استمع إلى الملخص
- تميز مسعد بجرأته الفكرية وتجاربه في اللغة والبناء السردي، حيث واجه السلطة الاجتماعية والسياسية في أعماله، وطرح أسئلة الحرية والهوية والعدالة، جامعًا بين الواقعية الساخرة والتحليل النفسي والفلسفي.
- من أبرز أعماله "بيضة النعامة" و"غواية الوصال"، وكتب مسرحيات عدة وأسهم في تأسيس دور نشر دعمت حرية التعبير.
رحل أمس الجمعة الكاتب والروائي المصري رؤوف مسعد (1937 – 2025)، بعد مسيرة فكرية وإبداعية امتدت لأكثر من ستة عقود. مسعد، الذي عاش نصف حياته في المنافي، ظلّ حتى أيامه الأخيرة وفياً لفكرته الأولى؛ أن الأدب يكتب من تخوم القلق والاختلاف.
وُلد الراحل في مدينة بورتسودان السودانية لأسرة مصرية قبطية، وكان والده القس متّى مسعد من الشخصيات الدينية المعروفة في الكنيسة الإنجيلية المصرية. غير أن الابن تمرد مبكراً على الموروث الديني والاجتماعي، باحثاً عن رؤيته الخاصة للعالم. بعد تخرجه من جامعة القاهرة في مطلع الستينيات، التحق بالعمل الصحافي وشارك في النشاط السياسي اليساري، ما أدى إلى اعتقاله لسنوات عدّة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر. في السجن بدأ يكتب نصوصه المسرحية الأولى، مدركاً أن الكلمة يمكن أن تكون مساحة حرية حتى خلف القضبان.
بعد مغادرته المعتقل، هاجر رؤوف مسعد من مصر إلى بولندا لدراسة الإخراج المسرحي، قبل أن ينتقل بين بغداد وبيروت وأمستردام، متنقلاً بين عواصم المنفى باحثاً عن فضاء لا تُصادر فيه الكلمة، استقر في هولندا منذ الثمانينيات، وواصل الكتابة والنشر بالعربية، وظل حاضراً في المشهد الثقافي العربي عبر مقالاته ومشاركاته في الندوات والملتقيات الأدبية.
في رواياته وشهاداته الأدبية، كان يواجه السلطة الاجتماعية والسياسية
تميّز رؤوف مسعد بجرأته الفكرية وبتجريبه الدائم في اللغة والبناء السردي، جامعاً بين الواقعية الساخرة والتحليل النفسي والفلسفي. في رواياته وشهاداته الأدبية، كان يواجه السلطة الاجتماعية والسياسية على حد سواء، ويعيد طرح أسئلة الحرية والهوية والعدالة. لم يكن كاتباً للتيارات أو الأيديولوجيات، وإنما كاتب الإنسان في ضعفه وشجاعته وفي غربته الداخلية قبل الجغرافية.
من أبرز أعماله الروائية "بيضة النعامة"، التي عالج فيها موضوع السلطة والذاكرة، و"غواية الوصال" و"صانعة المطر"، و"مزاج التماسيح" و"إيثاكا"، إضافة إلى سيرته الأدبية "لما البحر ينعس: مقاطع من حياتي"، الصادرة في جزئها الأول سنة 2020، التي مزج فيها الأديب بين السيرة الشخصية والسرد التاريخي لتجربته في المنافي.
كما كتب عدداً من المسرحيات منها يا ليل يا عين ولومومبا والنفق، وأسهم في تأسيس دور نشر مستقلة دعمت حرية التعبير وفتحت المجال أمام الأصوات الجديدة.
نعى الراحل عددٌ كبير من الأدباء والمثقفين المصريين والعرب، مؤكدين أن رحيله يمثل خسارة لضمير ثقافي ظلّ طوال حياته وفيّاً لفكرة التنوير.