Skip to main content
القارئ المُضلَّل
ممدوح عزام
شرطة لوس أنجليس تقمع تظاهرة ضد إبادة غزة، بالتزامن مع حفل توزيع جوائز "أوسكار" (Getty)

في سؤاله عن دور الأدب في تاريخ الحركة الصهيونية، يضعنا غسّان كنفاني، في مقدّمة كتابه "الأدب الصهيوني"، أمام معضلة تقول: "لماذا يقبل القارئ الغربي في الرِّواية الصهيونية مواقف عِرقية وفاشستية بعد صفحات قليلة من شجب هذه المواقف، وإدانتها، إذا ما كانت مُستخدمة من قبل غير اليهود؟". 

والجواب الذي سوف يعتمد عليه في دراسته، لمثل هذه المواقف، ليس بالنسبة للقارئ الغربي، وحده وحسب، بل بالنسبة للإعلام الغربي المنحاز إلى الرواية الصهيونية بالكامل، هو أن هذا القارئ ضحيّة لما سمّاها كنفاني "أبشع وأوسع عملية تضليل ثقافي"، ولا يخفى الهدف من ذلك التضليل الذي لا يزال الفلسطينيون والقضيّة الفلسطينية والعرب جميعاً، يعانون من نتائجه على مصيرهم ووجودهم كلّه، وخاصة أنّ حملات التضليل التي يُشير إليها، نجحت إلى حدٍّ بعيد، وخلقت إلى جانبها درعاً من الصَّمم، يدفع الرأي العامّ العالمي إلى عدم الرغبة في سماع الحقيقة.   

والأدهى من ذلك أن تكون لجنة تضع تقييماً عالي المستوى للأدب في العالَم، قد ضُلِّلت من قبل الكتّاب الصهاينة، هي لجنة "جائزة نوبل" نفسها التي منحت جائزتها لكاتب صهيوني تافه، اسمه: يوسف عغنون أو عجنون، لا قيمة لأدبه، لا في الأدب العالمي، ولا في "إسرائيل" ذاتها. والقول بقدرة الصهاينة على تضليل مثل هذه اللجنة يضع كلّ تقديراتها موضع الشكّ.

شعوبٌ غربية تنتفض ضدّ التضليل الصهيوني والأدوات المُروِّجة له

ويُثير هذا الرأي كثيراً من التساؤلات التي تطاول الإعلام والثقافة والسياسة في الغرب، وفي أميركا، منذ بداية عصر الاستعمار، إلى قيادة الولايات المتّحدة الأميركية للمشروع الرأسمالي بالكامل. 

هل كانوا مُضلَّلين حقّاً؟

إذ إنّ الدعاية الصهيونية تعمّدت أن تحتوي على تكبير أو توسيع "الضلالات" الخيالية المتعلّقة بموضوع استعمار فلسطين، ومن بينها بالطبع رسالة "التمدين" العجيبة التي قدّمها الاستعمار لتبرير احتلاله لعشرات البلدان في آسيا وأفريقيا. وقد كانت المصالح مُتبادلة بين الوجهتين، وبلفور لم يكن مضلّلاً البتّة، بل قدّم وعده عامداً تغذية مستقبل الاستعمار، بشُرطيٍّ مُسلّح في منطقة تعِدُ بالخيرات، والكُتّاب الصهاينة كانوا يستجيبون للنزعة الاستعمارية التي نشأت في ظلال الرأسمالية، ومطامعها في ثروات الشعوب، ويقدّمون خطاباً يسترضي تلك النزعة، ويشجّعها، من جهة، ويعبّر عن تطلّعاتهم هُم أيضاً، التي لا تختلف عن آراء وتطلّعات المشاريع الاستعمارية، من جهة ثانية. 

وكان دورهم ثقافيّاً، جزء من الدور الأكبر الذي قامت به أقسام كبيرة من ثقافة الغرب، في النظر إلى بلادنا، أو إلى الشرق على أنه فضاء جغرافي ينبغي أن يُزرع ويُحصد ويُحرس، وفقاً لإدوارد سعيد، أو يُستعمَر. وهو ما تُشير إليه الكلمة العربية، في معناها اللغوي الأوّلي، أي قبل أن تحمل مدلولات السيطرة والنهب والاستيلاء على الثروات وإلحاق الحكّام المحلّيّين بالمركز الأوروبي.

مَن المضلَّل إذاً؟ لا الحكومات مُضلَّلة، ولا الإعلام الغربي المتواطئ مُضلَّل، ولا لجنة "نوبل" مُضلَّلة. والجهة الوحيدة المقصودة بالتضليل هي الشعوب، أو هُم من سمّاهم كنفاني: القارئ الغربي. الذي لم تُضلّله الصهيونية وحدها، بل النزعات الاستعمارية في ثقافته الأصلية. وهو نفسه من ينتفض اليوم، لا ضدّ الثقافة الصهيونية وحدها في الغرب، بل ضدّ الثقافة المتواطئة للرأسمالية المتوحّشة.


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية