُني مسرح "أور" الذي يسع حوالي 500 متفرج وبتقنيات حديثة، وبناية المسرح السومري المفتوح الذي يسع ألفاً وخمسمائة متفرج وافتتح العام الجاري.

في البصرة أيضاً هناك شحٌّ في المباني المسرحية، وثمّة قاعة مسرحيّة وحيدة تطلّ على منطقة العشار؛ وهي قاعة عتبة بن غزوان، لكنّها تفتقر إلى المواصفات المسرحية. عادة ما تقام عليها فعاليات فنيّة وحزبية وسياسية ولا تقتصر على الأنشطة المسرحية فقط.

أما مدن ميسان والديوانية وواسط والمثنى ومدن عراقية أخرى، فهي لا تختلف عن مشكلات المدن التي تنشط فيها الحركة المسرحية. هناك نشاط مسرحي ملحوظ فيها، أما العروض فهي تقام في المنتديات الرياضية والثقافية أو قاعات الأنشطة المدرسية.

وفي النجف، حينما أُعلنت عاصمة الثقافة الإسلامية عام 2012، تمّ بناء قصر ثقافي يحتوي على قاعات وغرف ومسرح، لكن ّالمشروع أُهمل وأحاطت النفايات والأنقاض والقمامة بالقصر الثقافي منذ ذلك الوقت وحتى الآن.

إن عملية إنتاج الأعمال المسرحية الكبرى تحتاج إلى صالات عرض تليق بها وتظهر ميّزاتها الجمالية. وقد انتشر العديد منها في بغداد وفي المحافظات إبّان حقبة تاريخية كانت فيها هيمنة الفكر الواحد هي المسيطر على إدارة المؤسسات الفنية وأدلجتها، كما يقول الكاتب والناقد المسرحي سعدي عبد الكريم لـ"العربي الجديد".

ويتابع عبد الكريم "كان الفنان المسرحي العراقي يبحث له عن منافذ يمرّر أفكاره الاحتجاجية من خلالها بعيداً عن سلطة الرقيب. وقد تعدّدت أشكال العروض المسرحية بين الجاد والشعبي على خريطة كبيرة من المسارح التي احتضنت تلك العروض. بعد العام 2003، مروراً بالسنوات التي أعقبته، تقلص عدد صالات العرض وتحولت بقية المسارح إلى مخازن تجارية".

يعتقد عبد الكريم أنَّ سبب هذا الإهمال يعود إلى أهمية المسرح بوصفه سلطة فكرية عليا تبثُّ معالم التغيير عبر عروضها، وتستنهض العقل الخامل لتحيله إلى عقل متحرّك معارض ومحتج. هذه الظاهرة التحريضية تخيف الساسة، والدليل الأكثر وضوحاً أنَّ الحكومات لم تبنِ مسرحاً واحداً في العراق، بل احتلت بعض المسارح لخدمة الأحزاب.


المسرح والحداثة والتصميم

يقول الكاتب والناقد المسرحي إنه "لم يتوقف المسرح على شكلٍ واحد، ولا يقف عند العروض المسرحية الكلاسيكية. اليوم، كما يقول عبد الكريم، يخضع بناء المسارح لتصاميم مغايرة وأشكال تلامس التطوّر التقني الذي تعتمده منظومة العرض المسرحي في أغلب العروض. في العديد من الدول العربية والأوروبية، نرى فيها البناء المعماري الفخم في الشكل والمضمون".

ويضيف "المسارح تحتاج إلى قاعات عالية التقنية تقام فيها الجلسات النقدية والمحاور الفكرية، فضلاً عن قاعات التمرين المجهّزة بكل ما يحتاج إليه كادر العرض المسرحي، وأماكن الاستراحة، وورش خاصة بتصميم وصناعة الديكور. وزارة الثقافة العراقية فاشلة وضعيفة لأنّها لا تستطيع أن تنتقل بالمباني المسرحية إلى ما يتمناه المتخصص في المسرح العراقي".

يستعير ياسر البراك مقولة الكاتب والمخرج المسرحي العالمي بيتر بروك، ويقول إن "المسرح هو مساحة عندما يمرّ عليها الممثل يصبح مسرحية". ومن ثم، يمكن أن تكون المساحة الفارغة مسرحاً متكاملاً من وجهة نظر بروك. هذا يدفع إلى قضية مهمة وهي: هل نقدم عروضاً مسرحية بدون صالة؟ كما يقول الكاتب المسرحي والفنان البراك.

نحن في حاجة إلى المسرح النظامي الذي يحتاج إلى التقنيات حتى يستطيع أن يقدم صورة مسرحية مميزة. نحتاج أيضاً إلى الفضاءات المفتوحة من أجل تقديم عروض مسرحية، وفي الوقت نفسه نحتاج إلى عروض مسرحية خارج الصالات للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور. يمكن أيضاً تقديم عروض مسرحية احترافية عالية من خلال عروض الصالات التي تتعلق بالجوانب الجمالية التي نقدمها.


مسارح العاصمة... مبان تحتضر

توجد في العاصمة بغداد ثلاثة مسارح مهمة وكبيرة ومتكاملة المواصفات للعرض المسرحي، وهي "المسرح الوطني" الذي يتسع لـ1000 متفرج، و"مسرح الرشيد" الذي يتسع لـ600 شخص، و"مسرح المنصور" الذي يتسع لـ350 شخصاً.
هذه المسارح الثلاثة تصنف على أنها مبان قديمة وتحتاج إلى التأهيل دائماً وتعاني بين الحين والآخر الإهمال، كما يراها مختصون في المسرح العراقي.

يقول الأكاديمي والناقد المسرحي  محمد حسين حبيب لـ"العربي الجديد" إن "التغاضي عن احتياجات فنّ المسرح يعني التغاضي عن كونك إنساناً. لقد ضُربنا عُرض الحائط من قبل الحكومات المتعاقبة على هذا الموضوع المخجل المتعلق بالمباني المسرحية وتوقفنا عن الشكوى والتشكي والمطالبة منذ سنوات".

ويؤكد حبيب أن بغداد تحتوي على أهم المباني المسرحية، وجميعها بُنيت في زمن النظام السابق قبل عام 2003. اليوم، ليس هناك اهتمام متواصل حتى بتطويرها تقنياً أو فنياً، مجرد ترميمات مخجلة تحدث هنا وهناك بمبدأ المؤقت. لا توجد بنايات مسرحية جديدة في العاصمة ولا في المدن العراقية جميعها، وإن حدث استثناء هنا أو هناك فتجده لأغراض حزبية أو شخصانية أو لدعاية انتخابية.


مشاريع غير منفذة

في يونيو/حزيران من عام 2022، أكّدت وزارة الثقافة العراقية أنّها قدمت لرئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي مجموعة مشاريع تتضمن بناء مسارح ومتحف ومركز فنون، لكن هذه المشاريع في العاصمة بغداد فقط، ولم تنفذ.

ورغم المباني المسرحية الشحيحة والآيلة إلى السقوط، لكن المسرح العراقي حاضر في الفعاليات العربية ومشارك فاعل في اللجان والنصوص والعروض المسرحية، ومحققٌ جوائز فنية كبيرة ومستمرة.


* صحافي وكاتب من العراق

المساهمون