عن التمييز ضد المرأة في السياسة والمجتمع

09 مايو 2025
+ الخط -

في عالمٍ يتغنّى بالتقدّم والحداثة، لا تزال السياسة تعكس صورة باهتة للمساواة بين الجنسين. فخريطة "المرأة في السياسة: 2025"، التي أعدّها الاتحاد البرلماني الدولي وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، لا تُزيّن الواقع، بل تفضحه. بالأرقام، تضعنا الخريطة أمام مرآة لا ترحم؛ النساء ما زلن زائرات في مراكز القرار، لا صانعات له.

هل يكفي أن ترأس النساء الدول أو الحكومات في 25 بلدًا لنقول إنّ الطريق إلى المساواة قد بدأ؟ وهل يكفي أن تمثّل المرأة 27.2% من أعضاء البرلمانات كي نشعر بالرضى؟ الإجابة، بكلِّ وضوح، لا. لأنّ ما تقوله الأرقام بصراحة هو أنّ الرجال لا يزالون يحتكرون غرف صناعة السياسات، وأن سقف تمثيل المرأة السياسي لا يُكسر، بل يُطعّم ببعض النوافذ الزجاجية الملونة.

الأدهى أنّ هذا التمثيل الجزئي لا يمتدّ إلى جميع الحقول السياسية. فرغم أنّ النساء يُكلَّفن بحقائب "مُتوقعة" كحقوق الإنسان والمساواة والحماية الاجتماعية، لا تزال الوزارات ذات التأثير الاستراتيجي (الخارجية، الدفاع، الاقتصاد)، في الغالب، نواديَ مغلقةً للرجال. وكأن الرسالة الضمنية تقول: تستطيع المرأة أن تُصلح، لكن لا تُدير. تُربّت، لكن لا تُقرّر.

النساء ما زلن زائرات في مراكز القرار، لا صانعات له

ليست المشكلة فقط في من يتولّى المنصب، بل في من يُسمح له بالوصول. فكلّ امرأة سياسية صعدت، هي قصة كفاح ضدّ مؤسسات ناعمة في ظلمها، خفية في تمييزها، تقف عند بوابات البرلمان والحكومة لتُذكّرها بأنّ السياسة لم تُصنع لها.

لكن ما يحدث في غرف السياسة ليس سوى جزء من مشهد أشمل. ففي مجتمعات كثيرة، تخوض المرأة معارك يومية في ميادين التعليم والعمل والحياة العامة. هناك، لا يزال الطموح امتيازًا مذكّرًا، والتعليم للفتيات خيارًا قابلًا للنقاش.

وحين تتخطّى المرأة تلك العتبات وتدخل سوق العمل، تواجه تمييزًا مقنّعًا بابتسامات مجاملة وقوانين لا تُطبّق. راتبها أقل، فرصتها أضعف، وحضورها في مراكز القرار يُعدّ استثناءً لا قاعدة. وإذا ما نجحت، يُنسب نجاحها إلى رجلٍ في الظل. لا أحد يعترف بقدرتها إلا مشروطًا، وكأنّ الإنجاز لا يليق بها إلا ممهورًا بختم الذكورة.

أما في المجتمعات المحافظة، فالشرف ليس قيمة، بل قيد. يُقايض به جسدها، وتُهدَّد به حريتها، وتُشكَّك فيه إن ارتفعت، أو لمعت، أو اختارت أن تكون نفسها. المرأة الناجحة هناك ليست قدوة، بل "شبهة" تستدعي التحقيق. كلماتها تُفتَّش، وسيرتها تُنقّب، فقط لأنها تجرأت على الخروج من الصندوق.

لا أحد يعترف بقدرة المرأة إلا مشروطًا، وكأنّ الإنجاز لا يليق بها إلا ممهورًا بختم الذكورة

المرأة، في هذه البيئات، لا تحتاج إلى امتيازات، بل إلى عدالة. لا تطالب بمعجزات، بل بحقوق؛ تعليم بلا تمييز، عمل بلا تحامل، وكرامة لا تُشترط بمظهر أو سلوك أو خطاب يُرضي الآخرين. إنها تطالب بأن تكون، لا أن تُبرّر وجودها.

وفي كل ذلك، يُستخدم الشرف والسمعة سلاحاً سياسياً واجتماعياً ضدها. فالنجاح الذي لا يُستساغ، يُشوَّه، والمكانة التي تُربك التوازن الذكوري، تُقوَّض بتهم تافهة، تُزرَع بعناية لتقليل أثرها وتلويث مسيرتها. هذه ليست معركة امرأة، بل معركة مجتمع مع وعيه.

النساء في هذه المجتمعات، رغم اجتهادهن وكفاءتهن، لا ينلن التقدير المستحق. يضطررن إلى إثبات أنفسهن مرارًا، بينما يُكافأ الرجال على الإنجاز ذاته، من دون عوائق أو مساءلة. هذا التفاوت لا يؤذي النساء فقط، بل يعطّل تقدّم الجميع.

ولأن العدالة لا تُبنى بنيّات حسنة، بل بخطوات جريئة، فإنّ الطريق نحو المساواة يبدأ من الداخل، من العقول التي تعترف بأنّ الكفاءة لا جنس لها، ومن السياسات التي تُنصف، لا تُجامل. نحن لا نمنّ على المرأة بفرص، بل نعيد لها ما سُلب منها. وحين نفعل، لا نكافئ النساء، بل ننقذ المجتمعات من العيش بنصف طاقتها.

خريطة 2025 ليست تقريرًا، بل تحذيرًا. تحذيرٌ من عالمٍ لا يزال يُدار بنصف عقل، ويُصمّم لمصلحة نصف إنسان.

كاتبة من اليمن
سارة الجعماني
كاتبة يمنية وباحثة في العلاقات الدولية والعلوم السياسية.