Skip to main content
ظهر الفساد وعشَّش في اقتصادنا
د. فارس مسدور
الفساد ينخر مختلف القطاعات في الجزائر (Getty)
قد لا يصدق الناس أن الفساد في الجزائر فاق كل مستويات الفساد في العالم. هنا، لم يبق الفساد ‏محصوراً في فئات محدودة ومعيّنة بذاتها بل شمل كل المستويات، ليضرب الهرم كله من البواب إلى الوزير، أما الطامة ‏الكبرى فعندما يشمل الفساد أناساً وضعت الأمة ثقتها فيهم... 
في الجزائر، لا يمكن سوى طرح الأسئلة التالية: ماذا بقي لنا عندما نكتشف ‏قضايا فساد كان بطلها وزيرنا السابق للطاقة والمناجم، وهو الذي كان على رأس وزارة لمدة ‏طويلة جداً؟ ماذا ننتظر من ذلك الموظف الذي يرى المسؤول الأكبر في وزارته فاسداً؟ لا ‏ننتظر إلا الخراب.
فعلاً، امتد الفساد إلى كل شيء، ليطال خصوصاً الأشغال العمومية. مثلاً في ما يتعلق بالطريق ‏السيار في الجزائر، يعتبر سعر الكيلومتر الواحد منه الأغلى في العالم، وهذا بسبب الفساد الذي ينخر ‏فيه.
إذ تم إنجاز عدد من المشاريع الكبرى خلال فترة فاقت الخمس عشرة سنة الماضية، وبلغت نفقاتنا ‏عليها وعلى توابعها ما يفوق 800 مليار دولار.‏.. هو مبلغ خيالي، لدرجة أنه لا يمكن أن نتخيل بل نعجز أمام ضخامته حين ننظر إلى واقع الجزائر اليوم بعدما أنفق ‏عليها هذا المبلغ، حيث لا ترى أي تغيّر حقيقي وملموس في شتى المجالات. وكأن المبلغ أكله ‏البحر أو حرق في النار.‏
إنه الفساد الذي مهما تغذى على عرق الناس وثروات البلد لن يشبع ولن يتوقف عن طلب ‏المزيد، خاصة إذا وجد البيئة التي تغذّيه. بيئة تواطأت على مجاراة الفاسدين والسكوت عنهم. ‏بيئة ما تزال تعتبر الفاسد رجلاً ثورياً يأخذ من أجل الفقراء ويحارب الظلم والقهر. إنه الوجه ‏الكاذب والمغالطة التي دخل فيها عامة الناس وخاصتهم، فكل واحد يحلف بأغلظ الأيمان ‏أنه لو تتاح له الفرصة لفعل أكثر من الفاسد.‏
هنا في الجزائر، بنينا المستشفيات لكنها بقيت هياكل دون روح، بقيت مرافق دون أطباء، وخصصت لها ‏الميزانيات الضخمة التي أكلت أموالاً طائلة في تجهيزات لا يستفيد منها المواطنون. والنتيجة هي الضرر ‏الشديد الذي لحق بالوضع الصحي للسكان نتيجة الفساد العظيم الذي ضيع قطاع الصحة ‏في بلادنا، خاصة مع بروز القطاع الصحي الخاص الذي ظهر كبديل فإذا به يصبح الحليف الأول ‏لأولئك الفاسدين الذين دمروا الصحة في بلادنا.‏
ها نحن نرى الصيدلية المركزية تحرق أكثر من 700 مليار سنتيم دواء فاتت صلاحيته، رغم أن العجز ‏المسجل في المستشفيات في مجال الدواء رهيب جداً. غير أن الفساد الإداري دفع بهذه الأدوية لتأكلها النار بدلاً من أن يستفيد منها المريض في بلادنا... إنه الفساد في أبشع صوره.‏
ثم يأتي السياسي الذي يحكمنا ليطلق لجنة لمكافحة الفساد تتابع الصغار وتترك الكبار. تتابع ‏الصغار بدقة وكأنها تقول لهم: "لماذا لستم حوتاً كبيراً حتى نخاف منكم ولا نقرب حصنكم المنيع؟"... ‏
هكذا تترسخ صورة نموذجية في بلدي: الحوت الكبير الفاسد يأكل الحوت الصغير. وهكذا يظهر الفساد ويعشش في اقتصادنا.
(خبير اقتصادي جزائري)

إقرأ أيضاً: الأردن.. خطوات وتحديات