هل الأسرى هم العقدة أم إسرائيل الكبرى؟

24 مارس 2025
+ الخط -

الإجابة عن هذا السؤال بكل بساطة هي لا، فإسرائيل تقتل الشعب الفلسطيني منذ قيامها، ولم تتوقف يومًا عن ذلك، وهي ماضية في سياسة التطهير العرقي، تارة بالقتل والمذابح كما جرى في النكبة الأولى وما تلاها من مجازر متعددة ضد الفلسطينيين في الأرض المحتلة وخارجها، وتارة بالحروب التوسعية، وأخرى بالحصار كما هو الحال في غزة منذ 18 عامًا، وبالاستيطان الذي تكثف عقب "سلام الشجعان"، وأخيرًا بالعدوان والإبادة التي تستهدف اقتلاع من تبقى من الفلسطينيين في غزة والضفة وطردهم، وهذا هو جوهر المشروع الصهيوني.

وتشير المعطيات من اليوم الأول للعدوان إلى أن نتنياهو لم يكن يومًا منشغلًا بالأسرى أو مصيرهم، وكان واضحًا تمنيه العثور على مواقعهم لا لتحريرهم، وإنما لقتلهم والتخلص من عبئهم، ما يشغل نتنياهو بالدرجة الأولى بقاؤه في الحكم، وعدم انتهاء الحرب لأن نهايتها ستفتح ملف الإخفاق الكبير في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، كما أن نتنياهو المتحزم بائتلاف يميني صهيوني يرون جميعًا أن هذه هي الفرصة المناسبة لإقامة ما يسمى "إسرائيل الكبرى"، والتي لا يمكن أن تقوم وفق منظورهم دون حسم الصراع مع الفلسطينيين عبر إبادتهم، أي تصفية القضية الفلسطينية عبر تصفية الشعب الفلسطيني.

فمنذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في التاسع عشر من كانون الثاني/يناير الماضي ونتنياهو يجهز للعودة للحرب، وتجنبه الولوج للمرحلة الثانية كان مؤشرًا واضحًا على أنه يريد استرداد الأسرى أو أكبر عدد منهم، ثم العودة للقتل لأن مشروعه مرتبط ببعد ديني أيديولوجي يتبنى التطهير العرقي، وطرد الفلسطينيين، ولقد كان توقيعه تحت ضغط ترامب موافقة مؤقتة إرضاء للرئيس النرجسي المهووس بنفسه والذي لا يريد نتنياهو إغضابه، ومن جهة أخرى لتبريد جبهة أهالي الأسرى وعائلاتهم بإيهامهم برغبته في استعادة أبنائهم.

وحيث نقف اليوم، يتأكد للمراقب أن هذا الصراع صفري، فترامب الذي روج لنفسه "صانع سلام" يستثني منطقة واحدة من العالم من تلك المهمة وهي فلسطين، في فلسطين يريد فتح أبواب الجحيم الذي يقول إنه يريد إطفاءه في أوكرانيا، ويقول سلوك ترامب أنه لم يكن جادًا مطلقًا في وقف الحرب، وإنما كان يريد توقفها فقط نكاية ببايدن جراء عقد نرجسية خاصة بالرجل بأنه نجح فيما أخفق فيه سلفه من جهة، ومن جهة أخرى فإن ترامب كان يريد لكل الأضواء أن تتركز عليه لحظة التنصيب وعدم الانشغال بأي حدث آخر.

وحيث أننا في لحظة الصفرية هذه فإن الصراع يتجه لمزيد من التصعيد، ومن المرجح أن يواصل نتنياهو حربه على القطاع المحاصر المكلوم تحت عنوان جديد وهو تطبيق خطة ترامب، أي تهجير الفلسطينيين، وعنوان آخر في الضفة هو ضمها، مستفيدًا كذلك من وجود عتاولة الصهاينة في البيت الأبيض الذين يحيطون بترامب فضلًا عن قناعات الأخير نفسه الذي يريد أن يتفوق على سلفه في إثبات صهيونيته.

استئناف الحرب كان مطلبًا لبن غفير للعودة للحكومة وليس من أجل الأسرى ولا خلافه، ولطالما كان الدم الفلسطيني هو الحل لكل مشاكل نتنياهو وكيانه، ويسعى نتنياهو لتمرير الميزانية وتمتين ائتلافه الحاكم حتى نهاية عام 2026 مع تعويم قضية المحاسبة، بل إدانة كل خصومه المقالين وتحميلهم مسؤولية الإخفاق في السابع من تشرين الأول/أكتوبر.

أما عن مواجهة ذلك فلا تستطيع غزة وحدها مواجهة هذه الهجمة الصهيونية العابرة لفلسطين، إيقاف الحرب على غزة ومنع الاحتلال من استمرار ارتكاب المجازر ليست مسؤولية المحاصرين في القطاع الذين يتعرضون لحرب إبادة منذ 17 شهرًا، إنما هي مسؤولية أخلاقية دولية، ومسؤولية إنسانية، ومسؤولية للعرب والمسلمين: دينية وعروبية وأخلاقية وعشائرية وحق الجار على الجار والأخ على أخيه، هي حتى بعيدًا عن كل تلك العناوين مصلحية لأن الشعب الفلسطيني هو حائط الصد الأخير أمام المشروع الصهيوني الداهم، غزة المحاصرة قدمت كل شيء لكن ليس مطلوبًا من سجن مغلق أن يتصدى لهجمة صهيونية مُذخّرة أميركيًا، لا بد من تدويل الصراع ويجب أن تتوقف الشعوب عن خذلان إخوتهم، وأن تنتفض الشوارع، هذا واجب ديني وأخلاقي وإنساني وهو كذلك دفاع عن وجود هذه الأمة التي يغزوها القتلة من كل مكان ويستبيحون دماءها.

يذبح الفلسطينيون في رمضان جهارًا نهارًا وهم محاطون بأمة تصلي في المساجد وتبكي في الصلوات!! يذبحون بعد أن جوّعوا 17 شهرًا وبجوارهم ملايين يحرصون على سنة التراويح ويتجاهلون دماء إخوانهم التي حرمتها عند الله أعظم من هدم الكعبة حجرًا حجرًا! يقتلون عند السحور، وبعد الفطور، صباحًا ومساء، وفي بيت العزاء حيث تتقارب المسافات بين "المعزي" و"المعزى به"!!

C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد الأمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.