في المقابل على الصعيد العربي، وبالرغم من وجود الدراسات والأبحاث التي تسرد تاريخ القضية، لم يتم العمل عربيًا على وعي المجتمع العربي للقضية الفلسطينية، وربما تم الاكتفاء بالبعد العاطفي لها كقضية عربية أو إسلامية لدى العرب والمسلمين معًا، واستغلت الأنظمة العربية، بما فيها القيادة الفلسطينية، هذا البعد العاطفي والديني بما يتناسب مع مصالحها لتتحول القضية الفلسطينية إلى أداة، في بعض الأحيان لقمع القضايا المحلية للشعوب العربية، وأحيانا للتفاوض على، أو كسب بعض المصالح للأنظمة العربية، وفي نفس الوقت كسب تأييد الشارع العربي.
ومع التغييرات التي تحدث في المنطقة على صعيد التطبيع مع الكيان الصهيوني، خرجت أصوات يراها البعض جريئة وغير معهودة في ما يتعلق بالعلاقة مع هذا الكيان، والبعض الأخر يراها استثناء أو أنها تعبر عن الرأي الرسمي الذي يهرول له من يقود عملية التطبيع بسرعة قاتله قد تؤدي الى صدام بينه وبين الشعوب.
لكن السؤال هنا: عندما كان الرأي الرسمي مساندًا للقضية الفلسطينية، هل كانت المساندة للموقف الرسمي أم للقضية نفسها؟ هل كانت هذه المساندة قائمة على وعي شعبي عربي للقضية، أم إنها اقتصرت على الأبعاد العاطفية الإثنية والدينية، كقضية عربية إسلامية؟
إن المراهنة على البعد العاطفي للقضية الفلسطينية لدى الشعوب ستكون خاسرة لأن العواطف تتغير ويتم التلاعب بها، كما أنها غالبا إذا لم تكن نتاج وعي سياسي وتاريخي للقضية سيكون من السهل تغييرها، خاصة إذا ما وضعت القضية مقابل المصلحة الشخصية للأفراد. ضمن حدة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها المنطقة، زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء، تكريس الثروة في أيدي وسطاء الشركات العالمية الكبرى، وتقليص دور الحكومات في الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية عموما، وسيتضاعف التمييز والعنصرية وغيره من عوامل عدم المساواة في المجتمع، وجود العديد من اللاعبين والعوامل وأثره على حياة الفرد اليومية، وليس من السهل تحليله وفهمه من الجميع، وبالتالي يستسهل الكثيرون عادة الأخذ بالرواية الرسمية، وبما يقدم لهم من تبرير لفهم ما يمرون به من ضغوط اقتصادية وغيرها، وكما نرى الآن في بعض الدول، فإن الأزمة الاقتصادية وعدم كفاية بعض الشعوب يبرران بأنهما نتيجة لاستنزاف القضية الفلسطينية اقتصاديا لهذه الدول وأن مرحلة العداء مع الكيان الصهيوني كلفت هذه الدول ثروات هائلة كان من الممكن استخدامها لصالح هذه الشعوب.
إن المراهنة على البعد العربي للقضية لا تقل خطورة عن البعد العاطفي، فإذا كان سبب دعم القضية الفلسطينية بعدًا إثنيًا يرتبط بالانتماء بشكل مقصور وضيق لهوية عربية تعتبر أسمى من غيرها، هنا نحن نكرس العنصرية عوضًا عن محاربتها. إن القضية الفلسطينية في أساسها قائمة على محاربة العنصرية، لذا فإن أي بعد لا ينسجم مع جوهر القضية سيؤدي إلى مقتلها.
إن تكريس القضية الفلسطينية ضمن البعد العربي العنصري أيضا لن تكون له حدود، فأي بعد عنصري سيكون قابلًا لأن يتجزأ إلى أجزاء صغيرة تكون أحيانا أخطر من العنصر نفسه، مثل الهويات الوطنية القطرية التي نجحت الأنظمة العربية بالتأسيس لها، والإشكالية الخاصة بالقضية هنا بأن الهوية الفلسطينية تستخدم مقابل الهويات الأخرى، فإذا كان لا بد، على سبيل المثال، للأردني، اللبناني، السعودي أو المصري أن يؤسس لهويته بشكل ينسجم مع الوضع الراهن، فلا بد أن يكون هذا بشكل أساسي ضد الفلسطيني، سواء كلاجئ، مواطن في هذه الدول أو مهاجر..
ضمن هذا الوضع أيضًا لم تتوانَ الدول العربية المختلفة عن الاستمرار في تهميش الإثنيات من غير العرب، وتسميتها بالأقليات، والتي هي جزء لا يتجزأ من المنطقة وحضارتها وتاريخها، في محاولة لفصل الشعوب حتى محليا بعضها عن البعض الآخر، مما همش جزءًا كبيرًا من سكان المنطقة، وفصلهم عن قضاياها وعمل على تغريبهم، وفي حالات كثيرة عزلهم عن القضايا المحلية والقومية، بما فيها قضية فلسطين.