جيل Z في المغرب: الضحية الصامتة لسياسات عمومية فاشلة
يعيش المغرب اليوم مفارقة صارخة: من جهة يسوّق صورة بلدٍ حديثٍ ومنفتح على العالم، يحتضن تظاهرات دولية ويشيّد ملاعب وبنايات ثقافية ضخمة، ومن جهة أخرى يبرز واقع اجتماعي مأزوم يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، ويثقل كاهل فئات واسعة من المواطنين، على رأسها فئة الشباب، وتحديداً جيل Z، الذي تحول إلى ضحية لسياسات عمومية مقلوبة رأساً على عقب.
هذا الجيل، المولود بين أواخر التسعينيات وبدايات الألفية الثالثة، لا يقتصر تميزه على الفئة العمرية فحسب، بل يمثل وعياً جديداً، وثقافة مختلفة، وطريقة فريدة في التعبير والفهم والمطالبة بالحقوق. نشأ وسط التكنولوجيا والإنترنت، يرى ما يحدث في العالم لحظة بلحظة، ويقارن واقعه بواقع أقرانه في بلدان أخرى، ما يجعله أكثر حساسية تجاه التفاوتات الاجتماعية وأكثر جرأة في رفض "الحيف" و"الحكرة" و"اللامبالاة" التي تُقابل بها مطالبه البسيطة.
على الرغم من الشعارات الرسمية المتكررة حول تمكين الشباب، فإن الواقع المؤسسي يُظهر خلاف ذلك. نسب البطالة بين الشباب مرتفعة جداً، وفق تقارير رسمية ومؤسسات وطنية، خصوصاً في المدن الصغرى والأقاليم الهامشية. الجامعات تُخرّج عشرات الآلاف سنوياً من حملة الشهادات، فيما يظل سوق العمل عاجزاً عن استيعاب هذا الكم من الخريجين. الحصول على سكن لائق، أو علاج جيد، أو تعليم ذي جودة صار حلماً بعيد المنال بالنسبة لعديد من العائلات الشابة، بينما تُنفق ميزانيات طائلة على مشاريع ضخمة وباعثة على البهرجة كالملاعب الضخمة والمهرجانات الكبرى.
تكمن المفارقة الكبرى: بدل أن تُراجع الدولة أولوياتها وتعيد توجيه الموارد نحو القطاعات الحيوية، فإنها تختار في كثير من الأحيان الصمت، أو تلجأ إلى القمع
لسنا معادين لتنظيم التظاهرات الكبرى أو لبناء المنشآت الرياضية والثقافية، بل إن المغرب يستحق أن يتقدم ويستثمر في البنية التحتية الثقافية والرياضية، لكن السؤال المحوري الذي يطرحه المواطن البسيط هو: من يستفيد فعلاً من هذه المشاريع؟ وهل من المقبول أن تُستنزف ميزانيات عامة في الزينة بينما تنهار قطاعات أساسية كالصحة والتعليم أمام أنظار الجميع؟ المستشفيات في كثير من المناطق في حالة يرثى لها، والمدارس العمومية تخرج أجيالاً من العاطلين، ليس لأن الشباب لا يرغب في العمل، بل لأن منظومة التكوين والتشغيل فاشلة في ربط التعليم بفرص الشغل الحقيقية.
وهنا تكمن المفارقة الكبرى: بدل أن تُراجع الدولة أولوياتها وتعيد توجيه الموارد نحو القطاعات الحيوية، فإنها تختار في كثير من الأحيان الصمت، أو تلجأ إلى القمع. عندما يعبر الشباب عن غضبهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي يُتهمون بنشر "الإشاعات" أو "التحريض". عندما يحتجون في الشارع، تُقابلهم الشرطة والملفات القضائية. عندما ينتقدون الواقع، يُوصمون بالخيانة أو "العدمية". هذا المنطق القائم على التخوين والترهيب لن يؤدي إلا إلى تفاقم الاحتقان الاجتماعي وتعميق الفجوة بين الدولة وسكانها الشباب.
جيل Z ليس جاهلاً ولا عشوائي الفكر. إنه جيل واعٍ، مثقف، متابع للشأن العام، يمتلك أدوات تحليلية ومصادر معلومات أوسع مما تتصور المؤسسات التقليدية. يقرأ الواقع السياسي ويكشف تهافت الخطاب الرسمي، ويقارن بين الشعارات والممارسات. والأهم أنه لا يقبل بعد الآن بالوعود الفضفاضة ولا بـ"تسويف" الحلول؛ الشباب يريد إجراءات ملموسة وخططاً واضحة تؤتي ثمارها في وقت معقول.
أكبر إخفاق تعانيه النخب السياسية اليوم هو عجزها عن التواصل الحقيقي مع هذا الجيل. الأحزاب التقليدية لا تزال تعمل بمنطق قديم يستند إلى الولاءات والتبعية والخطابات المستهلكة، وهي عاجزة عن قراءة طموحات الشباب الجديد أو فهم أساليبه في الانخراط السياسي والمدني. والنتيجة واضحة: عزوف سياسي واسع ومقاطعة للانتخابات وانهيار الثقة في المؤسسات.
وفي ظل هذا الوضع، لا بديل عن توقع احتقانات اجتماعية متكررة: احتجاجات متجددة، مقاطعات جماعية، هجرة ممنهجة للكفاءات، أو تمردات فردية وصامتة تشمل مشكلات صحية ونفسية كالإدمان والانتحار أو سلوكيات إجرامية. حينما يفقد الشباب إحساس الجدوى والآفاق، تصبح استقرارية المجتمع برمتها رهينة.
المطالب ليست معقدة أو مستحيلة التحقيق. الشباب المغربي يطلب الكرامة والعدالة وتكافؤ الفرص. يريد تعليماً يفتح أبواباً بدلاً من أن يغلقها، ونظاماً صحياً يحترم إنسانية المواطن، وإعلاماً صادقاً يعكس الواقع بدلاً من تزييفه، وسياسيين صادقين لا تجار مصالح. تحقيق ذلك يتطلب تحولاً جذرياً في فلسفة الحكم: الانتقال من منطق السيطرة إلى منطق الشراكة مع المواطنين، وتبني سياسات عمومية تستند إلى الأولويات الحقيقية للمجتمع.
ختاماً، جيل Z ليس عدواً للدولة؛ إنه صرخة واجبة الاستماع. إما أن تستجيب المؤسسات وتغيّر المسار، أو أن تستعد لمواجهات اجتماعية أعنف تتكبد على أثرها البلاد والمواطنون ثمناً باهظاً. لا نرغب في الوصول إلى هذا السيناريو، لكننا لن نصمت أيضاً.