نعيمة سميح... غاب هلال المغرب

10 مارس 2025
+ الخط -

رحلت نعيمة سميح صاحبة الصوت المغربي الدافئ والبحة الذهبية عن دنيا الناس، تاركة إرثًا فنيًا خالدًا تناقلته أجيال. رحلت صاحبة "ياك آجرحي"، وتركت جرحًا كبيرًا لدى محبيها، رحلت بعد أن حفرت أثرًا لا يُمحى من الذاكرة المغربية. غنت سميح "جاري يا جاري" و"على غفلة" و"غاب علي الهلال" وغيرها من الخالدات، وهي الأغاني التي كبرنا معها وحفظناها أطفالًا، وكنا نتغنى بها ونتسامر حولها، وشكّلت جزءًا من طفولتنا وذكريات تأبى أن تغيب أو تصبح من مشمولات المنسيات.

كتبت ضيفة الملوك اسمها من ذهب، ونحتت مسيرة عظيمة تجاوزت حدود المغرب لتصل إلى المشرق العربي والخليج، وصارت من أعمدة الفن العربي.

رحلت سميح بعد أن دخلت كل بيوت المغاربة، وكانت مشاركتها في السهرات بمثابة أعراس ننتظرها على أحرّ من الجمر، ننتظرها إلى ساعات متأخرة من الليل بطلتها وهيبتها وحضورها الطاغي. غابت صاحبة الفن الهادف في زمن فن التفاهة والرداءة واندحار الذوق الفني.

شاركت في حفلات مولد الأميرات وأعياد الوطن، ومثّلت المملكة خير تمثيل في عدد من المهرجانات العربية وكانت خير سفير للأغنية المغربية.

لم تكن سميح مجرد فنانة، بل كانت صاحبة صوت وحضور وكلمات تسبر أغوار العلاقات الإنسانية والاجتماعية والجوار وحب الوطن.

لقد أكسبت نعيمة سميح الأغنية المغربية طابعًا إنسانيًا تجاوز الحدود، إذ أصبحت تردد خارج المملكة، وكتبت تجربة استثنائية

شاركت في المسيرة الخضراء، بعد أن قطعت زيارتها إلى بيروت لتعود إلى المغرب، وتحفر اسمها ضمن الأبطال المشاركين في هذا الحدث التاريخي.

نسجت سيدة الأغنية المغربية علاقات قوية مع القصر الملكي، وأصبحت ضيفته باستمرار، إلى أن حصلت في العام 2007 على وسام الكفاءة الوطنية بمناسبة الذكرى السابعة لجلوس الملك محمد السادس على عرش المملكة.

تعاملت سميح، التي رأت النور في الدار البيضاء سنة 1954، مع كبار الملحنين والشعراء المغاربة أمثال عبد القادر الراشدي وعبد القادر وهبي وأحمد العلوي، وعلي الحداني وأحمد الطيب العلج، من الملحنين العرب، ونالت عن جدارة واستحقاق لقب سيدة الأغنية العصرية في المغرب.

دوّنت اسمها بوصفها أصغر فنانة عربية وثالث مطربة عربية تغني على خشبة مسرح الأولمبيا الشهير في باريس عام 1977 بعد كل من أم كلثوم وفيروز، وأصبحت تحتل مساحات متزايدة الأهمية والحضور.

تميّزت بقدرتها على الوصول إلى كل شرائح المجتمع، وصولًا إلى القرى والمداشر بفضل تميزها وموهبتها الآسرة، التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وحافظت على ارتباطها الأصيل بثقافتها المغربية.

لقد أكسبت نعيمة سميح الأغنية المغربية طابعًا إنسانيًا تجاوز الحدود، إذ أصبحت تردد خارج المملكة، وكتبت تجربة استثنائية، أكسبتها شهرة واسعة.

عانقناها عبر صوتها، فالصوت هو العناق الأول، وأول ما نفقده بعد رحيل شخص عزيز هو صوته، فقدنا صوتًا عظيمًا، فقدنا قامة فنية كبيرة.

ورغم رحيلها في عيد المرأة الأممي، ستظل سميح حية بفضل خالداتها النابضة بالحياة، تُلهم كل من يستمع ويستمتع بها، وبفضل مواقفها الإنسانية الخالدة.

رحلت نعيمة سميح كحلم أسعدنا أطفالًا وكبرنا معه، ثم انطوى إلى الأبد، وبقي عالقًا في الأذهان عصيًا على النسيان.

أكتب عن نعيمة سميح التي أحس بشيء داخلي تجاهها، فينتابني شعور الارتباط نحوها كأنها فرد من العائلة، وحقًا كانت كذلك.

رحم الله سيدة الأغنية المغربية والعربية.

صحافي مغربي وباحث سلك الدكتوراه في العلوم السياسية.
حسن قديم
صحافي مغربي، باحث في سلك الدكتوراه في العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله.