تحدّثت رئيسة المنظمة العالمية لمناهضة التمييز والفصل العنصري (الجهة المنظمة) والمديرة التنفيذية السابقة للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (أسكوا)، ريما خلف، عن ثلاثة مستويات لعمل المنظمة: الجانب القانوني، والعمل البحثي، ثم تفعيل دور المجتمع المدني في إطلاق المبادرات والحشد والمناصرة في مقاومة الأبارتايد. وكانت خلف قد استقالت من منصبها في الأمم المتحدة على خلفية التقرير الذي أصدرته "أسكوا" عن الأبارتايد الإسرائيلي، وأثار احتجاجات سياسية في إسرائيل والولايات المتحدة. وهي تكمل مشوارها اليوم بالعمل مع معدّي التقرير الخبيرين الدوليين، مفوّض حقوق الإنسان السابق في الأمم المتحدة، ريتشارد فولك، وأستاذة السياسة في جامعة جنوب ألينوي الجنوبية في الولايات المتحدة، فرجينيا تالي.
ركّز منظمو المؤتمر على مفاهيم تشكل مبادئ عمل للمبادرة الجديدة، أهمها ضرورة الانتقال
من مرحلة "التشخيص" للأبارتايد إلى "العلاج"، أي ضرورة اتخاذ خطوات عملية تؤدي إلى تفكيك نظام الفصل العنصري، على غرار تجربة جنوب أفريقيا في هذا المجال. وشدّدوا على ضرورة وضع نظام الأبارتايد في مركز أجندة العمل الدولية، إذ لا يجوز بقاؤه على الهامش، فتحقيق انتصاراتٍ هامشية طفيفة هنا وهناك لا يحل المشكلة، فالمطلوب هو استهداف "عقيدة التفوق العنصري" لتفكيكها والقضاء عليها في فلسطين. كذلك تؤمن المنظمة بضرورة التأسيس لحركة حقوق إنسان في هذا الموضوع، وليس مجرد بناء تحالف آخر.
وخاطبت خلف، في كلمتها، الجهات التي تتواصل مع هذا النظام، منبهة إلى أن "التعامل مع نظام الأبارتايد لا يكون بمكافأته بالمسجد الأقصى وكنيسة القيامة. التعامل معه لا يكون إلا بمقاطعته ومعاقبته على جرائمه". وأضافت "هذا نظام سيسقط وسيسقط معه كل من آزره". ووجّه رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس، المطران عطالله حنا، في كلمته، نداءً إلى جميع الكنائس في العالم بالالتفات إلى فلسطين والقدس، مشدّداً على شراكة المسلم والمسيحي في الأراضي المقدسة في الاضطهاد وفي المقاومة أيضاً، وأن المسيحيين يتعرّضون لخطر وجودي في أرض الميلاد.
تحضر أهمية مبادرة مقاومة نظام الأبارتايد هذه في مواطن عديدة، وهي تملأ فراغاً كبيراً يتمثل في أخذ دور قيادي في مقاومة "عقيدة" نظام الأبارتايد واستهدافها، فتقوم بـ "دق جدران الخزان" في وقت تُجابه جرائم الأبارتايد الإسرائيلي في فلسطين بصمتٍ مطبق، أو بالتطبيع أحياناً، على الصعيد الرسمي في المجتمع الدولي. كما تمثل المبادرة شكلاً من "المقاومة"، بعد أن تم تغييب هذا المفهوم من قاموس الصراع العربي الإسرائيلي تارة، وتم استخدامه لتبرير جرائم أنظمة بحق شعوبها وإضفاء شرعية على فسادها أحياناً أخرى. وتقدّم المبادرة، ولو بشكل متواضع جداً، مثالاً لما يمكن لـ "المقاوم" أن يقدّمه في زمنٍ غابت فيه المقاومة عن "الرادار الوطني". وفي هذا الصدد أيضاً، تمثل المبادرة فرصة لتجميع الخبرات الفلسطينية وتكامل هويتها على مختلف أماكن وجودها، بعد ما أصابها من تشظٍّ موضوعي قام به الاحتلال، وذاتي تمثل في الانقسام المقيت، فهذا النمط من العمل يفتح المجال للجميع للمساهمة، كلّ حسب موقعه وطاقاته.
وتأخذ المبادرة نهجاً يتمثل في الانتقال من القاعدة إلى القمة، فتعمل على التغلغل في أوساط
المجتمع المدني، والتشبيك مع العاملين في هذا المجال، ما يساهم في إنشاء قاعدة صلبة، أو بنية تحتية لمقاومة نظام الأبارتايد، وزيادة الضغط على المستوى السياسي الرسمي. وأهمية إضافية أخرى للمبادرة أنها تترجم أحد تقارير الأمم المتحدة التي عادة ما يكون مصيرها الأدراج المغلقة، خصوصا المتعلقة بالقضية الفلسطينية، إلى المستوى التنفيذي، وتحديداً من الخبراء الدوليين الذين أعدوه، متحدّين بذلك الضغوط الأميركية - الإسرائيلية التي خضع لها حتى أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرس، فأوعز بإزالة التقرير من الموقع الإلكتروني للأمم المتحدة. وأن تجد خبراء دوليين بمستوى ريتشارد فولك وفرجينيا تالي وريما خلف يكرّسون وقتهم، ويدفعون ثمناً شخصياً لمقاومة "عقيدة الأبارتايد"، بالتأكيد أمر جدير بالاهتمام.
في الوقت نفسه، هناك تحدّيات عديدة تواجه هذه المبادرة. أولاً، وضع القائمون عليها أهدافاً طموحة جداً لمبادرتهم، مثل تفكيك نظام الأبارتايد الإسرائيلي في فلسطين، من دون توضيح الآليات التي ستؤهلهم للقيام بذلك. ما زالت رؤية المبادرة بحاجة إلى ترجمة على المستوى التنفيذي، تجيب على السؤال: كيف ستفككون نظام الأبارتايد؟ ثانياً، لا توضح المبادرة كيف ستنقل عملها من التحدّث في أوساط مناصريها إلى اختراق الاتجاهات المسيطرة على الفضاء العام في المجتمع الدولي، أو ما يسمى "mainstream" في مجالات البحث والإعلام والسياسة. وقد لوحظ أن حضور المؤتمر، وهذا مفهوم في هذه المرحلة، هو قدومهم من لون سياسي واحد، متفقاً أصلاً مع موقف المبادرة، وليس بحاجة إلى إقناع بعكس ذلك، وينطبق ذلك على المحطات الإعلامية التي تابعت الحدث. على القائمين على المبادرة الانتباه إلى عدم الانتهاء بعملهم بالتحدّث إلى مناصريهم فقط، أو ما يطلق عليه "preaching to the choir"، والتفكير كيف سينقلون الفعل إلى داخل الفضاء العام، أو المسيطر على قطاعات المجتمع المختلفة. فعلى سبيل المثال، كيف سينشرون مقالة رأي في صحيفة نيويورك تايمز، ويتم تغطية نشاط لهم من محطة سي أن أن، وينشرون مقالة علمية في مجلة فورين أفيرز، وأيضاً يتم دعوتهم إلى مؤتمر دافوس، حيث إن هذه المنصات، وأخرى مشابهة لها، تسيطر على مساحة تأثير شاسعة، وتتحكّم في صياغة الرأي العام. وهناك سؤال ما يسمى "الفيل في الغرفة" وهو التمويل. للأسف، لا تشتمل أهدافٌ، مثل تفكيك نظام الأبارتايد، على درجةٍ كبيرة
من الإغراء لممولين عديدين، ليس فقط على الساحة الدولية، ولكن العربية أيضاً في هذا الوقت تحديدا. فكيف سيتم تمويل نشاطاتٍ ذات أهداف طموحة جداً، مثل هذه المبادرة؟
لهذه الأسباب جميعها، يقع على عاتق كل من يؤمن بضرورة القضاء على نظام الفصل العنصري الإسرائيلي في فلسطين دعم هذه المبادرة، حتى يكون على الجانب الصحيح من التاريخ. صحيحٌ أن الأهداف طموحة في هذه اللحظة، وأن سقوط النظام المذكور ليس وشيكاً، ولكن التجربة الإنسانية أخبرتنا بسقوط التمييز العنصري الكريه في جنوب أفريقيا، وانتصرت حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الأميركية، وتم تخليد من وقفوا مع الحرية والعدل والكرامة الإنسانية، وتم تدوين من وقفوا مع الظلم والاستعباد والتمييز العنصري في سجلات العار.
لقد طرقت هذه المبادرة جدران الخزان في زمن السقوط والتشظي، وألقت الكرة في ملعب الجميع.