استمع إلى الملخص
- في العالم العربي، تغيب مراجعات الكتب كجزء مؤثر في القراءة، حيث يعتمد الكاتب على علاقاته الشخصية، ولا تُعتبر مراجعات النقاد دليلاً مهماً للقارئ العربي الذي يواجه تحديات اقتصادية.
- دور النشر العربية تتبع أهواء السوق، مع وجود نوعين: دور نشر مغامرة تقدم كتّاباً جدد، ومؤسسات ثقافية حكومية تطبع لأغراض تثقيفية، مع الاعتماد على معارض الكتب للوصول إلى القراء.
توقفت وكالة أسوشييتد برس من بداية الشهر الجاري عن نشر مراجعات الكتب، مبرِّرة ذلك بانخفاض جمهور هذه التغطيات، وارتفاع تكاليف الإنتاج، وكذلك فقدان الجدوى منها بعد ظهور تحديات كبيرة لدى المستفيدين منها؛ مثل تراجع مبيعات النسخ الورقية، ونمو سوق الكتب الإلكترونية والسمعية، وظهور المحتوى المولَّد بالذكاء الاصطناعي!
قد لا يلفت الخبر القارئ في منطقتنا العربية، لكن ردات الفعل حوله في الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة تظهر عبر مقالات نُشرت هنا وهناك، وتنقل مدى تأثير مثل هذا الانكفاء على طرفي المعادلة: الكاتب والقارئ، وبينهما أدوات صناعة الكتاب؛ أي دور النشر التي تدق، ومنذ زمن طويل، نواقيس الخطر حيال تراجع معدلات التوزيع.
يظهر تحذير يقول إن هذا الانقطاع في التغطية النقدية قد يؤدي إلى فقدان الثقافة لعمقها، مع الاعتماد المتزايد على محتوى سريع الانتشار، بينما يرى آخرون أن الصحف المحلية التي تعتمد على هذه المراجعات لن تتمكن من استبدالها بسهولة، ما قد يضر بسوق التغطية النقدية الأدبية. ويقترح بعضهم اللجوء إلى منصات بديلة تتيح للكتّاب تقديم قراءات نقدية مستقلة ومستدامة عبر النشرات البريدية، مثل منصة Substack بوصفها نموذجاً بديلاً يدمج بين النصوص والصور والفيديو بطريقة أكثر جاذبية من المقالات المكتوبة.
واقع عربي
هذه الجلبة كأنها تدور في كوكب آخر بالنسبة للقارئ العربي؛ فهناك مفارقة تتعلق بمدى تداخل الأدوار بين الصحافة وآليات النشر التقليدية للكتب، وتأثر السوق بغياب نشرات مراجعات الكتب التي تدل القارئ ليس فقط إلى الإصدارات الحديثة، بل إلى ما ينتظره في كل كتاب، وإلى رأي بالمحتوى قد يغيّر توجهه! فالواقع العربي يعاني قدراً ملحوظاً من الارتباك وعدم الاستقرار، ومراجعات الكتب العربية لا تحضر بوصفها جزءاً مؤثراً في القراءة وفق تقييمات نقدية وعلمية دقيقة، بل بوصفها جزءاً من العلاقات العامة بين وسيلة إعلامية وبعض دور النشر، وقد يتداعى المستوى قليلاً لتكون نتاج علاقات شخصية بين الصحافي ودار النشر والكتّاب من المعارف والأصدقاء! وضمن هذا الحيّز لن يكون مهماً لدى القرّاء عموماً غياب صفحة قراءات الكتب في هذه الجريدة أو تلك المجلة.
يعتمد الكاتب العربي على علاقاته الشخصية في إيصال كتابه الجديد
لا يمكن تجاهل وجود صفحات عربية مهمة تعمل من أجل إبلاغ القراء بالإصدارات الجديدة، لكنها قليلة ويُخشى دائماً أن تؤثر أزمات النشر الصحافي فيها. الاستفسار عن تأثير غياب مراجعات الكتب في سوق النشر العربية قد يبدو غريباً، ليس لمتابعي هذا الشأن فحسب، بل للفاعلين في الصناعة ذاتها؛ حيث يعتمد الكاتب على علاقاته الشخصية في إيصال كتابه الجديد إلى الصحافيين أو النقاد الذين يمكن أن يكتبوا عن نتاجه، بينما يغيب تقليد التواصل مع هؤلاء من أجندة عمل دور النشر، باستثناءات قليلة. ويبقى في النهاية أن القارئ لم يعتد أن تصبح نشرات الكتب أو مراجعات النقاد دليلاً يوصله إلى الكتاب الذي يرغب فيه، فهو أسير معادلة مختلفة: قدرته على شراء الكتاب وسط أزمات هائلة تحيط بمعيشته، فتجعل القراءة آخر همومه!
حسابات السوق
تتبع دور النشر أهواء السوق وفق أسلوب يميل للبحث عن الأرباح، فلا يقوم بإصدار طبعات شعبية من الكتب الأكثر رواجاً، مما يبقي كتبها بعيدة عن يد شرائح واسعة من القراء، ويجعلهم يبحثون عنها في مجاهيل عوالم القرصنة السائدة.
غير أنّ الجهات التي تصنع توازناً في المشهد تتحدد في نوعين من الناشرين: الأول يتمثل بتلك الدور المغامرة التي تحاول تقديم كتّاب جدد ووجهات نظر مختلفة، وقد تعارض في بعض ما تنشره الموجات الكاسحة في السوق. أما الناشر الثاني الذي يُعوَّل عليه فهو المؤسسات الثقافية المموَّلة من ميزانيات الحكومات العربية التي تحاول أن تطبع الكتب دون أن تضع الربح هدفاً لها، وهي تستمر في فعل الشيء نفسه، لكنها تتأثر بالتوجهات الرسمية، وبالصراعات الإدارية القائمة حول تخفيض ميزانياتها أو زيادتها، لكنها في المحصلة تنشر الكتب ضمن إطار تثقيفي، ولا تتوجه إلى نشر كتب تطرح وجهات نظر مغايرة للرؤى السلطوية.
مَن يبدو مهتماً بنشرات الكتب من بين هؤلاء الناشرين؟ لن يكون الجواب صادماً؛ فهم مطمئنون إلى أن مرتادي مؤسساتهم لن يغيروا توجهاتهم بسهولة، ولا مشكلة لديهم في غياب الكتب عن صفحات الجرائد والمجلات، طالما أنهم يعتمدون على قارئ ينتظر مطبوعاتهم في معارض الكتب العربية، وليس في بلدانهم الأصلية!
* شاعر وناقد سوري مقيم في باريس