صفية بن زقر.. ريشةٌ وثّقت التراث السعودي

05 يونيو 2025   |  آخر تحديث: 07:33 (توقيت القدس)
من مجموعة "ألعاب الأطفال الشعبية" للفنانة الراحلة (موقع دارة صفية بن زقر الإلكتروني)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بدأت صفية بن زقر مسيرتها الفنية برسم الطبيعة الصامتة، ثم انتقلت لتوثيق الطقوس الشعبية والعادات السعودية، مع التركيز على المعمار التقليدي والأزياء التراثية.
- استخدمت بن زقر تنوعاً في الخامات والوسائط، مثل الألوان المائية والزيتية، وخصصت لوحات لتوثيق طقوس الزفاف في الحجاز، ونشرت كتباً توثق تحولات المجتمع السعودي.
- أسست "دارة صفية بن زقر" كمتحف لأعمالها، وشاركت في معارض دولية، مما يعكس دورها البارز في الفن التشكيلي السعودي.

في ستينيات القرن الماضي، قدّمت صفية بن زقر أولى محاولاتها في رسم الطبيعة الصامتة، ملتزمة بالقواعد الأكاديمية التي تلقتها في القاهرة ولندن. ثم انتقلت إلى رسم الطقوس الشعبية والعادات والتقاليد، في لحظة شهدت فيها السعودية تحديثاً في أنماط البناء وسلوكيات الحياة اليومية، شأنها شأن عدد من مجايليها الذين أرادوا آنذاك تسجيل التراث.

تُستعاد تجربة الفنانة السعودية (1940–2024) في معرض يحمل عنوان "أظهرت ما كان غابا"، بإشراف القيّمة الفنية وأستاذة الفن عفت عبد الله فدعق، والذي افتُتح في "حي جميل" بمدينة جدة، الأحد الماضي، ويتواصل حتى منتصف الشهر الجاري، ضمن سلسلة من المعارض الفنية التي أطلقتها وزارة الثقافة وهي جزء من فعاليات النسخة الثانية من مبادرة "بلد الفن".

يسلط المعرض الضوء على تجربة بن زقر التي شكّل المعمار التقليدي عنصراً أساسياً في أعمالها، من خلال رسم تفاصيل الزخارف في الأبنية القديمة، وأقواسها، وبواباتها، ونوافذها، مع اهتمام بعلاقة الإنسان بمكانه، سواء في تصوير الجلسات العائلية والأعمال المنزلية داخل البيوت، أو الحِرَف الشعبية والباعة في الأسواق. كما قدّمت أعمالاً تركّز على الأزياء التراثية، موضحة أشكالها، وكيفية ارتدائها، وتسمياتها، معتمدة في توثيقها ورسمها على بحث ميداني في مناطق سعودية متعددة.

من أعمال الفنانة الراحلة (موقع دارة صفية بن زقر الإلكتروني)
من أعمال الفنانة الراحلة (موقع دارة صفية بن زقر الإلكتروني)

وأفردت الفنانة الراحلة إحدى عشرة لوحة لتوثيق طقوس الزفاف، رصدت فيها مشاهد وتمثيلات للعادات المرتبطة بالأعراس في منطقة الحجاز خلال قرن مضى، حيث تظهر في إحداها نسوة يجهزن متاع العروس، وفي أخرى تجلس العروس بثوب الزفاف على مصمدها، بأسلوب انطباعي طبع معظم أعمالها.

يُبرز المعرض تنوّع الخامات والوسائط التي استخدمتها بن زقر، من الألوان المائية والزيتية والطباشير، إلى أعمال الحفر والطباعة الحجرية (الليثوغراف) التي تصوّر معالم أثرية وتفاصيل معمارية ووجوهاً بشرية. كما غلب على معظم أعمالها بخامة الباستيل موضوعا الأم والعامل الكادح.

يأتي هذا الاحتفاء بصفية بن زقر في سياق التذكير بدورها التأسيسي في المشهد التشكيلي السعودي، إذ أقامت معرضها الأول في مدرسة دار التربية الحديثة بجدة عام 1968، بالاشتراك مع مواطنتها الراحلة منيرة موصلي، وذلك بعد سنوات قليلة من تنظيم أول معرض فردي في المملكة للفنان الراحل عبد الحليم رضوي. وفي ذلك العقد، بدأت تتكرّس ملامح الحداثة الفنية بتياراتها المتنوعة في البلاد.

من أعمال الفنانة الراحلة (موقع دارة صفية بن زقر الإلكتروني)
من أعمال الفنانة الراحلة (موقع دارة صفية بن زقر الإلكتروني)

وفي مسار آخر، نشرت الفنانة كتابين هما: "المملكة العربية السعودية: نظرة فنانة إلى الماضي"، و"رحلة عقود ثلاثة مع التراث السعودي"، كما صدر لها بعد وفاتها كتاب ثالث بعنوان "درزة: مائتا عام في خطى التراث الملبسي على أرض المملكة العربية السعودية". وتضمّنت جميع هذه الكتب تأملات في معالجتها مفردات البيئة والمكان، وتوثيقاً لتحولات المجتمع السعودي من خلال أعمال تبرز حنينها إلى الماضي، وهي الثيمة التي ظلت حاضرة في مسيرتها، رغم تطوير أدواتها وتجريبها المستمر في التقنيات.

أما المسار الثالث، فتمثّل في تأسيسها "دارة صفية بن زقر" عام 2000، والتي ضمّت متحفاً لأعمالها الفنية ومرسمها الخاص.

يُذكر أن الفنانة وُلدت في حارة الشام بقلب جدة القديمة، ونالت شهادة في الرسم والغرافيك من كلية سانت مارتن في لندن عام 1976. وقد أقامت معارض في بريطانيا وفرنسا وسويسرا إلى جانب السعودية، ونالت جوائز وتكريمات محلية ودولية.

المساهمون