عائد إلى الشمال: رسائل لترامب
عاد أكثر من 300 ألف نازح، للمرة الأولى منذ 15 شهرًا من النزوح القسري، صباح الاثنين الماضي، من جنوب القطاع إلى شماله، في مشهد بطولي وملحمي، يعبر عن الارتباط الفلسطيني بالأرض، ورفضه كل أشكال التهجير والترحيل، ويؤكد عقيدته الصلبة وأساسها الإيمان القوي والصادق بقضيته، ويؤكد قوة المقاومة في تحرير الأرض والإنسان.
عودة النازحين إلى أرضهم ومنازلهم تأكيد آخر على هزيمة الاحتلال الإسرائيلي وفشل كل مخططات التطهير العرقي والإبادة، وسقوط عنترياته وسردياته التي تنهار كل يوم أمام صمود أسطوري لشعب يفضل الاستشهاد على مغادرة وطنه.
هذه المشاهد البطولية، رسالة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يحاول إنقاذ جيش الاحتلال من هزائمه المتتالية في الشرق الأوسط، من خلال اقتراحه ترحيل المزيد من الفلسطينيين نحو الأردن ومصر. والرسالة ببساطة باقون هنا ما بقي الزعتر والزيتون.
يريد الرئيس الأميركي الاستفادة بأكبر قدر ممكن مما جرى بغزة من تدمير وإبادة وبقوته الاقتصادية والعسكرية للضغط على الدول العربية، من خلال تقديم نفسه كراعٍ للسلام ومحب للخير لشعب فلسطين، بدعوى أن غزة لم تعد صالحة للعيش، وهي دعوة تثير الشك والريبة، بعد أن توعد بتحويل الشرق الأوسط إلى جحيم إذا لم يطلق سراح أسرى الاحتلال، فماذا الذي تغير بين الأمس واليوم؟
الرئيس الأميركي لا تهمه لا مصلحة غزة ولا مصلحة فلسطين، فهو تاجر بارع في سوق السياسة، ما يهم الرئيس الفوضوي سوى استبعاد المقاومة وشعبها عن غزة بعدما فشلت أشهر العدوان في هزيمتها، وترحيل شعبها فقط. وربما كانت الخطة مدروسة سلفًا، وتقضي بتدمير كامل غزة وتحويلها إلى ركام وقتل كل مظاهر الحياة وتحويلها إلى جحيم ومن ثم يسهل ترحيل الفلسطينيين، الذين سيجدون أمامهم قطاعًا تنعدم فيه الحياة، لكن لشعب الجبارين رأيا آخر.
الرئيس الأميركي يعي جيدًا أن الفلسطينيين لن يقبلوا بالترحيل والتهجير القسري، فكيف لشعب رفض مغادرة وطنه تحت قصف متواصل، ليل نهار وطيلة 15 شهرًا، بأعتى الأسلحة الأميركية والغربية، أن يغادر بناء على تصريح وطلب؟ الرسائل القادمة من شمال غزة تجيب. كما أنّ الشارع العربي الذي كان يمور طيلة أشهر العدوان على القطاع، دعمًا للمقاومة، لن يسكت على هذه الجريمة التي يتم التخطيط لها، بل سيكون على الموعد داعمًا لنضالات الشعب الفلسطيني.
وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها اقتراح ترحيل الفلسطينيين إلى خارج وطنهم، فسبق أن طُرحت مرات ومرات لكنها جميعها فشلت، وستفشل دائمًا، لأن ارتباط الإنسان الفلسطيني والعربي بأرضه أقوى من أن تحركه المدافع والمدرعات والصواريخ وتجتثه من أرضه.
الرد العربي كان سريعًا ولم يتأخر، فالجامعة العربية أكدت أن القضية الفلسطينية هي قضية أرض وشعب، وأن محاولات نزع الشعب الفلسطيني من أرضه، بالتهجير أو الضم أو توسيع الاستيطان، ثبت فشلها في السابق، وهي مرفوضة ومخالفة للقانون الدولي، وترحيل البشر وتهجيرهم عن أرضهم قسرًا يعتبر تطهيرًا عرقيًا. وهو ما ذهبت إليه كل من مصر والأردن، المعنيتين مباشرة بقضية ترحيل الشعب الفلسطيني.
الردود العربية، وإن جاءت هذه المرة سريعة، فلا بد لها من خطط عملية وسريعة لتنزيلها، بدل الاكتفاء بالشعارات في كل مرة، والمدخل الأول لذلك، لتثبيت الشعب الفلسطيني على أرضه، تقديم المساعدات الإنسانية والمساهمة في إعادة الإعمار، وتضميد جراح شعبنا في فلسطين، بدل الركون للخلف والقيام بردود الفعل، فالدول العربية مطالبة بأخذ المبادرة لصد الاحتلال، ففلسطين هي الخط الأول للدفاع عن الأمة العربية، وقد وجب دعمه والوقوف إلى جانبه.
راهن الغرب ومعه أميركا على انهيار المقاومة، بعد استشهاد قادتها، في مقدمتهم الشهيد يحيى السنوار والشهيد إسماعيل هنية، كما راهنوا على أن يخرج الفلسطينيون لينقلبوا ضدها، لكن صور شمال القطاع تؤكد أن الفلسطينيين خرجوا فعلًا، ولكن لتجديد العهد على المقاومة ومواصلة الطريق إلى حين دحر الاحتلال وتأسيس وطن فلسطيني من النهر إلى البحر، رافعين شعارات من قبيل حط السيف جنب السيف وحنا رجال محمد الضيف.
واهم من يعتقد أن فكرة المقاومة ستموت مع استشهاد أبطالها، بل ستخرج فكرة مشتعلة وملتهبة من تحت الركام ووسط الدمار لتواصل مسيرة التحرير، تحرير الأرض والإنسان. وأولى الإشارات الإيجابية عودة النازحين وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين.