Skip to main content
مسلمو فرنسا والتعايش: سجال يتجدد مع كل اعتداء
محمد المزديوي ــ باريس

يجد مسلمو فرنسا أنفسهم في حالة ذهول وعجز بعد كل اعتداء إرهابي يضرب بلدهم أو مواطنيهم في العالم. حدث الأمر مع مقتل رهبان تبحرين السبعة في الجزائر في 27 مارس/ آذار 1996، ثم الرحالة إيرفيه غورديل سنة 2014 في الجزائر، وأخيراً مع الاعتداءات التي تضرب فرنسا، بصفة متكررة، منذ 2015.


ولا يبدو أن مختلف التصريحات، والتي صدَرَت من مختلف ممثلي مسلمي فرنسا المنددة بكافة أشكال الإرهاب، أنها تكفي لسدّ الشرخ الذي حفرته هذه الاعتداءات، ولا الدعوات التي وُجِّهت إلى مسلمي فرنسا لارتياد الكنائس هذا الأحد، لإبداء التعاطف مع المسيحيين.

صحيفة "لوبارزيان" الصادرة اليوم الأحد، قالت إن 57 في المائة من الفرنسيين لا يرونها مفيدة.

وفي كل مرة، تعيش فيها فرنسا اعتداءً يطرح سؤال الإسلام والعلمانية، وسؤال تلاؤم هذا الدين مع الديانات الأخرى ومع الجمهورية والعلمانية، وأيضاً سؤال مدى استطاعة مسلمي فرنسا التعايش السلمي مع مواطنيهم.

ومنذ الاعتداء الذي طاول صحيفة "شارلي إيبدو" الساخرة، لم يتوقف الحديث عن الإسلام الذي أصبح يغذّي مساحات الإعلام الفرنسي وأيضاً الجدل السياسي والفكري في فرنسا، والذي تعقبه استطلاعات للرأي مثيرة للقلق، يستغلها اليمين بشقيه المتطرف والكلاسيكي.

وبعد التصريحات النارية للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي ومساعديه بحزب "الجمهوريون" اليميني المعارض، تطالب بوقف تشييد المساجد وبالتشدد في الإجراءات القضائية، نرى عودة متكررة لرئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس، لمهاجمة كل التيارات الإسلامية. هذا الأخير دأب على مثل هذا الخطاب الناري منذ سنوات، منذ توليه وزارة الداخلية إلى الآن، في محاولة منه لـ"تشييد إسلام فرنسي".

والشيء الملفت، كل مرة، مع فالس ومع سياسيين فرنسيين آخرين، في تعاملهم مع الإسلام، هو نوعية "الاحتقار" أو الاستهانة بممثلي "مسلمي فرنسا"، إذ لا يكلفون أنفسهم عناء استشارتهم، حتى يَخال المراقب أنهم موظفون في وزارة الداخلية والأديان، لا غير. فقد فعلها ساركوزي، من قبل، حين فرض على مجموعة من أعيان المسلمين تأسيس ما سماه "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية" سنة 2003، ويفعلها مانويل فالس الآن. وهذا التعامل المهين، في نظر الكثير من الفرنسيين، لا تتجرأ الحكومة على تطبيقه مع ديانات أخرى في فرنسا.

ونشر فالس اليوم مقالاً في صحيفة "لوجورنال دي ديمانش"، "حول تشييد إسلام فرنسي"، يُطالب فيه بإعادة نظر شاملة في قضايا تكوين الأئمة، إذ عاد فيه إلى تصريحاته السابقة التي يعبّر فيها عن تصميمه على محاربة السلفية، والتي لاقت انتقادات كثيرة من المواطنين ومن الباحثين. فحاول أن يخفف منها، وكتب: "ليس كل السلفيين جهاديين، ولكن كل الجهاديين سلفيّون، تقريبا..."، وهو ما تكذّبه كثيرٌ من الحقائق ومن تقارير الاستخبارات الفرنسية.

وذكّر فالس بما قاله من قبل من أن الحكومة "ستكون صارمة مع من يدعو للكراهية وتمجيد العنف"، وأن "أماكن العبادة التي تأوي هؤلاء الدعاة سيتم إغلاقها. وحين يتعلق الأمر بدعاة أجانب سيتم طردهم".

كما صفّق اليمين الفرنسي لمقترح فالس حظر التمويل الأجنبي لتشييد المساجد في فرنسا، ولو أنه أبدى أسفه لأن الحكومة الاشتراكية سمحت بافتتاح المركز الإسلامي في مدينة نيس، والذي تم تشييده بمساعدة مالية من المملكة العربية السعودية. وهو ما يتناقض مع الحقيقة؛ لأن افتتاح المركز تم بأمر قضائيّ.

ومن جهة أخرى نشرت صحيفة "لوجورنال دي ديمانش" أخيراً بياناً لفرنسيين مسلمين يؤكدون "جاهزيتهم لتحمل مسؤولياتهم". وينتقد البيان التمثيلية التقليدية لمسلمي فرنسا، ويشير إلى "أن 75 في المائة من مسلمي فرنسا، اليوم، فرنسيون. وهم في غالبيتهم شباب". 

وجاء في البيان أن "ممثليهم التقليديين لا يتفهمون همومهم"، وبأنه "يجب إحداث تغيير يطاول الأجيال، وفق مشروع تنظيم واضح: توفير مصادر تمويل دائمة وشفافة للمساجد، وتكوين وتوظيف أئمة، وإنجاز عمل تأريخي وأنثروبولوجي وثيولوجي يتيح للمرء أن يكون، غداً، فرنسياً ومسلماً في جمهورية علمانية".

ويرى البيان أن الوقت لا يلعب في مصلحة مسلمي فرنسا، وبالتالي يجب التعجيل بإنجاز هذا المشروع وتحمل المسؤوليات: "قبل أن يواجه الفرنسيون بعضَهم البعض، وهو ما يسعى إليه تنظيم داعش".